نجل الرنتيسي في حوار لـ«المجتمع»: هذه رسائلي لأهل غزة وأمة الإسلام

محمد العبدالله

20 أكتوبر 2025

126

لا يمكن لأحد أن يتجاوز عملية «طوفان الأقصى» كتأريخ لواقع جديد في عصرنا الحديث عامة وفي تاريخ الصراع العربي «الإسرائيلي» خاصة، وبات السابع من أكتوبر يوماً تاريخياً في مسار حركات التحرر.

غزة الأمس ليست غزة اليوم بكل أحوالها، غثّها وسمينها، ناصرها وخاذلها، أضحت واقعاً تحررياً جديداً؛ مهما قيل من مبالغات أو أُلصق بالمقاومة من سخافات.

وضعت الحرب أوزارها ليجد شعب غزة واقعاً جديداً لم يعهده من قبل بعد صموده الأسطوري، فلا منزل يؤويه، أو لقمة خبز تقوّي جسده النحيل، أو ترحم عذابات النزوح الثقيل.

ورغم كل التحديات، لسان حاله هو نحن على الأرض نمشي فوق ترابها وندفن تحت ثراها بإرادتنا، وليس كما يريد المحتلّ.

«المجتمع» تواصلت مع محمد الرنتيسي، النجل الأكبر للدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، القائد الأسبق لحركة «حماس» الذي ارتقى جرّاء عملية اغتيال قبل 20 عاماً، ليبقى نجله شاهداً على واقع غزة ماضيها وحاضرها، وينقل لنا الوضع عبر مرآة حقيقية، ليست مزيفة أو متحاملة.

  • من المعروف أن عائلة الرنتيسي لم تغادر غزة، كشاهد عيان، كيف ترى القطاع بعد «طوفان الأقصى»؟

- نحمد الله على الصبر والثبات على أرض غزة العزة رغم الدمار والقتل والتشريد على يد الاحتلال، وبالنسبة للقطاع بعد المعركة ينظر إليه من جانبين:

1- الجانب المادي متمثلاً في الدمار الذي طال كل شبر؛ حيث لم يعد صالحاً للعيش البشري وبات بلا بنى تحتية وبلا بيوت صالحة للسكن.

2- الجانب المعنوي؛ فترى الناس أكثر تعلقاً بالأرض، ويحملون أملاً كبيراً وثقة على بنائه من جديد.

  • عقب كل حرب تتهم المقاومة بإشعال حرب داخلية، هل ترى ما وقع مؤخراً مثل سابقه، خاصة في ملاحقة المتعاونين مع الاحتلال؟

- غزة لم تكن استثناء في تاريخ الحروب، فقد تشكلت مليشيات ساعدت المحتلّ في تتبع المقاومين وصناعة الفوضى عبر نهب وقطع الطرق على قوافل المساعدات تحت حماية الاحتلال.

مجرد صمودنا وإجبار العدو على عدم تحقيق أهدافه يعد نصراً

فمن الطبيعي كحالة ثورية بعد الحرب أن تنفذ فيهم الأحكام الثورية، وهذا ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية؛ حيث أغارت المقاومة على أوكارهم وتحصيناتهم بعد أن تخلى عنهم الكيان الصهيوني وكأنهم مخلفات حرب، ولاقى هذا التحرك من قبل المقاومة استحساناً من أهلنا في غزة بكامل أطيافها وعشائرها.

  • ما حال أهل غزة الآن؟ وماذا هم فاعلون؟ وما السيناريو المعدّ لتلبية مطالبهم؟

- على التوّ قد خرجنا من حرب ضروس وحصار غير مسبوق في العصر الحديث؛ حيث ما زالت الأغلبية تسكن الخيام بلا عمل أو دخل، والمساعدات حتى هذه اللحظة تدخل بـ«القطّارة»، بلا سيناريوهات واضحة على الأرض على مستوى إعادة الإعمار أو حتى فتح المعابر للسفر والتجارة بحرية أو عودة الحياة بكل مقوماتها إلى حالتها والطبيعية، ورغم كل ما سبق ما زال الشعب يتسلح بالأمل والإرادة لينطلق من جديد.

  • من وجهة نظرك، أي قطاع كان الأكثر تضرراً؟ وما أشكاله؟

- لقد تعمد الاحتلال الصهيوني في هذه الحرب استهداف كافة القطاعات، بهدف تحقيق أهدافه المعلنة، وأهمها تهجير السكان، وانتهاء بأهدافه غير المعلنة، وعلى رأسها تدمير القطاع وجعله مكاناً غير صالح للسكن، ولم نعد نستطيع المفاضلة بينها بحجم الضرر بدءاً بالقطاع الصحي والتعليمي والخدماتي وانتهاء بالاقتصادي.

  • بلغة المكسب والخسارة، هل حققت عملية «طوفان الأقصى» هدفها؟ وهل ترى ذلك في واقع الناس؟

- نحن شعب نرزح تحت الاحتلال منذ سنوات طويلة لا تسري علينا مقاييس الانتصارات والهزائم كما في حروب الدول المتناظرة، مجرد صمودنا وثباتنا وإجبار العدو على عدم تحقيق أهدافه يعتبر نصراً.

فأهداف نتنياهو التي كان يرددها عن النصر المطلق واستعادة الأسرى بالقوة وبلا مقابل، والقضاء على حركات المقاومة لم تتحقق، وتكسرت أمام معجزة صمود وثبات شعبنا.

  • كمختص في مجال التسويق، كيف تقرأ أرباح معركة «طوفان الأقصى»؟

- من نظرة تسويقية بحتة، الجانب التسويقي في المشاريع الرائدة يأخذ حيزاً كبيراً من التكاليف، وبنظرة عامة إلى المشروع الصهيوني منذ عام 1948م وهو يحاول عبر اللوبي الصهيوني تسويق وتثبيت روايته لأجيال في المجتمعات الغربية مقابل الرواية الفلسطينية.

من الطبيعي بعد الحرب أن ينفذ بحق العملاء الأحكام الثورية

فخلال عامين من الحرب، انقلبت الرواية وتصدرت الرواية الحقيقية، وهي الرواية الفلسطينية، فجهد العدو وتكلفة عشرات السنين جاءت بنتيجة سالبة.

  • يوجد الآلاف من الأرامل والأيتام والمصابين وأسر الشهداء، كيف يتم اجتياز كل هذه المعضلات كل مرة؟

- مما لا شك أننا على مدى سنوات طويلة ندفع ثمن مقاومتنا للاحتلال من دمائنا، وهذه سنن الثورات، فالحرب خلّفت آلاماً تفوق طاقة البشر من حيث أعداد الشهداء والإعاقات واليتامى والثكالى والمشردين، إلا أننا نؤمن عن يقين بأننا سنتجاوز هذه المرحلة؛ لأننا نقاتل من أجل أهداف سامية فنحن أصحاب حق ومن حقنا أن نتحرر.

  • لكن لو تم نكث الوعود، هل ترى قدرة للقطاع على الاستمرار والصمود مجدداً؟

- لم يستطع أكثر المحللين تفاؤلاً توقع هذا الصمود الأسطوري في هذا المكان الصغير أمام أعتى قوى الظلم العالمية مع حجم الخذلان غير المسبوق لمدة عامين دون استسلام.

كذلك، لو عادت الحرب، وهذا متوقع من طبيعة الغدر لعدونا، لا أحد يستطيع توقع مقدرتنا على الصمود لأنه في حد ذاته منة من الله وليس جدارة منا.

  • بعد تفوق ابنتك في الثانوية العامة، كيف اجتاز طلاب القطاع هذه المرحلة تحت القصف واستمرار النزوح؟

- تفوق ابنتي في الثانوية العامة مع أقرانها من طلاب غزة يمثل صورة من التحدي والإرادة في وجه الاحتلال.

فواقع الحرب استثنائي؛ حيث لا وجود للدراسة وبلا مقومات تدعمها حتى الإلكترونية؛ فلا وجود لإنترنت ثابت أو كهرباء أو استقرار بسبب النزوح المستمر، إلى جانب الخوف بسبب الانفجارات.

سنتجاوز هذه المرحلة فنحن أصحاب حق ومن حقنا أن نتحرر

ورغم كل ما سبق، استطاع الطلاب بجهود ذاتية وإرادة غير مسبوقة أن يواصلوا دراستهم ويخرجوا من الاختبارات بنتائج أبهرت العدو قبل الصديق.

  • أخيراً، ما رسائلك للمقاومة وللشعوب العربية والإسلامية؟

- إلى أهلنا وعمقنا العربي والإسلامي، ما تابعتموه على مدى عامين مرحلة من مراحل الصراع الممتد مع عدونا.

لم نصل إلى مرحلة التحرر، لكننا حاولنا وسنحاول، لن نكلّ أو نملّ حتى ننال كامل حقوقنا وعلى رأسها دحر العدو.

رأيتم كيف استطاعت المقاومة بعتادها البسيط وقلة إمكاناتها أن تمرّغ أنف المحتلّ ومن خلفه أعتى دول العالم تدعمه.

لا ننكر أننا دفعنا ثمناً غالياً من أموالنا ودمائنا وفلذات أكبادنا، لكننا في المقابل استطعنا، إضافة إلى جهود المخلصين من أمتنا ومن الأحرار، أن نوصل صوتنا وعدالة قضيتنا لكل العالم.

نجدد دعوتنا إلى شباب الأمة ليشاركوا معنا في معركة الشرف بجهدهم المستطاع ولو بالكلمة، فكل جهد ولو قلّ يقربنا أكثر وأكثر نحو تحرير «الأقصى».


اقرأ أيضاً:

السنوار ونظرية الرنتيسي.. عندما تكون الشهادة نصراً

الرنتيسي.. تمنى الموت بـ«الأباتشي» فتحقق مراده

حين تكون الشهادة ميلاداً.. «المجتمع» تحاور عائلة الشهيد محمد الضيف

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة