تجارب عربية وعالمية في التصدّي لـ«التيك توك» الهابط

انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة شديدة الخطورة على المجتمعات، وهي محتوى «تيك توك» الهابط والموجَّه للنشء الصغير، وأصبح التطبيق مشبوه التوجّه ساحة رئيسة لصناعة المحتوى سريع الانتشار.

لقد سارع تطبيق «تيك توك» ذاته بشكاوى مقدمة من عدد من الدول العربية، بينها مصر والعراق ولبنان والإمارات والمغرب، لحذف نحو 16 مليون فيديو مسيء في النصف الأول من العام الحالي فقط، كما بادر التطبيق بالحذف السريع للمحتوى المسيء بمجرد إبلاغ المجتمع عنه، وهو جزء من الحماية المجتمعية التي تطبقها دول عديدة، وبرغم السيولة الشديدة والنسبية في تعريف القيم طبقاً لكل مجتمع وعاداته ومعتقداته، لكن تظل هناك إمكانية للإبلاغ والتأكد من تجاوز الفيديو لأعراف المجتمع.

وظاهرة «التيك توكرز» الهابطين الذين يسعون لجذب المشاهدات بطرق مثيرة للجدل تعتمد على الإسفاف، أو الإساءة للقيم، أو إثارة الغرائز، قد تتحوّل إلى ظاهرة مؤثرة في سلوك الشباب والنشء؛ ما يستدعي إستراتيجيات جادّة لفهم الظاهرة ثم التصدي لها بشكل كامل وفاعل.

أخطر ما في وجود هذا التطبيق أنّه يغزو البيوت والأسر العربية في مقرّات الأسرة وغرف النشء، فمهما كانت الرقابة صارمة فإنّ التسلل الإلكتروني أصبح شديد التأثير، لذلك فإنّ مواجهة حملات «التيك توكرز» الهابطين تستلزم بالتأكيد استنفار أجهزة المجتمع العربي كأسرة واحدة ولوضع ضوابط لمثل هذه المنصات وسنّ القوانين التي تحمي أمن المجتمع.

وبمنطق إيجاد شغل الفراغ، فإن وقف «التيك توكرز» الهابط لا يمكن بغير تقديم بديل له محتوى جاذب ومفيد للشباب.

في هذا السياق، نتأمل 4 تجارب دولية ناجحة في التصدي للظاهرة والتعامل معها بإيجابية، لكي تكون نبراسًا وقدوة نبني عليها في السيطرة على هذه الظواهر السلبية.

مبدئياً، يجب أن نشير إلى أنّ من أهم المؤسسات التي وقفت أمام هجمات المحتوى السلبي المفوضية الأوروبية التي أجرت تحقيقًا بحق «TikTok» بسبب شكوك حول دور المنصة في التأثير على الانتخابات الرئاسية في رومانيا، بما في ذلك العمليات المرتبطة بعناصر روسية وتنفيذ حملات تضليلية عبر التوصيات وخوارزميات المحتوى الإلكتروني الموجّه.

صراع خلف الشاشات! | مجلة المجتمع

مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".

mugtama.com

×

تشريعات ومساعدة اجتماعية

تأتي أهمية تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في سنّ قوانين تحمي المجتمع من الداخل، فقد أصدر الكونغرس، في 24 أبريل 2024م، قانون «Protecting Americans from Foreign Adversary Controlled Applications Act»، الذي يمكّن الرئيس من حظر تطبيقات مثل «TikTok» خلال 270 يومًا إذا اعتُبر التطبيق مهددًا للأمن القومي الأمريكي، مع إمكانية التمديد 90 يومًا إضافية، كما أُلزمت شركات الاتصالات بالتحذير من بعض المحتويات الضارة على الشباب والفتيات في عمر المراهقة، وأُلزمت وسائل الإعلام بعدم الترويج لبعض المقاطع الجنسية أو الشاذة.

وقد اقترحت المندوبة عن ولاية شمال كارولينا ماري فرانسيس فورستر (عن الحزب الجمهوري الأمريكي) إلزام شركات الإنترنت بألّا تكون ملاذًا آمنًا للمواد الإباحية وآثارها الضارة.

لو انتقلنا لفرنسا، سنرى كيف أدّت الضغوط الفرنسية إلى منع هاشتاغ «#SkinnyTok»، وهو خاص بإنقاص الوزن على مستوى العالم، بعدما رُبط بالترويج لمعايير جمالية خطرة وتأثير سلبي على صحة المراهقين، بالإضافة إلى التنمّر الشديد الذي أصاب بعض المراهقين ذوي الوزن الزائد والسخرية من الجسد؛ ما أدّى إلى انتحار البعض منهم، ومن هنا جاءت فكرة الحماية النفسية والاجتماعية ووجوب التحصّن من السخرية من الطبيعة البشرية التي حبانا الله بها.

في تجربة الاتحاد الأوروبي، نرى تنظيماً صارماً بالتزامن مع قانون الخدمات الرقمية (DSA)، وقد ألزمت قواعد الاتحاد الأوروبي شركات مثل «TikTok» بحذف المحتوى شديد الخطورة، وتعزيز الشفافية من خلال قاعدة بيانات لمبررات إزالة المحتوى (SoRs)؛ ما يتيح مراقبة دقيقة لتطبيق المعايير القيمية والإنسانية على أي محتوى منشور للعامة.

ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة نصف السنوي، أزالت «TikTok» في النصف الأول من عام 2024م نحو 97% من الفيديوهات المخالفة للسياسات القيمية التي وضعها الاتحاد الأوروبي قبل أن يبلغ عنها المستخدمون، كما وافقت المنصة على إلغاء ميزة «TikTok Lite Rewards» بعد تحذيرات من تأثيرها الإدماني، خاصة على الأطفال.

يقوم جوهر التجربة الإيطالية على غرامة جزائية لحماية القُصّر؛ وقد فرضت هيئة المنافسة الإيطالية غرامة تصل إلى 10 ملايين يورو على «TikTok» لفشلها في حماية المستخدمين القُصّر من تحديات خطيرة مثل «French scar challenge» التي تشجع على إيذاء النفس والعبث بأجساد الآخرين، وطالبت أكثر من 40 ألف متخصص في السلامة الرقمية بضرورة رصد التطبيق للحفاظ على سلامة المجتمع، وخاصة المراهقين.

العرض المهتوك على منصة «تيك توك»! | مجلة المجتمع

مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".

mugtama.com

×

تنسيق عربي

تبرز جهود عربية مؤخراً في التصدي لمحتوى «تيك توك» المسيء، ولعل التجربة المصرية كانت الأحدث عبر حملة أمنية موسعة لضبط مروجي تلك الفيديوهات التي تستهدف الربح السريع وتشوه المجتمع، وثبت ارتباطها بشبكة أكبر للجريمة الإلكترونية وجرائم العنف والمخدرات وبث محتوى خادش للحياء.

وقد طالب البرلمان ومنظمات مدنية كذلك بحجب المنصة كلياً أو جزئياً إن لم تحسن من محتواها في غضون أشهر قليلة.

وهناك مبادرات عربية مهمة، منها دعم المملكة العربية السعودية ورشاً تفاعلية في مكافحة الكراهية وإدارة المحتوى عبر المنصات الحديثة، ومنها «تيك توك»، كما تم إطلاق حملات منها «SaferTogether»، وهي حملة تستهدف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتعزيز الوعي بسلامة المنصة.

وعلى منصات مثل «Reddit»، يوصي المستخدمون الخليجيون بالتبليغ الفعّال عن المحتوى المسيء بدلاً من نشر مجرد تعليقات سلبية رافضة، لأن الخوارزميات قد تعزز محتوى سلبياً لأنه لا توجد بلاغات ضده.

ومؤخراً كذلك استطاع الأردن حجب تطبيق «تيك توك» مؤقتًا بسبب نشر فيديوهات تحرض على العنف والفوضى خلال احتجاجات محلية، وتم التفاوض مع المنصة لضبط المحتوى المخالف لاحقاً.

من جانب آخر، أقر مجلس وزراء الإعلام العرب إستراتيجية رسمية للتعامل مع شركات التواصل الاجتماعي، وشكل المجلس فريقاً فنياً للتفاوض مع المنصات الاجتماعية وهي عملية ينتظر منها الكثير حالياً.

طفلي وقيم «تيك توك»! | مجلة المجتمع

مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".

mugtama.com

×

روشتة لمواجهة المرض

إن مواجهة ظاهرة «التيك توكرز» من ذوي المحتوى المسف الشعبوي والبذيء أمر تتضافر فيه جهود الدولة بمؤسساتها مع الأسرة التي هي نواة المجتمع، وذلك من خلال:

-الاهتمام بالثقافة الدينية، وأن تصبح من أولويات خطيب الجمعة إرسال رسائل دينية سريعة وقصيرة تحمل تحذيراً من بعض القضايا التي تثيرها هذه التطبيقات.

- إنتاج الأعمال الفنية الهادفة والمحاضرات التربوية التي يمكنها رفع وعي المجتمع بخطورة هذه المقاطع القصيرة الهدامة التي يتابعها الشباب لمجرد شغل فراغهم وتصبح إدماناً فيما بعد.

- تعزيز الوعي التكنولوجي لدى الشباب، وجزء منه يكمن في إدراك المحتوى الضار، وهي عملية تبدأ من المدارس والجامعات ووسائل الإعلام التي توعي من أخطار الانجرار وراء التقليد الأعمى أو الانبهار بالمؤثرين السلبيين.

- زيادة المحتوى الجيد والمبدع مع دعم صناع المحتوى الهادف عبر المشاهدة الإيجابية المثمرة، ووضع ضوابط تحد من نشر المحتوى المخلّ بالآداب العامة أو المحرض على العنف والكراهية أو اللاديني الإلحادي، والإبلاغ عن الفيديوهات التي تخالف معايير المجتمع أو تحتوي على محتوى ضار.