دلالات توراتية عدوانية..

سر تغيير نتنياهو اسم حرب غزة إلى «القيامة والنهضة»

محمد جمال عرفة

20 أكتوبر 2025

151

غيرت حكومة الاحتلال الصهيوني، بشكل رسمي، في 19 أكتوبر 2025م، مسمى الحرب على غزة من «سيوف حديدية» إلى «حرب الانبعاث»، أو «القيامة والنهضة»، وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أطلق هذا المسمى بعد مرور عام على الحرب، وذلك في 7 أكتوبر 2024م، واعتبر نتنياهو تلك التسمية امتداداً لـ«حرب الاستقلال»؛ أي نشأة دولة الاحتلال عام 1948م.

خطوة تغيير اسم الحرب تبدو رمزية لترسيخ رواية نهوض «إسرائيل» وإعادة انبعاثها وقيامتها مجددًا، لترد على هجوم «طوفان الأقصى»، 7 أكتوبر 2023م، وتهاجم 6 دول أخرى (لبنان واليمن وإيران وسورية وقطر والعراق)، بجانب فلسطين، لكن التسمية التوراتية الجديدة تشير لنوايا عدوانية، بخلاف الدعاية لنتنياهو.

فقد جاء القرار لترسيخ رواية نتنياهو للحرب بعد عامين من اندلاعها، وهي أنه لم يفشل في صد «طوفان الأقصى»، وعاد ونهض وانبعثت «إسرائيل» من جديد لترد على المحور الإيراني وتنتصر، بعد تصاعد الانتقادات له والضغوط الداخلية والخارجية.

منذ اليوم الأول لحرب غزة، ونتنياهو وحكومته يستخدمون مصطلحات دينية توراتية تستهدف شيطنة العرب والمسلمين وتبرير العدوان والإبادة.

وقبل «طوفان الأقصى» كانت حكومة نتنياهو تستخدم أيضًا مصطلحات دينية، فقد رصد موقع «الترا فلسطين»، في 31 مارس 2022م، نحو 250 اسمًا أطلقها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» على عملياته العسكرية، أو على أسلحة طورها منذ نشأته، وتبين أن نحو ثُلثها جاء من أسماء توراتية، ومزجت بقية الأسماء بين تعبيرات التوراة وأخرى تاريخية مثل الخروج من مصر الوراد في التراث اليهودي.

ما السر؟

فكرة تغيير الاسم من ناحية التسمية اللغوية تعني أن «إسرائيل» نهضت وقامت (قيامة) من كبوتها بعد هزيمتها من «حماس»، في 7 أكتوبر 2023م، وقتل 1200 «إسرائيلي» في قرابة 3 ساعات، ومن ثم محاولة إزالة هذا العار بتغيير الأسماء ومخاطبة مشاعر «الإسرائيليين» المحبطة وإيهام نتنياهو الصهاينة بأنه انتصر ولم ينهزم وخاض 7 حروب.

يطمع نتنياهو بتسمية لها دلالة وتداعيات تاريخية تُشي بحدث مؤسس جلل ينطوي على شحنة عاطفية وجدانية، طمعًا بزيادة احتمالات البقاء في السلطة، ويريد إرسال رسالة مفادها أن «إسرائيل» نجحت في مواجهة هذا الحدث الخطير «طوفان الأقصى»، والنهوض منه وقلب الموازين، ومن ثم تلميع صورته المنهارة قبل الانتخابات «الإسرائيلية» العام المقبل.

أما الهدف من تغيير الاسم ودلالاته من الناحية الدينية التوراتية فتعني:

1- استدعاء قصة دينية توراتية هي قصة «العماليق»؛ وهم عدو تاريخي أبدي للشعب اليهودي، يقول اليهود: إنهم عذبوهم واضطهدوهم؛ لذا يتحدثون عن محاربتهم وإبادتهم، ولكنهم يصورون الفلسطينيين والعرب والمسلمين حاليًا على أنهم هم «العماليق»!

2- فكرة النهضة والقيامة تنطوي على فكرة الانتقام، وتُستخدم لتأطير العدو المعاصر (أهالي غزة وفلسطين) وشيطنتهم ونزع الإنسانية عنهم كي يسهل تفسير وتبرير ما يفعلونه من تجويع وإبادة!

3- فكرة حرب القيامة والنهضة أيضًا (من منظور ديني صهيوني)، ترتبط بنصوص لديهم عن يأجوج ومأجوج والصراع النهائي في نهاية العالم الذي يحشرون فيه أنفسهم بدعاوى أنهم شعب الله المختار وسوف ينتصرون على أعدائهم.

4- تغيير اسم الحرب إلى «القيامة والنهضة» يستهدف أيضًا تبرير احتلال والاستيلاء على ما يسمونه «الأرض الموعودة»؛ أي استعادة السلطة على القدس وإعادة بناء «الهيكل»؛ أي الإيحاء بأن السيطرة أو الاستحواذ على مناطق تاريخية دينية (القدس، المسجد الأقصى) له بُعد خلاص تاريخي وديني يستثمره مناصرو التوسع الاستيطاني والضم لشرعنة سياسات تغيير الواقع الجغرافي/الديموغرافي.

5- هذا الخطاب الديني يقوم على فكرة المخلّص أو المسيانية (Messianic rhetoric) ويقصد بها إشارات إلى بدايات عصر المسيح (يسمونه بدايات عصر المشياخ)، أو دلالة إلهية على فاعلية الحدث؛ تُستعمل لرفع معنويات الشارع «الإسرائيلي» وإضفاء بُعد أسطوري على الحرب.

6- جانب من تغيير تسمية الحرب لاسم ديني توراتي مغازلة المسيحيين الإنجيليين في أمريكا الذين يقرؤون أحداث التاريخ وفق الطريقة اليهودية، ويدعمون الإبادة «الإسرائيلية»، ويعتبرون حلفاء لـ«إسرائيل»؛ بهدف ضمان مؤيدين في أمريكا لـ«إسرائيل» وعدوانها.

كما يستغل هذه الأسماء التوراتية لجذب حلفاء خارجيين، خصوصًا اللوبيات الإنجيلية في الولايات المتحدة، وكذا من أجل قمع أي معارضين له ولتياره الديني المتطرف بدعاوى أنهم خونة، أو أن أي معارضة له تعتبر خيانة أو ضعفًا أمام قدر إلهي!

وقد شرحت تقارير لصحيفة «هاآرتس» اليسارية التي تعارض الصهيونية الدينية، كيف أن حكومة نتنياهو تلعب على وتر أن الحرب في غزة علامة على اقتراب المسيح للضرب على وتر المشاعر الدينية للمسيحيين.

وتحدثت مقالات رأي وتحليلات لمحللين «إسرائيليين»، منهم شلومو بن أمين، في موقع «Project Syndicate»، عن أن الخطاب العام لحكومة نتنياهو تحوّل إلى هلاوس مَسيّانية؛ أي دينية توراتية، تقود لسرديات تستهدف تبرير العنف وتصعيد الحرب.

دلالات توراتية

الرموز والنبوءات التوراتية التي يستخدمها أو تفسرها حكومة الاحتلال والتيارات الدينية الصهيونية لتبرير أو تفسير حرب إبادة غزة تحمل دلالات يهودية واضحة لاستدعاء التاريخ اليهودي القديم ومحاولة طمأنة الصهاينة أنهم أقوياء.

صحيفة «هاآرتس» ترى أن هدف نتنياهو من استعادة مفردات دينية/توراتية في خطابه العام وفي مناسبات رسمية، هي جعل الصراع يبدو أكثر من نزاع سياسي أو عسكري، بل محطة كونية تتطلب تماسكًا داخليًا وإجازة أوسع لاستخدام القوة، وتعبئة القواعد اليمينية الدينية وشرعنة مشاريع الاستيطان والضم.

وتقول صحيفة «الغارديان» البريطانية: إن الخطاب المَسيّاني (الديني اليهودي) عبر هذه التسميات الدينية يستهدف شرعنة الحرب ومشاريع بناء المستوطنات حتى في غزة وصبغها دينيًا لإقناع قواعده ومؤيديه أن ما يفعله هو استعادة تاريخية/دينية للدولة الصهيونية.

وفي بداية «طوفان الأقصى»، لم يكتف نتنياهو بذكر نبوءة إشعياء اليهودية التي تتوعد الفلسطينيين والمصريين أيضًا بالإبادة، ولكنه سعى لإعطاء الحماسة للجنود، بالتوراة قائلًا: عليكم بتذكر ما فعله العماليق بـ«الإسرائيليين».

وقال: نحن نتذكر، ونحن نقاتل، في إشارة لما فعله مقاتلو «القسام» بهم ودورهم في الانتقام، زاعمًا أن جنود جيش الاحتلال جزء من إرث المحاربين اليهود الذي يعود تاريخه إلى 3000 عام منذ عهد يوشع بن نون.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة