حين يختنق الحلم.. كيف نعيد الشباب إلى ساحة الفعل؟

في زمنٍ تَسارَع فيه كل شيء إلا الأمل، يقف الشباب العربي عند مفترق صعب؛ يُتابع قضايا البيئة وحقوق الإنسان والهوية والعدالة الرقمية والسياسة، لكنه يشعر أن صوته لا يُسمَع، وأن حركته في الفراغ.

جيلٌ متعلّم، مطّلع، متواصل، لكنه في الوقت ذاته أكثر أجيالنا حيرة وارتباكًا بين وعود التغيير وواقع لا يتبدّل.

وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قد كشف في أحد تقاريره حول التنمية البشرية العربية أن الاستمرار في تجاهل أصوات الشباب (في العالم العربي) وإمكاناتهم يدفعهم إلى التحول من قوة بناء في خدمة التنمية، إلى قوة هدامة تسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار، وتهدد أمن الإنسان بمختلف أبعاده بشكل خطير قد يجهض عملية التنمية برمتها.

ورغم أن التقرير قديم نسبياً، فإنه يعطي انطباعاً عن وضعية هذه الفئة التي تعلق عليها الآمال، حيث أكد أن كثيراً من الشباب العرب يشعرون بعدم تأثيرهم في مجتمعاتهم رغم انخراطهم الرقمي الكبير؛ ما يعني أن الطاقة المشتعلة تتحول إلى رماد إحباط، وأن الحلم العام -الذي يُفترض أن يكون روح المواطنة- بدأ يختنق في زحام المصالح الصغيرة.

بين الحماسة والعزلة

حين تتابع نقاشات الشباب على المنصات، تجد وعيًا ناضجًا في بعض القضايا الكبرى، لكنّ كثيرًا منهم يعيش حالة «الفاعلية الافتراضية»؛ يغضب وينشر ويدعو، ثم لا يفعل شيئًا على الأرض، تتحول الحماسة إلى عزلة، ويغدو النشاط مجرد «هاشتاج» لا أثر له.

والنتيجة أن مفهوم المواطنة الناشطة، الذي يعني المشاركة الإيجابية في بناء المجتمع، يُفرَّغ من محتواه، ليصبح شكلًا بلا روح.

دراسة لجامعة جورج تاون الأمريكية حول المشاركة المدنية للشباب في الشرق الأوسط، أظهرت أن أكثر من نصف المشاركين لا يثقون في المؤسسات العامة، ويعتبرونها غير قادرة على التغيير الحقيقي، هذا الفراغ في الثقة يولّد فراغًا في الفعل، على الأرض وفي الفاعلية الحقيقية، يفقد الشاب معه إيمانه بالقدرة على هذا الفعل، وبالتالي يتجه إلى أمور أخرى يستطيع أن يثبت بها ذاته، وهنا تكون الطامة!

الفاعلية تبدأ من الداخل

ليست المواطنة الناشطة شعارًا سياسيًا أو خطابًا تنمويًا، بل هي حالة وعي تبدأ من الداخل، فحين يشعر الشاب أن انتماءه ليس بطاقة هوية، بل مسؤولية تجاه مجتمعه؛ حين يُدرك أن التغيير لا يأتي بالانتظار، بل بالمبادرة، وقتها يستطيع أن يكون مؤثراً.

وهذه مهمة مؤسسات الدولة، التي يجب أن تضع في أولوياتها استيعاب هذه الشريحة التي تعقد عليها آمال الأمم والحضارات، فتستوعبهم روحياً، وتربوياً، ومادياً، هذا الاستيعاب هو ما يُشعر الشاب بمسؤوليته الحقيقية في المواطنة الفاعلة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، وهي دعوة لأن يكون الإنسان فاعلًا، متحركًا، مؤثرًا.

لقد كان شباب الصحابة أول من حمل فكرة المواطنة بالمعنى الإيماني، فمصعب بن عمير أول سفير، وأسعد بن زرارة أول ناشط مجتمعي في المدينة، لم ينتظرا إذنًا ليفعلا الخير، بل تحركا لأنهما آمنا أن لهما دورًا.

من الفضاء الرقمي إلى الميدان

التقنية منحت الشباب مساحة غير مسبوقة للتعبير، لكنها أيضًا صنعت وهْم الإنجاز، وهو الأمر الذي يجب أن تتحول معه «المواطنة الرقمية» إلى مواطنة واقعية؛ حيث يصير المتابع مشاركاً، ويتحول المغرّد إلى مبادر.

وهنا تأتي أدوار شتى منها برامج التطوع المحلية، والمبادرات البيئية، وحملات الدعم الاجتماعي، والمشاركة السياسية، وكلها ساحات مفتوحة يمكن للشباب فيها أن يبدع وأن يقدم الجديد الغائب عن عقول الكهول والشيوخ.

على سبيل المثال، كانت المملكة العربية السعودية على موعد مع مبادرة فاعلة وطموحة، حين أعلن وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية م. أحمد بن سليمان الراجحي عن وصول عدد المتطوعين في المملكة إلى مليون متطوع.

إعلان الراجحي، الذي جاء في وقت سابق، ضمن فعاليات يوم التطوع السعودي والعالمي في 5 ديسمبر من كل عام، يعد إشارة قوية إلى أن الفاعلية ممكنة متى توفرت الرؤية والفرصة.

إن المواطنة ليست مجرد واجب تجاه الدولة، بل علاقة قلبية بالوطن والناس، تبدأ بالإيمان بأن صوت الفرد له قيمة، وأن المشاركة –مهما بدت صغيرة– جزء من بناء أكبر.

وحين يتحول الإحباط إلى مسؤولية، واليأس إلى سعي، نكون قد أنقذنا الحلم العام من الاختناق، فالأمم لا تنهض بخطابات الحماسة، بل بقلوب تؤمن أن العمل في خدمة الناس عبادة، وأن كل شاب يستطيع أن يكون لبنة في جدار الأمل.


اقرأ أيضاً:

دور الشباب.. رؤية معاصرة

اليأس.. وخطر تعطيل طاقات الشباب

الشباب والبوابات الصغرى للنهضة الحضارية

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة