اقتحام ذكرى «خراب المعبد».. هل بدأ تقسيم المسجد الأقصى؟

علي إبراهيم

04 أغسطس 2025

212


لم يعد العدوان على الأقصى مجرد محاولات هامشية لتدنيس المسجد، أو استهداف مكوناته البشرية، ولكنه -ومنذ سنوات عدة- محاولات حثيثة لحسم هوية المسجد، وتحويل الوجود اليهودي في الأقصى من وجود طارئ إلى وجود دائم، وبطبيعة الحال تحويل كل ما يتعلق بهذا الوجود، من طقوس وصلوات ورقص وحضور بشري، إلى وجود طبيعي، وأمام تصاعد هذه المخططات خلال السنوات الماضية، شكل اقتحام الأقصى في 2/8/2025 بالتزامن مع ذكرى "خراب المعبد" أنموذجًا لتصعيد العدوان على المسجد بشكل غير مسبوق، وتحقيق قفزات، ليس في أعداد مقتحمي الأقصى فقط، بل في مجمل أشكال العدوان على المسجد، ونستعرض في هذا المقال أبرز ما جرى في المسجد خلال هذا الاقتحام.

«الأقصى» يئن.. صعود الطقوس اليهودية وانعكاساتها |  Mugtama
«الأقصى» يئن.. صعود الطقوس اليهودية وانعكاساتها | Mugtama
بينما يئن المسجد الأقصى تحت وطأة الانتهاكات شبه ا...
mugtama.com
×

أبرز الانتهاكات في الأقصى في "خراب المعبد"

•        بلغ عدد مقتحمي المسجد الأقصى نحو 3969 مستوطنًا، وهو أكبر عدد لمقتحمي المسجد في يوم واحد، منذ بداية الاقتحامات، وفي مقارنة مع العام الماضي استطاعت أذرع الاحتلال تحقيق قفزة في أعداد المقتحمين وهي زيادة تبلغ نحو 32.3%، وهي قفزة كبيرة تمثل تطورًا خطيرًا في حجم ومدى الاقتحامات وقدرة هذه المنظمات على حشد المزيد من أنصارها للمشاركة فيها.

•        سمحت شرطة الاحتلال مجددًا بوجود 6 أفواج بشكل متزامن داخل المسجد، وهو ما أدى إلى تكثيف الوجود الاستيطاني في الأقصى وفي العديد من المواضع في المسجد.

•        شارك في الاقتحام وزيران في حكومة الاحتلال وهما وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، ووزير النقب والجليل المتطرف يتسحاق فاسرلاوف، وثلاثة من أعضاء "الكنيست" وهم عميت هليفي وشارن هاسكل، وأوشر سيكليم، وقد أدوا طقوسًا علنية في ساحات الأقصى المختلفة، أبرزها أداء السجود الملحمي الكامل وصلاة "بركات الكهنة" وغيرها.

•        أدى المستوطنون طقوسًا تلمودية علنية في ساحات المسجد الشرقية، وفي عدد من المواضع من المسجد، بشكل جماعي، ومن بينها أداء صلاة "بركة الكهنة" و"السجود الملحمي" وصلاة "شماع"، وتلاوة مراثي "إرميا".

•        أدخل مستوطنون الأدوات الدينية اليهودية، من بينها "مخطوطة المراثي"، وكشفت صور أخرى عن محاولة عدد من المستوطنين إدخال لفائف التوراة.

•        وثقت العديد من الصور ارتداء عدد من المقتحمين للأدوات الدينية اليهودية، وفي مقدمتها تميمة "التيفلين" وشال "طاليت" وغيرها.

•        رفع عدد من المستوطنين أعلام الاحتلال، ونشرت أذرع الاحتلال صورة لعضو "الكنيست" عميت هليفي، وهو يقف قرب عدد من المستوطنين ممن رفع علم الاحتلال.

•        أدى عشرات المقتحمين الرقصات والغناء بشكل جماعي.

•        استباح مستوطنون آخرون، أبواب المسجد، مثل الحديد والغوانمة والقطانين، وأقاموا صلواتهم عندها، تزامنًا مع التضييق على المصلين الفلسطينيين، عند أبواب البلدة القديمة والمسجد.

•        أديت الصلوات وغنيت الأغاني بصوت مرتفع في أنحاء متفرقة من المسجد، أثناء تجول المقتحمين داخله.

•        مددت شرطة الاحتلال مدة الاقتحام المسائي لـ 15 دقيقة، حيث انتهى في الساعة الثالثة والربع (15:15).

اقرأ أيضاً: هل بدأت المعركة الأخيرة للسيطرة على المسجد الأقصى؟

قراءة في تصاعد أعداد المقتحمين

تُظهر المعطيات السابقة أن المسجد الأقصى المبارك قد شهد بالتزامن مع ذكرى "خراب المعبد" واحدة من أعتى موجات التدنيس والاقتحام، إن في كثافتها وأعداد المشاركين فيها، أو فيما تضمنته من طقوس وغيرها، فقد اقتحم المسجد نحو 3969 مستوطنًا، من بينهم نحو 3022 مستوطنًا خلال الفترة الصباحية فقط، وسط انتشار أمني كثيف من قِبَل شرطة الاحتلال، ومما أسهم في تصاعد أعداد المقتحمين، سماح شرطة الاحتلال بدخول ستة أفواج استيطانية بشكل متزامن، وهو ما ينعكس على تكثيف الوجود اليهودي داخل المسجد في وقت واحد، وفي مقارنة مع العام الماضي استطاعت أذرع الاحتلال تحقيق قفزة في أعداد المقتحمين ففي عام 2024 اقتحم الأقصى 2958 مستوطنًا، ما يعني أنها حققت هذا العام زيادة تبلغ نحو 32.3%، وهي قفزة كبيرة تمثل تطورًا خطيرًا في حجم ومدى الاقتحامات، وقدرة هذه المنظمات على حشد المزيد من أنصارها للمشاركة في هذه الاقتحامات.

وهذا التصعيد العددي لا يُقرأ بمعزل عن السياق السياسي والديني الذي تسعى "منظمات المعبد" إلى ترسيخه، حيث يمثل الوصول إلى هذه الأرقام، وما يجري في الاقتحام من انتهاكات وتدنيس، اختراقًا رمزيًا للسيادة الإسلامية على المسجد، ورسالة واضحة بأن الأقصى لم يعد "خطًا أحمر" كما كان يروج في الخطاب الرسمي الفلسطيني أو العربي. بل أصبح مسرحًا مفتوحًا للمضي قدمًا في سيناريوهات التقسيم الزماني والمكاني على غرار ما جرى سابقًا في المسجد الإبراهيمي في الخليل، وهو الأنموذج الذي تسعى إلى تطبيقه أذرع الاحتلال التهويدية.

اقرأ أيضاً: هل نجح الصهاينة في تهويد «الأقصى» وضاعفوا وقت صلاتهم على حساب المسلمين؟

مشاركة سياسية بارزة في الاقتحام

إلى جانب الحضور الاستيطاني الكثيف، شارك في هذا الاقتحام عدد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية، من بينهم وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، المعروف بخطابه التحريضي ضد المسجد والفلسطينيين، وكذلك وزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف، إلى جانب ثلاثة من أعضاء الكنيست، أدوا جميعهم طقوسًا تلمودية في ساحات المسجد، منها طقوس السجود الملحمي الكامل، وتعكس هذه المشاركة الرسمية التبني الرسمي الإسرائيلي للعدوان على المسجد، ورعاية المستوى السياسي لما يجري في المسجد من محاولات لتثبيت الوجود اليهودي، وتقديم المزيد من الدعم لمنظمات الاحتلال المتطرفة، إضافة إلى أن مشاركة هؤلاء السياسيين في أداء الطقوس العلنية رسالة بأن المستوى السياسي هو من يشرف مباشرة على أداء المستوطنين لهذه الطقوس، وأنها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من أي عدوان على المسجد.

المستوطنون اليهود يتولون الإشراف على المسجد الإبراهيمي رسمياً! |  Mugtama
المستوطنون اليهود يتولون الإشراف على المسجد الإبراهيمي رسمياً! | Mugtama
هناك قرار صهيوني بالاستيلاء بالكامل على الحرم الإ...
mugtama.com
×

تدرج ممنهج نحو "تقسيم فعلي"

لا يمكن قراءة مختلف هذه الاعتداءات على أنها حوادث معزولة، بل تأتي ضمن مسار متصاعد نحو فرض التقسيم المكاني للأقصى، مع استمرار ترسيخ التقسيم الزماني والتمادي في تطبيقه وتوسيعه، أسوة بما جرى في المسجد الإبراهيمي بالخليل، ويمكن تسليط الضوء على جملة من المؤشرات وخاصة العمل على توسيع أوقات الاقتحام بأكبر قدر ممكن، وتوسيع أداء الطقوس العلنية في مختلف ساحات الأقصى، مع تركز أدائها في ساحات المسجد الشرقية، وما يتصل بهذه الطقوس من إدخال الملابس الدينية والرموز المختلفة، وما يتصل بفرض وقائع ميدانية جديدة مثل السماح بعدة أفواج متزامنة، والمضي قدمًا في استباحة المسجد من خلال الرقص والغناء وغيرها.

ولا شك أن المضي قدمًا في العدوان وغياب أي مواجهة حقيقية، سيفتح المجال أمام المزيد من الانتهاكات في قادم الأيام، خاصة أن بن غفير صرح في اليوم الذي سبق الاقتحام خلال مشاركته في مسيرة المستوطنين الليلية بأنه يحلم بإعادة بناء "المعبد"، ما يشير إلى أن هذا الهدف جزء من مخططات الاحتلال، والتي تسعى إلى تحقيقها، وأن المعركة في القدس جزء من المعركة في غزة، وهو ما يؤكد إرادة استثمار العدوان على غزة كغطاء لتكريس "السيادة الإسرائيلية" على المسجد الأقصى. وبكل أسف إن استمرار التمادي الصهيوني في فرض الوقائع على الأقصى، جزء من التأكيد بأن القدس والأقصى خارج حسابات أي تسوية أو هدنة، وأن الانتصار في القدس لا يقل أهمية عن "الانتصار" في غزة، وأن الاحتلال سيواصل تنفيذ أجندته التهويدية في القدس، بعيدًا عن أي تطورات داخلية أو خارجية، وإن التزامن ما بين العدوان على غزة، والتصعيد في الأقصى، يؤكد أن العدوان في كل فلسطين ليس منفصلًا عن أصل المشروع الصهيوني الإحلالي، والذي يستهدف تصفية الهوية الوطنية والدينية الفلسطينية برمتها، وصولًا إلى اجتثاث الفلسطينيين بشكل كامل، في غزة بالمجزرة، وفي الأقصى بالتهويد التدريجي.

 


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة