غزة.. مقياس إنسانيتنا!

د. جاسم الشمري

11 أغسطس 2025

255

التطوّر الذي أصاب حياتنا لا يقلّ خطورة عن أي داء قاتل ضرب البشرية في العهود الغابرة والماضية، وهو داء خطير ضرب إنسانيتنا بمقتل وجعلنا نتعايش مع الكثير من الصور السوداوية.

ومن أتعس المواقف الإنسانية أننا نتابع أحداث العالم أولاً بأول، وبلا رتوش، وعبر النقل المباشر في القنوات الفضائية العاملة في مواقع الأحداث، وعبر التصوير الشخصي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومع ذلك تآلفنا مع القتل والخراب!

وهكذا فنحن نتابع مأساة غزة، بطريقة مباشرة ومؤلمة، وفي ذات الوقت لا نملك القدرة على منع العدوان، أو التقليل من آثاره لأننا خارج نطاق المكان، وبالتالي فنحن نتآكل بسبب الحال السقيم الماثل أمامنا.

هو العار الممزوج بالذل والخنوع والتوحش بعد أن وقف الملايين من البشر وهم يتابعون جريمةالعصر «الإسرائيلية» بقتل أهالي غزة، وتجويعهم، والعمل على احتلال القطاع أمام أنظار العالم.

و«إسرائيل» لم تكتف بقتل أكثر من 60 ألف مدني فلسطيني، ولم تشبع همجيتها من صراع أكثر من مليون ونصف غزي للجوع بعد عدة أشهر من حصار همجي يُراد منه قتل المدنيين وسحق أي مظهر من مظاهر الحياة في غزة، وهي اليوم تحاول احتلال كامل القطاع.

وهذا العجز عن نصرة المظلومين في غزة له جملة أسباب يمكن تحديد أهمها:

- الوعي الهشّ: وهذا يعني أن المتخاذلين لا يملكون الوعي الجيّد لفهم أولويات نصرة الإنسان؛ أي إنسان، دون النظر لبقية الوشائج ومنها الدين والقومية وغيرها، وبالتالي وجود بقية الروابط يُعدّ من دواعي الدفع لنصرة الإنسان، وهذا ما ينطبق على الدول العربية والإسلامية تجاه غزة.

- الأنانية: وهذه الصفة السلبية البغيضة تدفع بعض الناس للتفكير بذواتهم وحياتهم الخاصة دون النظر لما يدور حولهم، وكأنهم في عالم آخر لا صلة له بالآخرين، ولو كانوا في دول مجاورة، وهذا قمة الانسلاخ من القيم الإنسانية.

- المواقف الرسمية المعارضة للفعاليات السياسية: وهذا الأمر بَيّن، ولا يحتاج إلى مزيد شرح وتفصيل، ولكنه في الحقيقة له تبعات مستقبلية ضارة حتى بالدول المحاربة لنصرة القضايا الإنسانية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

- الإلهاء المتعمد للناس: وهذا يكون عبر سياسات مدروسة من بعض الدول لتشغل الناس ببعض الفعاليات البعيدة عن السياسة وعما يدور في العالم من أحداث، وربما، من أبرزها المهرجانات الفنية والرياضية والسياحية وغيرها.

وحتى لا يُفهم الكلام بشكل خاطئ، فنحن لسنا ضد المهرجانات النافعة للوطن والناس، ولكن التوقيتات المريبة هي التي دعتنا للتركيز على هذه المسألة.

- الجهل واللامبالاة: قد يكون الجهل بأهمية قضايا الأمة الجوهرية، وامتزاجه بنوع من اللامبالاة من الأدوات الزارعة للخذلان في صفوف الجماهير.

- القنوط من التغيير: وهذه مسألة خطيرة يفترض محاربتها بالأدوات الفعالة ومن بينها الإعلام؛ لأن اليأس والقنوط من الأدوات الداعمة للعدو، والضاربة لصميم روح النصر والتكاتف والتلاحم بين أبناء الأمة.

هذه الأسباب وغيرها ساهمت في حالة التراخي العامة في الكثير من الدول العربية والإسلامية، ومن المخجل أن نرى التفاعل من قضية غزة في دول أجنبية، بينما الكثير من الدول العربية تتجاهل مأساة غزة ومعاناة أهلها.

وقد لاحظنا يوم السبت 9 أغسطس 2025م مئات آلاف المتظاهرين في شوارع لندن وطوكيو وستوكهولم وكوالالمبور والولايات المتحدة وهولندا والسويد وألمانيا وفرنسا والنرويج وتشيلي والأرجنتين وغيرها نصرة لغزة، وكذلك المغرب وتونس وليبيا، بينما بقية المدن العربية والإسلامية كانت في حالة سبات تام!

ومن هنا ينبغي أن نعمل على نصرة غزة بكل ما نطيق ونتمكن لأنها قضية إنسانية وعقائدية وفكرية ناصعة.

ولهذا، فإن المطلوب ليس نشر الفوضى وضرب القوانين في الدول العربية والإسلامية، بل العمل على فعل الممكن من قول، أو عمل، أو موقف، والسعي لمحاربة التقاعس واليأس والبخل والخوف غير المبرر.

لنتكلم ونكتب ونتظاهر ونتكاتف ونتلاحم ونقف ضد الجرائم الصهيونية البشعة ضد الفلسطينيين العزل، لأن السكوت سيبعث رسالة سقيمة للعدو مفادها أن العرب والمسلمين تركوا غزة تواجه مصيرها، وأنه يمكنهم فعل ما يريدون دون أن يتحرك غالبية العرب والمسلمين لنصرة غزة وأهلها.

ومن الضروري التأكيد بأن السكوت عن نصرة القضايا العادلة، ربما يجعل الساكت في الكفة المناصرة للظالم، وعليه يفترض العمل على نصرة غزة بكل الأدوات المتاحة، وقد أعجبني بيع امرأة عراقية يوم 9 أغسطس 2025م، لبيتها ببغداد وتبرعها بمبلغ نصف مليون دولار ثمن البيت كاملاً لنصرة غزة!

هجوم «إسرائيل» المرتقب لاحتلال كامل غزة ينبغي أن يزيد من تلاحمنا بالكلمة والموقف والتوعية والمقاطعة والدعاء، وهكذا نكون قد أدينا بعض الذي نتحمل مسؤوليته.

وأخيراً لنسأل أنفسنا: هل نصرنا غزة حقاً؟ وهل نحن مقتنعون بما قدمناه لغزة؟ وهل لو كنا بذات موقف أهل غزة، سنرضى بهذه المواقف العربية والإسلامية أم لا؟

نصرة غزة جزء من إنسانيتنا، وغزة هي مقياس إنسانية الإنسان في كل مكان من الكرة الأرضية اليوم.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة