الصعود للقمة.. طلاب يقهرون الفقر

يمكن أن نرث الأموال لنصبح أثرياء، لكننا
لا نملك أن نرث الموهبة لأنها لا تورث، بل هي منحة وعطاء رباني يزيد وينقص
بالملكات الشخصية وتنميتها.
يمكن أن تكون فقيراً، وهذا لا يشينك، لكن
الفقر ليس فضيلة وليس استسلاماً لقساوة الواقع، فأنت مطالب شرعاً بكسب المال من
حلّه، وتحسين أحوال معيشتك.
لست مطالباً أن تكون موهوباً، لكن يجب أن
تكون جاداً وناجحاً، فكثيراً ما يتوهم البعض أن النجاح مرتبط بتوافر الأموال؛ لأجل
التغلب على عقبات الحياة الكؤود.
لك أن تتخيل في متوالية عصرنا السريعة
تقنياً أن أحداً لا يمتلك جوّالاً، فأنت تراه في نظرك قد جاء من عصور ما قبل
التاريخ، فكيف به لو كان طالباً متميزاً وحقق نجاحاً دراسياً مرموقاً دون أن يمتلك
هذا الجوال.
قبل أيام، أشاد عدد من النشطاء بمقطع
فيديو تم تداوله على منصات التواصل الاجتماعي؛ الذي وثقته إحدى كاميرات المراقبة،
حيث يُظهر شاباً يقف أمام أحد المحلات يستعلم عن نتيجة الثانوية العامة، لأنه لا
يمتلك هاتفاً.
استعلام الطالب عن نتيجته تكلل بالنجاح
وظهر تفوقه، حيث ظهر فرحاً سعيداً، وكان السجود لله شكراً على النجاح أول رد فعله.
عَلَت البسمة على محيّاه وظهر الرضا على وجهه وجوارحه، حيث صافح صاحب المحل عقب إخباره، لسان حاله أنه ليس متبرّماً ولا ضجراً بسبب عدم امتلاك الهاتف، لكنه أعطى درساً أن الأمل والعزيمة والإرادة تتحقق بدون وسائل سيطرت على حياتنا وأنها ستتوقف عند فقدانها.
https://x.com/hamad_alkhudiri/status/1970471701310828763?s=09
مقطع الفيديو المتداول تبين لاحقاً أنه
لأحد الطلاب من الجزائر، الذي فتح الباب أمام نماذج لعدد من البسطاء الذين لا
يملكون إلا قوت يومهم، لكنهم لم يستسلموا للفقر، بل حققوا نجاحاً باهراً والتحقوا
بكليات مرموقة، كان من بين هؤلاء شاب جزائري آخر؛ سجل أيضاً قصة كفاح وصمود لا
تعرف الكسل أو الرضوخ للفقر والعوز، بل هي أشد قساوة من نظيره الجزائري الآخر.
تفوق بدون هاتف ذكي
رغم الفقر والحرمان والعوز وقلة ذات
اليد، أثبت الطالب المتميز ناصر ناصري؛ الذي ينحدر من ولاية البيض الجزائرية جدّه
وجديته، وقال كلمته بعد رحلة من الصبر والكفاح.
حقق تميزّه وهو يفترش العراء ويجلس على
الغبراء، لا يمتلك إلا قوت يومه، يستذكر على ضوء النهار، يعيش في منزل أشبه
بالكوخ، تقتحمه الأمطار في الشتاء وتحرقه الشمس في الصيف.
يعيش ناصري رفقة عائلته في بيت قصديري،
تنعدم فيه أدنى شروط الحياة، وما لفت انتباه الجميع أن هذا الطالب النجيب لم يحضر
أي دروس خصوصية، ولا يملك هاتفاً ذكياً، ولا حتى غرفة للمراجعة والاستذكار، ولكنه
كان في قائمة الأوائل.
ناصري حصل على معدل 18 من 20 في شهادة
التعليم المتوسط هذا العام 2025، رغم الفقر المدقع؛ الذي يعيشه هو وأسرته ورغم
قساوة الظروف التي لا يتحملها أحد.
نموذج يمني مشرف
ناصري لم يكن وحده من أبطال تحدي الفقر
والعوز ومشاق الحياة، بل شاركه في نفس معاناته طالب آخر، كانت المسافة بينهما أبعد
ما يكون، هذا في اليمن وذاك في الجزائر، لكن الإرادة التي امتلكها الطالب سامي
عبدالله حققت له ما أراد وبعزيمته اتسق له ما أمّل.
حصل الطالب اليمني على 97.13% في نتائج
الثانوية العامة لهذا العام، رغم أنه لم يكن يملك الوقت الكافي للتفرغ للمذاكرة،
لعمله في أحد فروع المطاعم بالعاصمة صنعاء، لأجل إعانة أسرته.
غادر الحديدة مسقط رأسه قبل 6 سنوات رفقة
أسرته واستقر في صنعاء، لكن لم يهزمه الفقر، بل أكمل دراسته، وحصد مركزاً مرموقاً.
وجد الطالب اليمني نفسه يعيش بين 6
أفراد، فشمّر للعمل لإعالة أسرته، وتمكن وهو ابن السابعة عشرة، من تحقيق إنجاز
استثنائي في الثانوية العامة القسم العلمي، ورغم الفقر والحاجة، فإنه ما زال
متمسكًا بحلمه في دراسة الفيزياء النووية.
من بائع الفريسكا لمنحة بكلية الطب
قبل سنوات، تصدر اسم الطالب المصري إبراهيم
عبدالناصر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى منصات احتفالية بعصاميته
وصرامته، لم يستسلم للفقر، بل تحول من عامل يبيع الحلوى على أحد الشواطئ إلى طالب
بكلية الطب.
بائع الفريسكا فاجأ الجميع بحصوله في
الثانوية العامة حينها على 99.6% ليلتحق بكلية الطب، التي تثقل كواهل العائلات
والأسر الميسورة، توفر كل السبل وتذلل كل الوسائل لأبنائها ليلتحقوا بها، ولكنها
تدير ظهرها لهم، لكن بائع الفريسكا، كانت حالته أبلغ للجميع ودرساً فريداً في الجد
والمثابرة.
بعد تفوقه كانت أول عباراته أنه أسعد
الناس لأنه كان سبباً في سعادة والده العامل المكافح، وتوالت على هذا الطالب
المكالمات، بعد أن هاتفه وزير التعليم وقتها، وأكد له أن كلية الطب قد فتحت
أبوابها أمامه، وما عليه إلا أن يكمل صبره وكفاحه.
وبعد قرار الوزير غير المتوقع، انخلع
قلبه من الفرح، لكنه لم يهرب أو يتبرأ من واقعه أو عمله، بل أكد أنه من خلاله نال
ما أراد رغم فقره، ولم يستسلم لحياة قاسية أو يتمرد على أسرته، بل كان مكافحاً
غنياً عزيز النفس رابط الجأش.
السميط نموذج كويتي ملهم لدعم الفقراء
قصص وحكايات البسطاء وكفاحهم مؤثرة، ولكن
سرعان ما يتم نسيانها بقصة أكثر تأثيراً من سابقتها، لكن بدلاً من البكاء على
الفقير أو اجترار عذابات التعاطف، هناك طرق ووسائل عملية عوضاً واقعياً عن سردية
قصص التسلي وإشباع النفس بتعاطفها مع الفقراء والبسطاء، وهو ما حوّله الطبيب
الكويتي عبدالرحمن السميط من عاطفة إلى عقل يفكر، ومن التسلية واللهو إلى العمل
والجد، ومن بؤرة صغيرة إلى عالم أوسع لإغناء الفقراء واستنقاذهم من حملات التنصير.
السميط كان له قصب السبق، حيث يعتبر
مشروعه نموذجاً ملهماً لغيره ويمكن استدعاؤه كمشروع لإنقاذ الفقراء، متى تحقق
الصدق وصحّ العزم.
كانت أفريقيا قبلة مشروع السميط وأرضه
الخصبة؛ التي وجد فيها ملاذه، واجه فيها حملات تنصيرية عاتية استخدمت الفقر لإجبار
الناس على التنصير، وهو ما رفضه وأعطى المسلم وغيره فكلهم محتاجون، كلهم من بني
الإنسان.
توّج السميط رحلته التي امتدت لثلاث عقود
في محاربة الفقر بدخول أكثر من 10 ملايين في الإسلام.
آثر الطبيب الكويتي عبدالرحمن العمل
الإغاثي مبكراً، ولكنه يممّ وجهته لأفقر مناطق العالم لتكون رحلة عمره أكثر نفعاً
ودرساً أوقع لكل من يريد فعل الخير ودعم الفقير.
بدت عليه أعمال الخير ودعم البسطاء في
حالة مبكرة من حياته، حيث جمع في المرحلة الثانوية هو وأصدقاؤه مبلغاً مالياً من
مصروفهم اليومي واشتروا به سيارة، لينقلوا العمال البسطاء إلى عملهم أو إلى
منازلهم دون مقابل مادي.
وبعد رحلة عمرية شاقة قدم السميط نموذجاً
لاستنقاذ الفقراء بإنشاء منظمة تعليمية تضم أكثر من نصف مليون طالب، وتمتلك أكثر
من 4 جامعات، كما استطاعت حفر وتجهيز أكثر من 8600 بئر، وإعداد وتدريب أكثر من
4000 داعية ومعلم لاستنقاذ الناس من الجهل.
اقرأ أيضاً:
الاقتصاد المجنون.. لماذا يزداد الفقر في عالم أكثر ثراءً من أي وقت مضى؟