الإعلام الفرعوني.. جذور ومعالم

الإعلام
الفرعوني له جذوره وموارده، داعموه ومناصروه، رموزه ومسوقوه. تتنوع أساليبه،
وتتعدد وسائله، لكنها كلها لا تنفك عن مناصرة الباطل وحزبه، والوقوف في وجه الحق
وأهله. والهدف هو قلب الحقائق والعبث بالقيم وهدم المبادئ، وفوقها نشر التفاهة
وتسويق الفساد وإعلاء الاستبداد. مع أعداء الدين، هو هين ليِّن، خاضع مستكين، ومع
أهل الإصلاح المؤمنين، هو عدو مبين، يدقق ويحقق، ويرصد ويحرض، بل يدعي ويفتري، وكم
له من جولات متتابعات حقدًا وتطاولًا، وتشويهًا وانتقاصًا، وكذبًا وتدليسًا على
المرابطين والمجاهدين.
إنه إعلام...
يدعم الطغيان ويساند الظالمين، يزين الباطل ويزرع الأوهام، يشوه المصلحين ويلوث الأنقياء، يصنع قدوات كرتونية ينفخ فيها بأبواقه ليضخِّمها ويعلي قدرها ويحوِّل شخوصها إلى عمالقة وما هم إلا أقزام لئام.
دعائم هذا الإعلام...
كذب وبهتان، تهوين وتهويل، تخوين وافتراء، تلبيس وتدليس، ضلال وإضلال.
فعل فرعون الأفاعيل، ارتكب المجازر ونشر الرعب، استبد واستعبد، قتل واستباح. ثم ها هو يخاطب موسى مذكرًا إياه بخطأ صدر منه عن غير قصد قائلًا: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (الشعراء:18-19).
إنه إعلام مستبد، أحادي الرأي، يسبح بحمد الحاكم ويدعو له، يتحدث عن فضله وفضائله، يكبر إنجازاته، بل يصنع له إنجازات، ويجعل أعماله معجزات ويظهره صاحب مكرمات وكرامات.
والخطاب الإعلامي الفرعوني، خطاب تبريري، تغريري، إقصائي، انتقائي، ادعائي، تضليلي.
انظر إلى كلمات فرعون وهو يتحدث في قومه: (وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف:51-54).
وهو إعلام إبليسي المنهج، قاروني المورد، الغاية عنده تبرر الوسيلة، ليس لديه مانع أن يستعين بالمأجورين ويعتمد على الأفاكين ويحيك المؤامرات مع السحرة والدجالين.
قدوته في ذلك فرعون مصر الذي استعان بالسحرة ورصد لهم مكافأة ثمينة إن هم غلبوا بكيدهم موسى عليه السلام. قال تعالى: (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (الأعراف:113-114).
وهو إعلام لا يعتد بحلال ولا حرام، ولا تهمه قيم ولا فضيلة، يسعى فسادًا وإفسادًا، وإن ادعى صلاحًا وإصلاحًا، يجيد المكر والخداع والتلاعب بالألفاظ، ويحسن تحريف الكلم عن مواضعه.
استمعوا إلى هذا الطاغية وهو يقول: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26).
وانظروا كيف أصبح فرعون المفسد المستبد الحارس على القيم والدين، وغدا موسى عليه السلام هو الذي يشكل خطرًا على الدين. سبحانك هذا بهتان عظيم.
ويعلو في هذا الإعلام صوت الطغاة المتجبرين، فلا رأي يعلو على رأيهم، ولا فكر فوق فكرهم المعوج الذي يدعون استقامته.
استمع إلى فرعون وهو يقول: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد)ِ (غافر:29).
ويستمر التطبيل والتزمير، والبهتان والتزوير، وتتضخم الأنا عند الطواغيت، وترتفع عندهم موجة الكبر، فلا نعجب أن نجدهم يرفعون أنفسهم فوق البشر بدعم من إعلامهم المنافق، أليسوا هم خير خلف لسلفهم ورائدهم حين قال: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي) (القصص:38).
ونحن
اليوم أيها الكرام وقد عتا فيه الإعلام الفرعوني عتوًا كبيرًا وعلت فيه أمواجه
سفاهة وتضليلًا، وتهوينًا وتهويلًا، وادعاءً وتشويهًا، غدا واجبًا علينا أن نقابل
هذه الأمواج بالفهم والوعي، ثم العمل والسعي، لننطلق بعد الإدراك إلى الحراك
وزادنا نور الحق وصدق البيان، وفهم بخطورة المؤامرات، وعلم بطرق المواجهة، دراسة
وتخطيطًا، وتقنية وإبداعًا، وتزكية وارتقاء، وبذلًا وعطاء.