الأكاديمي صابر حارص لـ«المجتمع»: العالم الافتراضي أحدث تصدعاً كبيراً في منظومة القيم
أصبحت جميع منصات التواصل الاجتماعي مصدر قلق للأسر في العالم، خاصة في عالمنا الإسلامي والعربي، وسط مخاوف من تراجع القيم، وغياب المراقبة، وتواري الضمير، فضلاً عن حملات مشبوهة تستهدف في المقام الأول جيل الشباب.
«المجتمع» تحاور الأكاديمي والمستشار الإعلامي في عدد من الجامعات الخليجية
د. صابر حارص، حول هذه القضية، وعدد من القضايا.
وفق ما تراه من واقع، كيف أثرت مواقع التواصل الاجتماعي
على الشباب؟
- تُشير إحصاءات حديثة صادرة في العام 2024م إلى أن الشباب العربي من بين
الفئات الأكثر استخداماً لمنصات التواصل الاجتماعي على مستوى العالم، ويقضون متوسط
3.5 ساعات يومياً.
ويأتي الشباب السعودي والإماراتي والكويتي والقطري في مقدمة الشباب
استخداماً لمنصات «تيك توك»، و«سناب شات»، و«يوتيوب».
الشباب العربي يقضي
3.5 ساعات يومياً على منصات التواصل
وأظهرت نتائج البحوث والدراسات العربية المنشورة في دوريات علمية أن هذه
المنصات يزداد خطرها على الأطفال والمراهقين والشباب حتى عمر 20 عاماً، وأن أكثر
مواطن الضرر تقع على ما يسمى بـ«الدماغ النامي»؛ الذي يعتري النمو العقلي طوال
العشرين عاماً الأولى.
الشهرة و«الترند» أكبر ظاهرة تجتاح مواقع التواصل، كيف
نواجهها؟
- ترشيد التعامل مع ظاهرة «الترند» يتطلب أولاً فهم طبيعة «الترند»، كونه
موضوعاً أو حدثاً يحظى بشعبية مؤقتة وسريعة الانتشار على وسائل التواصل، فعليك أن
تتحقق من المصدر والهدف، وتدفع الناس إلى التفكير النقدي حول مصدر «الترند» ومن
بدأه، وما الدافع وراء انتشاره، وهل هناك أجندة خفية؟ وهل هو معلومة حقيقية أم
مجرد رأي؟ وهل هو مفيد أم تافه وضار؟ فهناك «ترندات» تهدف إلى نشر الوعي بقضية
مهمة وتحذر من الأخبار الكاذبة.
دراسات غربية كشفت أن الآلاف يعانون من القلق والاكتئاب
بسبب مواقع التواصل، هل امتدّ ذلك لبلداننا؟
- علاقة «السوشيال ميديا» بمستخدميها لا تتغير من الغرب إلى الشرق، لأن
الفيصل فيها قضاء أوقات طويلة، أو ما يسمى بالاستخدام المفرط أو الإدمان، وهو شأنه
شأن إدمان المخدرات، حيث يصيبك بالقلق والاكتئاب وأنت بعيد عنه.
وبالتالي تتفاقم المشكلة أكثر، وتظهر بعض أعراض الاكتئاب مثل العزلة
الشديدة واضطرابات جسدية وانفعالية، وفقدان السيطرة على إدارة الوقت.
كيف تقرأ ارتفاع نسب مستخدمي مواقع التواصل في الخليج
عامة والكويت بنسبة 84%؟
- ارتفاع نسب مستخدمي مواقع التواصل في الخليج عامة يمكن تفسيره في إطار
طبيعة هذه المجتمعات ذات المستوى المعيشي والاقتصادي؛ الذي يؤهلها لامتلاك أجهزة
الهواتف الذكية وشبكات الإنترنت الجيد أكثر من غيرها بالبلدان العربية.
يجب ترشيد التعامل مع
«الترند» والتحقق من المصدر والهدف
أما الحالة الكويتية، فهي الأكثر انفتاحاً وثقافة وحرية في تاريخ دول
الخليج العربي، والأكثر حراكاً سياسياً واجتماعياً في الواقع الحقيقي؛ وقد انعكس
هذا على المجتمع الافتراضي؛ فجعل الكويت الأكثر بروزاً في الأنشطة والمشاركة
السياسية والاجتماعية على منصات «السوشيال ميديا»، وأكثرها ديناميكية في النقاش
والتعبير عن مختلف الآراء، إضافة إلى ما توفره هذه المنصات من دعم نفسي وتواصل مع «جروبات»
لها نفس الاهتمامات والتجارب.
من خلال موقعكم، كيف ترى تأثير مواقع التواصل على منظومة
القيم؟
- ربما كان التصدع الكبير الذي أصاب القيم وأحدث إرباكاً للعلوم الاجتماعية
والنفسية حياة العرب عموماً والخليج خاصة داخل المجتمعات الافتراضية؛ لأن هذه
المجتمعات شأنها شأن المجتمعات الحقيقية، لها قيم ومعايير وسمات ولغات وسلوكيات،
تعرضت للتجريف حتى من أبناء وبنات العائلات والقبائل المحافظة والعريقة إليها.
فالتعرض المستمر لمحتوى رقمي متنوع من الأفكار والمعلومات والسلوكيات
والآراء في مجالات متعددة تبدأ بالتفاهة وتنتهي بالدين مروراً بالسياسة والترفيه،
وبأشكال متنوعة من السخرية تارة والإثارة تارة أخرى، وبقوالب متعددة من التعبير
بالكلمة والصورة والجرافيك والفيديو و«البودكاست» والكارتون والرسوم، في ظل تفاعل
نشط مع المشاهير والمؤثرين ومشاركات كبيرة من المُستخدمين لكفيل أن يصنع قيماً
جديدة لم تكن من قبل، كما تراجعت القيم الدينية، وتحولت إلى موضع جدل ونقاش وليست
ثوابت حاكمة.
لنكن أكثر واقعية، لا يمكن البعد عن منصات التواصل فما الطريقة
الأمثل لاستخدامها؟
- لا توجد طريقة واحدة تناسب الجميع لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، بل
يتوقف الأمر على الأهداف والاحتياجات والقيم الشخصية ومع ذلك، ثمة عدد من
الإرشادات العامة تتطلب:
1- احذر دوامة التنقل وحب الفضول لضياع وقتك.
2- اختيار المنصات المناسبة التي تتوافق مع أهدافك واهتماماتك.
3- ركز على عدد قليل منها يناسبك، وتحكم في إدارة الوقت بفعالية.
4- ضع حدودًا زمنية ووقتًا معينًا في اليوم أو الأسبوع لاستخدامها.
5- يفضل جدولة منشوراتك.
6- كن واعيًا في انتقاء المحتوى الذي تستهلكه وتشاركه بعناية.
التعرض المستمر
لمحتوى رقمي يصنع قيماً جديدة
7- كن ناقدًا للمعلومات، فلا تصدق كل ما تراه أو تقرأه.
8- تحقق من الموضوعات قبل مشاركتها.
9- لا تقارن حياتك بحياة الآخرين، فالناس يعرضون أفضل جوانب حياتهم على
وسائل التواصل.
10- ابق على اطلاع دائم بالتحديثات والميزات الجديدة.
ما رسالتكم للأسرة التي تمنع أبناءها من التعامل مع
مواقع التواصل؟ وهل تراه مناسباً؟
- مواقع التواصل الاجتماعي نفسها تشترط 13 عاماً كحد أدنى للسماح بالتعامل
معها، ولذلك أرى ضرورة تأكد الأسرة من مستوى نضج أبنائها، وطبيعة استخدامهم،
والبدائل المناسبة لهم، لوقايتهم من أخطار وسائل التواصل في محتواها الإباحي
والعنيف والتطفلي والمُضلل.
ويمكن للأسرة في هذه المرحلة العمرية أن تشرف على اكتساب أبنائها مهارات
التعامل مع التكنولوجيا، والاستفادة منها في التعليم والتعلم والتواصل مع الأقارب،
وتنتبه إلى أن المنع التام قد يولد رغبة أكبر لدى الأبناء في التمرد واستخدام هذه
المواقع بسرية.
على الأسرة أن تشرح دوافعها للأبناء من تجارب سلبية أو مخاوف حقيقية بشأن
سلامتهم.
بعض الدول بدأت في حجب منصات كـ«تيك توك»، هل تراه صالحاً
في عالمنا العربي؟
- حجب منصة «تيك توك» في العالم العربي، من وجهة نظري، قرار شجاع يعكس مسؤولية
واضحة في حماية الأمن القومي العربي، ويسد الطريق على تدمير طاقة الشباب، ويحمي
القيم الثقافية والاجتماعية من الابتذال والعري والإسفاف في الحوار والمحتوى
السطحي والتافه والجنسي والعنيف الذي يتلف الهوية الثقافية.
على الأسرة الإشراف
على تعامل أبنائها مع التكنولوجيا
كما يُساهم في الحد من انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة وخطابات الكراهية
التي قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار.
من خلال خبرتك البحثية، ما الرسالة الآمنة التي يمكن أن
توجهها للشباب؟
- رسالتي الآمنة للشباب في تعاملهم مع مواقع التواصل الاجتماعي، هي:
1- تحديد وقت لاستخدامها.
2- لا تدعها تستنزف ساعات يومك.
3- اختر المحتوى بعناية وتجنب المحتوى غير المفيد.
4- فكر في دوافع استخدامك لهذه المنصات.
5- لا تصدق كل ما تراه وتحقق من المصادر قبل المشاركة.
6- كن حذرًا من الأخبار الكاذبة.