«الأقصى» يئن.. صعود الطقوس اليهودية وانعكاساتها

بينما يئن
المسجد الأقصى تحت وطأة الانتهاكات شبه اليومية، يشهد تصاعداً غير مسبوق في أداء
الطقوس اليهودية العلنية داخل باحاته، وتشكل هذه الطقوس إحدى أدوات تثبيت الوجود
اليهودي داخل المسجد الأقصى، وخطوة في سياق تحقيق الرؤية الصهيونية الإحلالية
والدينية تجاه المسجد، والمضي قدمًا في إستراتيجية «التأسيس المعنوي للمعبد».
وقد استطاعت أذرع الاحتلال المتطرفة بالتعاون مع المستويين الأمني والسياسي فرض جلّ الطقوس الدينيّة التوراتيّة داخل «الأقصى»، ولم يبق من هذه الطقوس إلا تقديم القرابين الحيوانية داخل المسجد، وما يحاول المستوطنون القيام به في الأسابيع الماضية، وسط محاولات متكررة لإدخال قربانٍ حيّ تارة، وقطع من اللحم تارة أخرى، في سياق إتمام كل هذه الطقوس والانتقال إلى البناء المادي الفعلي للمعبد المزعوم.
أبرز الطقوس التي تؤدى في «الأقصى»
شهدت السنوات
الماضية تحولات كبيرة فيما يتعلق بأداء هذه الطقوس، التي انتقلت من أدائها فرديّا
وبصمت، ووصلت اليوم إلى الأداء العلني بمشاركة حاخامات وسياسيين، وما يتعلق بهذه
الطقوس من رقصات وانبطاح على الأرض وغيرها، وعلى الرغم من تصاعدها بشكلٍ كبير
بالتزامن مع الأعياد اليهوديّة والمناسبات الوطنية «الإسرائيلية»، فإنها أصبحت
جزءًا من العدوان على «الأقصى»، لا يكاد يخلو منها أي اقتحامٍ لباحات المسجد.
وفيما يأتي أبرز
سلوكيات المستوطنين اليهود وطقوسهم التي أدوها داخل «الأقصى» في أثناء اقتحاماتهم
من خلال استقراء مجمل سلوكهم:
- السجود
الملحمي على ثرى «الأقصى» فرديًّا وجماعيًّا.
- النفخ في
البوق (الشوفار).
- إشعال الشموع.
- إدخال
القرابين النباتيّة.
- محاولة إدخال
القرابين الحيوانيّة.
- اقتحام «الأقصى»
باللباس الكهنوتيّ.
- أداء الرقصات
داخل «الأقصى».
- رفع علم
الاحتلال أكثر من مرّة.
- إنشاد نشيد
الاحتلال (الهاتيكفاه).
- طقوس مباركة
الخطوبة والزفاف والبلوغ، وحلاقة الشعر للأطفال.
- أداء رقصة «هورا»
الدائريّة.
- أداء الطقوس
التوراتية، وخاصة في الساحة الشرقية الشمالية في محيط مصلى باب الرحمة.
- تأدية صلاة «الموصاف»
قرب مصلى باب الرحمة، وهذه المرة الأولى التي تُؤَدّى فيها هذه الطقوس داخل المسجد
«الأقصى».
- أداء طقوس «بركات
الكهنة».
- أداء «السجود
الملحمي»، بشكلٍ جماعي أمام أبواب الأقصى، وفي ساحاته.
- قراءة أسفار
من التوراة.
- القراءة من
الكتب الدينية اليهوديّة.
- ارتداء ثياب
وأدوات خاصة بالطقوس العلنية، على غرار شال «طاليت»، وملابس التوبة والكهنة،
ولفائف «التفلين» وغيرها.
- طقوس تأبين
القتلى الصهاينة في معركة «طوفان الأقصى».
- ارتداء الزي
الكهنوتي الأبيض.
- اقتحام
المستوطنين وهم حفاة الأقدام.
- تقديم
الشروحات التوراتية حول «المعبد» المزعوم.
- الهتافات العنصرية ضد العرب والمسلمين والفلسطينيين.
دلالات
تصاعد أداء الصلوات في «الأقصى»
تُظهر متابعة
شؤون المسجد الأقصى أن المستويين الأمني والسياسي يقدمان الغطاء اللازم لتصعيد
أداء الطقوس العلنية في «الأقصى»، وخاصة أن قوات الاحتلال عملت على حماية من يؤدي
الطقوس والصلوات، ومنع المرابطين في «الأقصى» من عرقلتهم ومواجهة اعتداءاتهم، بل
شهد آخر اقتحامات الوزير إيتمار بن غفير لـ«الأقصى»، في 11/ 6/ 2025م، بحسب مصادر
عبرية، أن بن غفير وجّه توبيخًا لعناصر الشرطة الذين منعوا المستوطنين من أداء
الطقوس اليهودية داخل «الأقصى»، وهو ما يُظهر التماهي الكبير ما بين المنظمات
المتطرفة، ومستويات الاحتلال الأخرى.
وفي استقراء
لأبرز دلالات تصاعد أداء الطقوس العلنية في «الأقصى»، وأهداف المنظمات المتطرفة من
خلفها نجد أنها تحاول رفع أعداد مقتحمي المسجد الأقصى، وخاصة من فئة المتطرفين،
الذين يقتحمون المسجد، ويتعمدون أداء الطقوس اليهودية في ساحات المسجد.
إضافةً إلى
تصعيد أجندة «التأسيس المعنوي للمعبد»، في محاولة لرفع أعداد مقتحمي المسجد الأقصى
من جهة، ولرفع أعداد مؤدي هذه الطقوس، وهذا ما يسهم في رفع مطالبات المنظمات
المتطرفة لفرض المزيد من التدخل على إدارة المسجد وواقعه.
وإلى جانب
الهدفين السابقين، تعمل المنظمات المتطرفة على الانتقال إلى التأسيس المادي لـ«المعبد»،
والمضي قدمًا في تحقيق التقسيم المكاني في «الأقصى»، من خلال أداء الطقوس اليهودية
في ساحاته الشرقية من جهة، وداخل مقبرة باب الرحمة من الجهة الثانية من سور المسجد
الأقصى، إلى جانب استمرار استهداف مصلى باب الرحمة، ومحاولات الاحتلال المتكررة
الرامية إلى إغلاقه، وما يتصل بهذه الممارسات من استهدافٍ متزايد للمكون البشري
الإسلامي في «الأقصى».
من
الطقوس إلى إدخال الأدوات التوراتيّة
وإلى جانب أداء
الطقوس العلنية، كثّفت أذرع الاحتلال المتطرفة من محاولة إدخال الأدوات الخاصة
بالطقوس التوراتيّة إلى المسجد الأقصى، ففي 5/ 6/ 2024م، تزامنًا مع الذكرى
العبرية لاحتلال شطري القدس، اقتحم «الأقصى» قرابة 1600 مستوطن، من بينهم الحاخام
المتطرف ميخائيل فواه، الذي اقتحم «الأقصى» مرتديًا تميمة «التيفلين» وملابس
الصلاة الدينية، ومن ثمّ أدى صلاة «شماي»، وشهد هذا الاقتحام أداء جماعيًا لـ«السجود
الملحمي» شارك فيه عشرات المستوطنين، وفي 2/ 1/ 2025م ارتدى أحد المقتحمين التميمة
مرة ثانية، وفي 12/ 6/ 2024م أدخل مقتحمون شال «طاليت».
وصعّد
المستوطنون محاولات إدخال الملابس الدينيّة والأدوات التوراتيّة، ففي يوم الجمعة
في 4/ 10/ 2024م اقتحم مستوطنَان المسجد الأقصى من باب القطانين، وقد ارتديا
الملابس التوراتيّة، من بينها شال «طاليت»، واتّجها إلى الساحة الواقعة بين الجامع
القبلي والمصلى المرواني، وخلال سيرهما نفخا في البوق، وانبطحا أرضًا، وشكل
الاقتحام في يوم الجمعة حدثًا خطيرًا.
وفي ثاني أيام
عيد «الفصح» العبريّ في 14/ 4/ 2025م، ارتدى عددٌ من المقتحمين لباس «الكهنة»،
وارتدى أحدهم شال «طاليت» مجددًا.
وفي 26/ 5/ 2025م
أدخل مستوطنون إلى «الأقصى» عددًا من أدوات الصلاة وهي تميمة «التيفلين» وشال
الصلاة «طاليت»، وفي 1/ 6/ 2025م أدى أحد المستوطنين صلاة «بركة الكهنة» داخل
المسجد، عشية عيد «الأسابيع» التوراتيّ، وكشفت مقاطع مصورة عن أدائه هذه الطقوس
بينما كان يرتدي شال «طاليت».
في الختام، لا
يُمكن الوقوف عن أداء الطقوس العلنية في «الأقصى» على أنها اعتداءات عابرة، أو
أنها طقوس منفردة يقوم بها المحتل وأذرعه، بل تمثل أداة فاعلة في مشروع إحلاليّ له
أوجهه السياسيّة والدينية والأمنية، ويسعى في نهاية المطاف إلى تحقيق النبوءات
التوراتية وفي القلب منها بناء «المعبد» المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، وما
يتصل بحجم الوجود اليهودي في القدس المحتلة وكثافته، ما يؤكد مركزية الدفاع عن
المسجد الأقصى، وأن مواجهة مخططات العدو ركيزة في مواجهة مخططات العدو، بمختلف
السبل والأشكال.