الأيام دُول.. 10 فوائد إيمانية لفهم سُنة التداول وتقلبات الحياة

أورد ابن الجوزي في «التبصرة»، والأبشيهي في «المستطرف»، عن مالك بن دينار قال: مررت بقصر تضرب فيه الجواري بالدفوف ويقلن:

ألا يا دار لا يدخلك حزن      ‌ولا ‌يغدر ‌بصاحبك ‌الزمان

فنعم الدار تأوي كلّ ضيف    إذا ما ضاق بالضيف المكان

ثم مررت عليه بعد حين وهو خراب، وبه عجوز، فسألتها عما كنت رأيت وسمعت، فقالت: يا عبدالله، إن الله يغيّر ولا يتغيّر، والموت غالب كل مخلوق، قد والله دخل بها الحزن وذهب بأهلها الزمان.

وهذا يعبر على أن التغيير والانتقال في الأحوال، وهو ما يطلق عليه اسم التداول،

مفهوم التداول

معنى التداول أنه لا يبقى الشيء في هذه الحياة الدنيا على حاله، بل يتغير بتغير الزمان والمكان والحال والأشخاص، فالأحوال متغيرة من قوة إلى ضعف، ومن ضعف إلى قوة، من فقر إلى غنى، ومن غنى إلى فقر، ومن صحة إلى مرض، ومن مرض إلى صحة، ومن عز إلى ذل، ومن ذل إلى عز، ومن هزيمة إلى نصر، ومن نصر إلى هزيمة.. وهكذا، فدوام الحال من المحال، ويدل عليه قول الشاعر:

‌ثمانية ‌تجري ‌على ‌الناس كلهم     ولا بد للإنسان يلقى الثمانية

سرور وحزن واجتماع وفرقة      ويسر وعسر ثم سُقْمٌ وعافية

التداول في ضوء القرآن والسُّنة والتاريخ

قال الله تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ ‌نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: 140)، وقال عز وجل: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ ‌خَلَائِفَ ‌فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس).

وفي صحيح البخاري، عَنْ ‌أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ لَا تُسْبَقُ قَالَ حُمَيْدٌ: أَوْ لَا تَكَادُ تُسْبَقُ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ، فَقَالَ: حَقٌّ عَلَى اللهِ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ ‌شَيْءٌ ‌مِنَ ‌الدُّنْيَا ‌إِلَّا ‌وَضَعَهُ».

وفي جامع المسانيد لابن الجوزي رواية أصلها في صحيح البخاري أنه في يوم «أُحد» لما انكسر المسلمون، وقف أبو سفيان يقول: يومٌ بيوم «بدر»، ‌والأيامُ ‌دُوَل، وإن الحرب سِجال.

وهذه دولة الإسلام في الأندلس أقيمت بجهود الفاتحين من المؤمنين وتأسست بقوة العلم والدين، ودامت ثمانية قرون، وعندما تنازلوا عن قوانين حضارتهم زالت وانتهت، ووقف أبو البقاء الرندي ينشد الشعر مبيناً سُنة التداول بقوله:

لكل شيء إذا ما تم نقصان       فلا يُغر بطيب العيش إنسان

هي الأمور كما شاهدتها دول     من سره زمن ساءته أزمان

فوائد الإيمان بسُنة التداول

1- ترسيخ الإيمان بالقضاء والقدر:

المؤمن يوقن أن النصر والهزيمة، والرفعة والضعف، كلها بتقدير الله وحكمته، فلا يغتر بانتصار ولا ييأس من ابتلاء، ففي سنن أبي داود، قَالَ ‌عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: «يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، ‌وَمَا ‌أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ».

2- الكشف عن معادن الناس:

الناس يحيطون بالإنسان في وقت الغنى والمنصب والصحة، ويزعمون حبه ويتطلعون إلى البقاء الدائم معه، فإذا تغيرت حاله؛ فإن المنافقين والمدعين ينفضون من حوله ولا يبقى إلا الأصفياء، وفي هذا يقول الشاعر:

جزى الله ‌الشدائدَ ‌كلّ ‌خيرٍ     وإن جرَّعنني غصصي بريقي

وما شكري لها إلا لأني      عرفتُ بها عدوي من صديقي

3- الحرص على التغيير إلى الأحسن:

من فوائد الإيمان بسُنة التداول أن نحرص على تغيير أحوالنا، والانتقال بنفوسنا من سيئ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن منه، ننتقل من حال المعصية إلى الطاعة ومن حال الكسل إلى النشاط، ومن حال الخصام إلى التصالح.

4- الأخذ بالأسباب:

إذا كانت الحال تتغير والأوضاع تتبدل، فإن هذا لا يحدث بخرق القوانين، بل بالالتزام بها والتمسك بأسبابها، فإذا أخذ الإنسان بالأسباب، فإنه بإذن الله يصل إلى النتائج، ولا يحقق الإنسان النتائج من غير الأسباب مع حسن التوكل على الله، وهذا يدعونا إلى التحرك في هذه الدنيا بالعلم والإيمان ولا نعتمد على جانب واحد.

5- تعزيز الصبر والثبات:

حين يعلم المؤمن أن الهزيمة ليست نهاية المطاف، بل هي اختبار، حيث يعقبها نصر إذا استقام على الحق، فإن هذا يدفعه إلى الصبر والثبات على الحق، ولا يدخل اليأس إليه.

6- عدم الاستهزاء والسخرية بالآخرين:

تحثنا سُنة التداول ألا نستهزئ بأحد أو نسخر منه، فإن الدنيا تدور، ومن عاب على أحد بشيء ابتلي به، فكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل.

7- التمسك بالأمل:

الإيمان بسُنة التداول يمد الإنسان بالأمل، فما بعد الشدة إلا الفرج، وما بعد المحنة إلا المنحة، قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ ‌الْعُسْرِ ‌يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح).

8- التوازن في النظر إلى الأحداث:

يسهم الإيمان بسُنة التداول في تحقيق التوازن في النظر إلى الأحداث، فالمؤمن لا يغالي في الحزن عند الخسارة، ولا في الفرح عند النصر، لأنه يعي أن الأيام دول.

9- دفع الأمة إلى المراجعة والإصلاح:

حين يؤمن الإنسان بسُنة التداول، فإنه يندفع حين ينتزع منه ما يحب إلى مراجعة نفسه والعمل على إصلاح خطئه، فالهزائم قد تكون نتيجة لذنوبه أو تقصيره، وهنا يسارع إلى التوبة وتصحيح المسار.

10- تربية الأمة على العمل المستمر:

الإيمان بالتداول لا يعني الاستسلام، بل يحفز على الاجتهاد في بناء القوة والأخذ بالأسباب حتى يأتي وقت التمكين، فإذا جاء التمكين فإن الأمة لا تغتر به، بل تحافظ على الأخذ بالأسباب والتمسك بعوامل الحفاظ، حتى لا يعاقبها الله بانتزاعه منها. 


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة