مدفع رمضان و«مقالب رامز»!

إن
مثل هذه البرامج تثير العديد من المخاوف الشرعية والاجتماعية، وقد تؤدي إلى ترك
الناس أعمالهم في انتظار مكالمة "حظ"، أو سحب عشوائي يصطاد رقم هاتفهم
الجوال، أو أن يظلوا يبحثون عن هذا النجم أو غيره ليحقق لهم أحلامهم، فيقتدون به،
وهو ليس أهلا للقدوة الحسنة.
قد
يظن البعض بأن هذا المال حلال، لكنه في الحقيقة مال حرام لا علاقة له بالعمل
المشروع من قرب أو بعيد، ولا يترتب عليه فائدة للمجتمع، وقد يجعل الفائزين يركنون
إلى المكاسب السريعة، فتنزلق أقدامهم إلى الشبهات والحرام.
وقد
أجاز أهل العلم بذل المال في المسابقات العلمية، التي يستعان بها على إقامة الدين،
وإعلاء شأنه، أو مسألة علمية نافعة، فلا حرج فيها، وإن كان هذا المال مكتسبا من
مسابقات على الأغاني والمسلسلات، أو المسابقات الكروية، أو ملكة الجمال، وجمال
الخيل، وملكة جمال الكلاب، وغير ذلك مما استحدث في عصرنا من مسابقات، فهو مال
حرام، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا سَبق إلا في نَصْل أو خُف أو حافر» (رواه
الترمذي والنسائي وأبو داود).
قال
الإمام ابن القيم، رحمه الله، في كتابه: «الفروسية»: «وإذا كان الشارع قد أباح
الرهان في الرمي والمسابقة بالخيل والإبل؛ لما في ذلك من التحريض على تعلم
الفروسية وإعداد القوة للجهاد، فجواز ذلك في المسابقة والمبادرة إلى العلم والحجة
التي بها تفتح القلوب ويعز الإسلام وتظهر أعلامه أولى وأحرى». وإلى هذا ذهب أصحاب
أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية.
تنمر وتعذيب:
تزداد
خطورة هذه النوعية من البرامج، إذا أضيف لها فقرات من الخدع والألعاب التي تدفع
المشاركين والضيوف إلى الانهيار النفسي، وإطلاق السباب والشتائم؛ بدعوى تعرضهم
للخوف أو التنمر والسخرية، مثل «مقالب رامز» على أن ينتهي البرنامج بتنازل الضيف
عن حقه الشخصي فيما تعرض له من إيذاء، بينما العمل نفسه محرم شرعا.
اقرأ أيضا: "الميديا"..
وصناعة القيم (3 - 3)
إن
الفن الهادف والإعلام الراقي لا علاقة له من الأساس بتقديم وجبة دسمة من التنمر
والسخرية والإيذاء والتعذيب، وقد نهى الإسلام عن ترويع الناس، حتى ولو كان على
سبيل المزاح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً» (رواه
أبو داود)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة
تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه» (رواه مسلم).
تقول
دار الإفتاء المصرية في فتوى صادرة عنها، حملت رقم «109891»، هذا نصها: "إذا
خلا المزاح من قصد الاستهزاء بشخص معين أو تحقيره، ومن فاحش القول وبذيئه، ومما
يروع فهو جائز شرعا حينئذ، ولا مانع من سماعه وقوله، وأما إذا اشتمل على شيء من
ذلك فإنه يكون حراما".
بالله
عليكم، كيف سيكون حال الطفل الصغير، وهو يشاهد شخصا يعذب آخر، ويستعذب ذلك، بل
ويتنمر عليه، وينتزع الضحكات من المشاهدين على ما يفعله به، أليس من الوارد أن
يكرر ذلك مع أشقائه وأقرانه فيقع الضرر الفادح لهذا أو ذاك، بما يخالف قاعدة رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» (رواه أحمد وابن ماجه).
لسنا
أمة الهزل والسخرية، ولو تحت غطاء فني أو كوميدي، نحن في شهر القرآن، نتدبر قول
الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ
عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ
يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا
بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ
فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات: 11).
اقرأ أيضا: "برامج المقالب"
في ميزان الدين والأخلاق