مؤامرة نزع سلاح المقاومة في غزة.. هل تنجح؟
يشكّل سلاح
المقاومة في غزة، منذ زمن بعيد وفي كل مرحلة من مراحل الصراع، معضلة أساسية أمام
مشاريع التسوية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية أو فرض تسويات مجحفة بحق
الشعب الفلسطيني.
هذا السلاح لم
يعد مجرد أدوات عسكرية، بل يعدّه الفلسطينيون المدافعون عن حقهم في التحرر
والانعتاق رمزاً للكرامة والسيادة، وورقةَ ردعٍ إستراتيجية في وجه الاحتلال، فهو
ذاكرة الأجيال، وهو خط الدفاع الأول عن الكرامة وحق الإنسان الفلسطيني في العيش حراً
في وطنه، بلا إذلال أو وصاية من عدو أو وسيط، وعن حق العودة، وهو الرسالة التي
تقول: لن تُسلب أرضنا ونحن أحياء.
إن من يريد نزع
هذا السلاح لا يسعى إلى سلام، ولا يمكن أن ينصاع للحق الفلسطيني، ولا يسعى إلى
إعادة الأرض لأصحابها أو الاعتراف بشرعيتهم لوقف الحرب، بل يسعى لضمان تصفية ما
تبقى من القضية الفلسطينية.
جذور الفكرة والمحاولات
مع كل جولة
عدوان أو تصعيد عسكري وسياسي صهيوني، تعود محاولات محلية وإقليمية ودولية للحديث
عن ضرورة نزع سلاح المقاومة في غزة تحت شعارات مختلفة، منها إعادة الإعمار أو
تحسين الوضع المعيشي، أو حتى فرض الاستقرار.
السلاح خط الدفاع الأول عن الكرامة وحق
الإنسان الفلسطيني في العيش حراً في وطنه
وفي زمن
الانكسار العربي، وفي لحظة يحاول فيها الاحتلال أن يفرض على الشعب الفلسطيني
الاستسلام تحت ستار السلام والإعمار، تتكشف المؤامرة الكبرى؛ نزع سلاح المقاومة في
غزة.
هذه ليست مجرد
خطة أمنية، بل مشروع إستراتيجي يهدف إلى شل إرادة شعب لم يعرف الخضوع منذ 7 عقود،
وتحويله من صاحب حق إلى متسوّل، وتجريده من سلاحه الذي يحمي دمه وعِرضه وأرضه،
وتركه أعزل أمام آلة القتل الصهيونية.
محاولات نزع سلاح المقاومة في غزة ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى ما بعد الانسحاب الصهيوني
عام 2005م، وازدادت حدتها بعد الحروب الكبرى على القطاع (2008-2009، 2012، 2014م)
وما تلاها، وصولاً إلى الحرب الدائرة منذ أكتوبر 2023م، حيث يسعى الاحتلال
لاستثمار المأساة الإنسانية والدمار غير المسبوق لفرض شروطه، بالتعاون مع أطراف
عديدة، سواء عبر وساطات أو ضغوط مباشرة على الضحية، لتسويق الفكرة وربط وقف الحرب
وإنهاء الحصار والتقدّم في الإعمار بشرط إنهاء القدرات العسكرية للمقاومة، في إطار
إستراتيجية «العصا والجزرة».
الأطراف والعوامل الداعمة للفكرة
أولاً: الأطراف الداعمة:
- الاحتلال
الصهيوني الذي يرى أن بقاء سلاح المقاومة في غزة يشكل تهديداً أمنياً دائماً له.
- الولايات
المتحدة والدول الغربية التي تربط تقديم المساعدات أو دعم المشاريع التنموية في
غزة بإجراءات تضمن وقف الأعمال المسلحة.
سلاح المقاومة رمز التحرر والسيادة وورقة
ردع إستراتيجية في وجه الاحتلال
- بعض القوى
الإقليمية التي تتحرك وفق حساباتها السياسية ومصالحها وعلاقاتها مع الولايات
المتحدة أو دولة الاحتلال، وتعتبر السلاح عقبة أمام الاستقرار.
- أدوات محلية
تُسوّق الوهم بأن سلاح المقاومة في غزة عبء على حياة الناس، متناسية أن ما حمى
حياتهم هو هذا السلاح نفسه.
ثانياً: العوامل المساهمة:
- توظيف الحصار
والتحكم في المعابر والمواد الأساسية كورقة ضغط مباشرة على المقاومة وسكان غزة،
وغالباً ما يُربط إدخال المواد والبضائع وفتح المعابر بوقف تطوير القدرات
العسكرية، في محاولة لجعل لقمة العيش مشروطة بالرضوخ.
- حالة الانقسام الفلسطيني وفشل المصالحة المستمر؛ ما يفتح الباب أمام مشاريع «توحيد السلاح تحت
سلطة مركزية»؛ وهو شعار يبدو وطنياً، لكنه يُستخدم غطاءً لتجريد المقاومة من
قوتها.
- لا يقتصر
الاستهداف على الصواريخ والأنفاق، بل يمتد إلى العقول والقلوب، من خلال حملات
إعلامية ممنهجة تسعى لشيطنة المقاومة وخلق حالة غضب ورفض شعبية للسلاح، تمهيداً
لتمرير مشروع نزع السلاح بسلاسة أكبر.
التحديات أمام نجاح المؤامرة
- الشرعية
الشعبية للمقاومة: رغم الانقسام السياسي، فإنه لا يزال جزء كبير من الشارع
الفلسطيني يعتبر السلاح ضرورة دفاعية في ظل استمرار الاحتلال والحصار.
- الإرادة
الشعبية: غزة لم تنكسر في الحصار ولا في الحرب، ولن تنكسر أمام اتفاقيات تُكتب خلف
الأبواب المغلقة.
أكثر الأطراف خطورة الأدوات المحلية التي
تُسوّق أن سلاح المقاومة عبءٌ على حياة الناس
- التجربة
التاريخية: نماذج نزع السلاح في مناطق صراع أخرى غالباً ما أدت إلى انهيار القوى
المحلية أمام تهديدات أكبر، وتؤكد الأمثلة أن نزع السلاح قبل تحقيق التحرر الكامل
يؤدي إلى انهيار الجبهة الداخلية وانكشاف الأرض أمام العدو.
- الدماء التي
سُفكت: لا يمكن أن تضيع ثمرة تضحيات الشهداء بقرار سياسي أو صفقة دولية.
- غياب بدائل
الضمان: لا توجد قوة دولية أو محلية قادرة على حماية غزة من العدوان في حال فقدت
المقاومة سلاحها.
الأبعاد الإقليمية والدولية
إذا سقط سلاح
غزة؛ ستسقط من بعده أوراق القوة في كل فلسطين، وستفتح شهية الاحتلال على تهويد القدس وابتلاع الضفة بلا رادع، كما أن محور المقاومة في المنطقة سيتلقى ضربة
معنوية وإستراتيجية كبرى.
نجاح هذه
المؤامرة –إن تحقق– سيعيد رسم موازين القوى في المنطقة، وسيمنح دولة الاحتلال تفوقاً
عسكرياً مطلقاً على غزة؛ ما قد يشجعها على فرض شروط سياسية أكثر قسوة، وربما إلغاء
أي حديث عن دولة فلسطينية أو حقوق وطنية، كما أن إسقاط سلاح المقاومة سيؤثر على
ملفات أخرى مرتبطة بمحاور المقاومة في المنطقة ككل.
السيناريوهات المحتملة
- الفشل التام:
بفعل الرفض الشعبي والتمسك بالسلاح، كما حدث في محطات سابقة.
- محاولات
الالتفاف: عبر مشاريع دمج السلاح في أجهزة أمنية، أو قصره على مهام داخلية، مع
إبقاء السيطرة الفعلية خارجية.
- تجميد
القدرات: عبر اتفاقات تهدئة طويلة الأمد مع رقابة دولية.
إلقاء السلاح يعني سقوط أوراق القوة وفتح
شهية الاحتلال على تهويد القدس وابتلاع الضفة
المعركة ليست
على قطعة حديد أو مخزن ذخيرة، بل على حق الشعب الفلسطيني في العيش حراً، نزع
السلاح يعني نزع الكرامة، وتحييد المقاومة يعني فتح الأبواب للاحتلال ليختار متى
وكيف ينهي القضية.
إن غزة التي
علّمت العدو معنى الخوف، لن تسلّم مفاتيح قوتها إلا لشعبها، ولن تضع سلاحها إلا
يوم عودتها إلى كامل أرضها، ونجاح أو فشل المؤامرة في غزة مرتبط بثلاثة عوامل رئيسة:
قوة الإرادة الشعبية، وقدرة المقاومة على تطوير إستراتيجيات سياسية موازية لقوتها
العسكرية، وموقف الإقليم من أي تسوية تُفرض بالقوة.. وحتى الآن، ورغم شدة الضغوط،
يبدو أن البيئة السياسية والأمنية في غزة تجعل من الصعب جداً تمرير هذا المشروع
دون رفض عنيف ومواجهة فلسطينية قوية.