«بدلة الرقص».. الصدمة والرعب!

يتواصل الجدل، المصحوب برفض مجتمعي واسع، حول «بدلة الرقص» التي ارتداها الفنان محمد رمضان، ضمن فعاليات مهرجان «كوتشيلا فالي» عام 2025م، في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

الجدل الدائر في الشارعين المصري والعربي، لا يتعلق فقط بكون ما إذا كان اللباس مستوحى من زي فرعوني، أو أنه يشبه «حمالة الصدر» النسائية، بقدر ما هو جدل حول القيم والأفكار والرسائل التي يراد بثها من خلال ممثل سبق منحه «الدكتوراة الفخرية في التمثيل والأداء الغنائي»، ولقب «سفير الشباب العربي»، من مراكز ثقافية وفنية مشبوهة.

مكمن الخطر هنا، أن ارتداء «بدلة الرقص» أو الأقراط الذهبية، وغيرها من الأزياء ذات المدلول الجنسي، يأتي ضمن تكتيكات «الصدمة والرعب» المتبعة في الحروب، ويجري تنفيذها في مجالات السياسة والاقتصاد والفن والثقافة والرياضة.. وغيرها.

نظرية «الصدمة والرعب» (Shock and Awe) هي إستراتيجية عسكرية، جرى صياغتها عام 1996م، وتعتمد على إظهار قوة ساحقة في بداية الصراع، تهدف إلى إحداث شلل نفسي ومعنوي لدى الخصم، من خلال استخدام قوة مدمرة، وتوجيه ضربة سريعة ساحقة للعدو، تكون قادرة على إرباكه وتحطيم إرادته، على أن تصبح تلك القوة العسكرية أداة نفسية بقدر ما هي أداة تدمير مادي.

جرى تطوير وتعميم النظرية، لتطال مجالات أخرى؛ سياسية واقتصادية وثقافية ورياضية، على سبيل المثال لا الحصر، التهديد بتهجير سكان غزة، واستعادة قناة بنما، ورسوم ترمب الجمركية، وارتداء لاعبي كرة القدم شارة دعم الشواذ، وغيرها من الأساليب التي تستخدم علم النفس القتالي في إصابة العدو بالصدمة والرعب.


من «مدفع رمضان» إلى «بدلة الرقص».. صدمة القدوة وتحديات قيم الشباب! |  مجلة المجتمع الكويتية
من «مدفع رمضان» إلى «بدلة الرقص».. صدمة القدوة وتحديات قيم الشباب! | مجلة المجتمع الكويتية
أثار ظهور الفنان المصري محمد رمضان ببدلة رقص في مه...
mugtama.com
×


تحطيم «التابو»

من وراء الكواليس، يجري بفعل فاعل، تمرير الإستراتيجية ذاتها إلى ساحات الفن والدراما والمسرح والغناء، لتحدث صدمة مدوية، تضع الجميع في حالة دفاع، بل تسوقه إلى الانهزامية أمام نموذج فج، يراد تعميمه في المستقبل، على أن يقوم بالدور المرسوم بدقة، نجم شهير، يحطم «التابو»؛ أي المحظور في نظر المجتمع، أو ما يراه الناس من المحرمات، أو الخطوط الحمراء التي يحظر تجاوزها، بحسب معايير ومقايس كل مجتمع.

المستهدف هنا ليس الشيخ المسن، أو رجل الأربعين، أو شباب العشرين، لا.. بل الأجيال القادمة، أطفال اليوم، البراعم والزهرات، هم شباب الغد، وأمل المستقبل، الذي يُراد له في وقت مبكر من عمره، قمع قيمه، وسحق هويته، ومسخ شخصيته.

بشكل أوضح، لو قلنا منذ 20 أو 30 عاماً: إن الشباب والفتيات سيرتدون «البنطال الممزق» لوُصفنا بالجنون، ولو قلت لك: إن الرجال سيشاركون في مسابقات الرقص وعروض الأزياء وملك الجمال؛ لأبديت تذمرك واشمئزازك مني، ولو قلت: إن المرأة ستشارك في سباقات الهجن وبطولات والملاكمة والمصارعة الحرة، لأعدت وصفي بالجنون.

هكذا يجري -رويداً رويداً- تمرير ملابس وأفعال الشواذ، على أن تكون الثمرة في عام 2050م، حينما نرى شباباً يرتدون البدلة ذاتها، ويقومون بالأفعال ذاتها، وربما يعلنون التزاوج فيما بينهم، باعتبار ذلك «موضة» وعلامة «تمدن» وصيحة «تحضر»، البداية تكون برفض مجتمعي واسع، تحريم، ثم تنديد، ثم استنكار، ثم استسلام، ثم تطبيع، ثم احتفاء، حينها سيقولون: إنها حرية شخصية!


مدفع رمضان و«مقالب رامز»! |  مجلة المجتمع الكويتية
مدفع رمضان و«مقالب رامز»! | مجلة المجتمع الكويتية
إن المتأمل للرسائل التي يتضمنها برنامج «مدفع رمضان» ليجد فيها ما يمس ثوابت الإسلام
mugtama.com
×


التطبيع مع العبث

مخطط تمرير وترويج سلوكيات مستفزة للمجتمع أو شاذة، أو منافية للحياء العام، لا يتم تنفيذه بواسطة عوام الناس، بل عبر نجوم ومشاهير تمت صناعتهم وفق معايير غربية، وأهواء صهيونية، وينفق عليهم مليارات الدولارات، ويتم منحهم الجوائز السنوية، وشهادات الدكتوراة الفخرية، لينجح مخطط التطبيع مع العبث.

تبدأ صناعة النجم من عمل بطولي في فيلم ناجح، أو شخصية شعبية في مسلسل شهير، أو دور إنساني في برنامج خيري، ولا مانع من تقديمه كفاعل خير، برنامج «مدفع رمضان» نموذجاً، أو داعية مثلاً، برنامج «قطايف» نموذجاً، لتُمهد الأرض، وتتسلل السموم لاحقاً إلى وريد الجسد المجتمعي.

إلى جانب تمرير «التطبيع مع العبث»، يجري أيضاً تمرير التطبيع مع العدو «الإسرائيلي»، وقد سبق لمرتدي «بدلة الرقص» احتضان المطرب «الإسرائيلي» عومير آدام، في حفل بمدينة دبي، عام 2020م، وهو ما احتفى به المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، معلقاً: ما أجمل الفن والموسيقى والسلام!

إن الأطفال والمراهقين والشباب هم الفئة الأكثر تأثرًا بتلك النماذج، مع تنامي نزعة التمرد لديهم، والرغبة في الإحساس بنوع من التحرر، مع ارتفاع متزايد لنبرة العزف على وتر الحرية الشخصية، دون وعي أو إدراك لأثرها على الفرد والأسرة والمجتمع، هنا يقع الجميع في إشكالية تربوية، وأزمة أخلاقية، وفراغ قيمي.

إن التطبيع مع أنماط سلوكية شاذة لهو أمر خطير له ما بعده، إذا تهاونا في التصدي له، بل ومحاسبة مرتكبيه وفق الشرع والقانون، وتجريم تلك الأفعال، ومقاطعة أصحابها، وإلا فإن «بدلة الرقص»، بما تحتويه من معان ودلالات ورسائل سلبية، ستكون زياً محتملاً لأجيال جديدة، أريد لها اكتساب الفهم الخاطئ للحرية، والتخلي عن القيم، والتطبيع مع الشذوذ.

الأمر أكبر من «بدلة رقص»، إنه خطر محدق بنا يحاول تفريغ المجتمع من المرجعيات الأخلاقية والدينية والعرفية، ليصبح كل سلوك مقبولًا ما دام صاحبه يراه حرية، وكل سلوك منحل وشاذ مقبولاً، ما دام صادراً عن نجم أو لاعب مشهور، وهو في الحقيقة معول هدم لكل ما هو قيمة وفضيلة.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة