الولادة العذرية!

لم تعد تداعيات النسوية، بمختلف تياراتها
ومدارسها، خطراً فقط على الرجل، أو على الزواج ومؤسسة الأسرة، بل خطراً على
الإنسانية، يهدد البشرية، ربما بالفناء.
تجليات جديدة ومخيفة تتدثر بثوب العلم
والابتكار والاختراع، وفي طياتها ما يجافي المنطق والعقل، وينافي الفطرة
الإنسانية، ويعصف بمستقبل الإنسان، مع تكشف خطط علمية لما يوصف بـ«الولادة
العذرية».
إنها صيحة جديدة من صيحات العلم، لا يمسك
بها لجام، ولا يحكمها ضابط، ولا تستند إلى قيمة، فقط هوس علمي، وجبروت بشري، يسعى
إلى تمكين الأنثى من إنجاب نسل سليم، دون الحاجة إلى وجود الذكر.
في هذا النمط الجديد والغريب من التكاثر
الحيواني، لا تحتاج الأنثى إلى ذكر لتخصيب بويضتها، بل تنقسم الخلايا بشكل يسمح
بنشوء جنين يحمل نسخا متطابقة من جينات الأم.
التجربة المثيرة للجدل العلمي والأخلاقي
والديني، جرت الشهر الماضي، لكن على مستوى الحيوان، حيث وضعت سحلية أنثى في حديقة
حيوان قرب برمنغهام بالمملكة المتحدة 8 صغار، دون حدوث التزاوج مع أي ذكر، وفق صحف
بريطانية.
مستقبل الإنجاب
هذا السباق العلمي الذي تخوضه قوى عظمى
مثل بريطانيا والولايات المتحدة والصين ودول أخرى، سيضع مستقبل الإنجاب على المحك،
مع شكوك متنامية، وتساؤلات مثارة جدياً حول أهمية دور الذكر في عملية التكاثر.
بحسب تصريحات أستاذة علم الحيوان في
جامعة نوتنغهام ترينت د. لويز جنتل، فإن «الإخصاب البكر ممكن نظرياً لدى البشر،
لكنه يتطلب توفر الطفرات الوراثية نفسها لدى الأفراد»، مشيرة إلى نجاح تجارب على
الثدييات باستخدام تعديل جيني مباشر لإنتاج أجنة بالإخصاب البكر.
بشكل علمي أوضح، تحتاج بويضة الإنسان إلى
معلومات من الحيوانات المنوية لبدء تكوين الجنين، وهو ما يعرف بالتعديل فوق
الجيني، ويمكن لتقنيات تحرير الجينات خلق طفرات تسمح بالإخصاب البكر، أو التكاثر
العذري، وقد نجح علماء صينيون، فعلياً، باستخدام تقنية «CRISPR» لتحرير الجينات في تحقيق «الولادة العذرية» لدى الفئران.
يجري نظرياً وربما عملياً تطبيق هذه
التجارب على البشر، عبر تطوير مجموعة محددة من الطفرات الجينية، تتجاوز أي موانع
بيولوجية، وأخلاقية، وقانونية، لينجح إنسان القرن الحادي والعشرين، مستقبلاً،
وبشكل عملي، في الحصول على إنجاب دون ذكر، وربما لاحقاً إنجاب دون أنثى.
قبل سنوات، أكدت دراسة نشرتها المجلة
البريطانية لطب التوليد وأمراض النساء، إن زراعة رحم في جسد رجل، أمر ممكن تماماً،
ويمكنه أن يحمل جنيناً بشكل عادي، طوال مدة الحمل الطبيعية، أي تسعة شهور.
الفأر والإنسان
الأمر جد خطير، ويثير أسئلة أخلاقية
وقانونية كبيرة، مصحوبة بقلق بالغ إزاء تحرر العلم من أية قوانين أو ضوابط أو
أخلاقيات، الأمر الذي قد يعصف بمستقبل الإنسان، ويهدد خارطته الوراثية والجينية،
بل وكيانه الوجودي.
إن الولادة العذراء ليست مستحيلة نظرياً
لدى البشر، هكذا يقول العلماء، لكن الإنسان ليس حقل تجارب، أو معملاً مختبرياً، أو
مجرد فأر، عرضة لتعديلات هندسية وبيولوجية ووراثية، أينما شاء العلم.
النتائج خطيرة وكارثية ومرعبة على المدى
البعيد؛ لأن كل فرد مولود بالإخصاب البكر هو نسخة جينية متطابقة تماماً لأمه، بما
في ذلك نوع الجنس؛ الأمر الذي سيقلل التنوع الوراثي، وسيزيد خطر الأمراض بين
البشر.
تُقر جنتل بخطورة الأمر، قائلة لصحيفة
«ديلي ميل» البريطانية: «إذا كان أحد أفراد النوع عرضة لمرض ما، فسيكون كل النسل
معرضاً له؛ ما قد يؤدي إلى انقراض النوع».
تجربة حقيرة
قبل نحو 4 سنوات، أقدم علماء صينيون، من
الجامعة الطبية البحرية في شنغهاي، على إجبار فئران ذكور على الإنجاب، خلال تجربة
معقدة، جمعت بين ذكر وأنثى فأر (46 زوجاً)، عن طريق ربط جلدهما، وزرع الرحم في
النصف الذكر، الذي كان مخصياً من قبل، وزرع الأجنة فيه، وكذلك في الرحم الأصلي
للأنثى.
التجربة التي وصفتها أوساط علمية
بـ«الحقيرة»، أسفرت عن تطور الأجنة، وتوليد 10 جرذان بعمليات قيصرية، من أصل 27
جنيناً تم زرعهم في رحم الفئران الذكور التي شاركت الإناث دم الحمل.
يقول الفريق العلمي، منتشياً بإنشاء
نموذج حيواني للثدييات لحمل الذكور، إن التجربة قد يكون لها تأثير عميق على
بيولوجيا الإنجاب!
التجربة الصينية المروعة ستفتح باباً
واسعاً للفضول العلمي، والهوس التكنولوجي، وربما التلاعب بمكونات وخصائص الجهاز
التناسلي البشري، والتمرد على الفطرة الإنسانية، والشرائع السماوية.
صيحة أو ثورة الولادة العذرية، وتوليد
الذكر، وزرع رحم في بطن الرجل، وغير ذلك من شطحات العلماء، قد تتطور إلى مدى أبعد،
في المختبرات السرية، بشكل متسارع، مستعينة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتطور
التكنولوجي الهائل، وسط تغييب تام -عن عمد- للضمير والقانون والدين والأخلاق.
في غضون سنوات أو أكثر قليلاً، قد يفلت
اللجام، ليستيقظ العالم على فيروس مدمر، أو مرض وراثي لا علاج له، أو تغير جيني
يهدد سكان الأرض.
اقرأ أيضاً: