«خطة الحسم».. عين على الضفة الغربية وأخرى على الائتلاف الحكومي اليميني

في ظل التصعيد الصهيوني المستمر في الضفة الغربية، تبرز «خطة الحسم» كإحدى
أخطر المبادرات اليمينية المتطرفة التي تهدف إلى إعادة تشكيل الواقع الفلسطيني
بالكامل وفق رؤية «إسرائيلية» أحادية الجانب.
يقود هذه الخطة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو أحد أبرز الشخصيات اليمينية المتطرفة داخل حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم عناصر قومية ودينية متشددة، وتهدف الخطة إلى فرض السيادة «الإسرائيلية» الكاملة على الضفة الغربية وإلغاء أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية؛ الأمر الذي يجعلها محورًا رئيسًا في السياسات «الإسرائيلية» الحالية.
و«خطة الحسم» ليست مجرد وثيقة سياسية عابرة، وإنما مشروع إستراتيجي يسعى إلى حسم الصراع «الإسرائيلي» - الفلسطيني من منظور اليمين الصهيوني، وتقوم هذه الخطة على 3 ركائز أساسية:
1- ضم الضفة الغربية بالكامل للاحتلال:
تعتبر هذه الخطوة أساسية في مشروع اليمين المتطرف، حيث سيتم توسيع
المستوطنات إلى الحد الأقصى، وفرض القانون «الإسرائيلي» على المناطق الفلسطينية؛
ما يعني عمليًا القضاء على أي سيادة فلسطينية مستقبلية.
هذا الضم الفعلي يتم بدعم قوانين «إسرائيلية» تمنح المستوطنين حقوقًا
متزايدة، بينما تفرض قيودًا شديدة على الفلسطينيين، الهدف من ذلك تحويل الضفة
الغربية إلى جزء لا يتجزأ من دولة الاحتلال، مع تقليص عدد الفلسطينيين وإبقائهم في
جيوب معزولة بلا سيادة أو حقوق سياسية حقيقية.
2- تفكيك السلطة الفلسطينية:
وفقًا للخطة، فإن وجود السلطة الفلسطينية يشكل عائقًا أمام تحقيق رؤية «إسرائيل الكبرى»؛ لذا، فإن الهدف تقويض السلطة تدريجيًا من خلال سلسلة من الإجراءات التي تستهدف إضعاف مؤسساتها وتقويض دورها السياسي والاقتصادي، عبر حجز أموال الضرائب الفلسطينية، ومنع السلطة من تقديم الخدمات الأساسية، بينما تحاول «إسرائيل» إفقادها شرعيتها أمام الشعب الفلسطيني.
هي مشروع
إستراتيجي يسعى إلى تغيير الواقع الفلسطيني في ظل حكومة يمينية متطرفة
كما تستخدم دولة الاحتلال ضغوطاً دبلوماسية لمنع أي تحركات دولية تعزز
مكانة السلطة على الأرض؛ ما يُضعف عملياً الموقف الفلسطيني.
إضافة إلى ذلك، تسعى إلى إحلال إدارة محلية بديلة، أو التعامل مع شخصيات
فلسطينية بهدف خلق واقع سياسي جديد يخدم أجندتها التوسعية، هذه السياسات تهدد
بإنهاء أي إمكانية لحل الدولتين، وجعل الفلسطينيين دون تمثيل محلياً ودوليًا.
3- فرض الهجرة الطوعية على الفلسطينيين:
تعتمد الخطة على الضغط الاقتصادي والاجتماعي لدفع الفلسطينيين إلى مغادرة
الضفة الغربية بشكل طوعي، عبر خلق بيئة معيشية قاسية تجعل الحياة هناك شبه مستحيلة.
وتنتهج «إسرائيل» هذه السياسة الممنهجة من خلال مجموعة من الإجراءات التي
تجعل استمرار الفلسطينيين في وطنهم أمرًا بالغ الصعوبة، وتشمل هذه السياسات هدم
المنازل، ومصادرة الأراضي، والتضييق الاقتصادي، وفرض قيود صارمة على تصاريح البناء
والتنقل؛ ما يدفع الفلسطينيين إلى البحث عن أماكن أكثر استقرارًا خارج أراضيهم.
كما تستخدم دولة الاحتلال العنف الممنهج والممارسات القمعية، مثل
الاعتقالات التعسفية، والتضييق على قطاعي التعليم والصحة، لمنع الفلسطينيين من
الاستقرار والعيش بكرامة.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل القوانين التمييزية على إضعاف الوجود الفلسطيني في
القدس والضفة الغربية، بهدف تغيير التركيبة الديمغرافية لصالح المستوطنين، هذه
السياسات لا تنتهك فقط القانون الدولي وحقوق الإنسان، بل تسهم أيضًا في تفاقم
الأزمة الإنسانية وتعزيز الاستيطان مما يجعل تحقيق السلام المزعوم أكثر تعقيدًا.
الوسائل المتبعة لتنفيذ الخطة
لتنفيذ هذه الرؤية، يعتمد سموتريتش على مجموعة من الأدوات والإجراءات التي تتراوح بين القرارات الحكومية والسياسات الميدانية، وأبرزها تشديد القبضة العسكرية في الضفة الغربية، ويشمل ذلك تنفيذ عمليات أمنية موسعة، وزيادة عدد الحواجز العسكرية، وشن غارات متكررة على المدن الفلسطينية بحجة «مكافحة الإرهاب».
الخطة تعتمد على
الضغط الاقتصادي والاجتماعي لدفع الفلسطينيين إلى مغادرة الضفة بشكل طوعي
علاوة على ذلك، العمل على تعزيز الاستيطان من خلال تقديم تسهيلات واسعة
للمستوطنين، مثل زيادة ميزانيات البناء في المستوطنات، والمصادقة على مشاريع
استيطانية جديدة، وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية العشوائية، والعمل على خنق
الاقتصاد الفلسطيني عبر حجب عائدات الضرائب التي تجمعها «إسرائيل» نيابة عن السلطة
الفلسطينية، وفرض قيود على حركة البضائع والأفراد، والتضييق على البنوك الفلسطينية.
كلُ ذلك متزامن مع تحريض المستوطنين على العنف، حيثُ يُمنح المستوطنون في
الضفة الغربية حرية أكبر في مهاجمة الفلسطينيين، ودائماً ما يحصلون على حماية
الجيش «الإسرائيلي»؛ وهو ما يساهم في خلق بيئة غير مستقرة تدفع الفلسطينيين
للهجرة.
العلاقة بين «خطة الحسم» والائتلاف الحكومي
وجود حكومة «إسرائيلية» يمينية متطرفة بقيادة نتنياهو هو العامل الأساسي
الذي يمكّن سموتريتش وأمثاله من الدفع نحو تنفيذ «خطة الحسم»، حيثُ تعتمد الحكومة الحالية
على ائتلاف يشمل أحزابًا يمينية دينية متطرفة مثل «الصهيونية الدينية» و«عوتسما
يهوديت»، وكلاهما يروج لأفكار تتماشى مع مضمون الخطة.
هذا الائتلاف أعطي سموتريتش نفوذًا واسعًا داخل الحكومة، حيث يتولى منصب وزير المالية؛ ما منحه صلاحيات مباشرة للتحكم في الأموال المخصصة للضفة الغربية، كما يشغل منصبًا في وزارة الدفاع يتيح له الإشراف على الإدارة المدنية في الضفة الغربية؛ ما منحه أيضاً القدرة على اتخاذ قرارات تؤثر مباشرة على الحياة اليومية للفلسطينيين.
يُمنح المستوطنون
بالضفة حرية في مهاجمة الفلسطينيين ويحصلون على حماية الجيش «الإسرائيلي»
التأثيرات المحتملة لتنفيذ الخطة
- على الفلسطينيين:
نهاية حل الدولتين، حيث إن تطبيق «خطة الحسم» يعني فعليًا استحالة إقامة
دولة فلسطينية مستقلة، حيث سيتم ابتلاع معظم أراضي الضفة الغربية، ومن جانب آخر
زيادة التوتر الأمني الذي أدى الى تصعيد حاد في المواجهات مع الاحتلال؛ ما قد يؤدي
إلى اندلاع انتفاضة جديدة، إضافة الى انهيار الاقتصاد الفلسطيني مع تشديد الخناق
الاقتصادي، الذي بدوره سيعمل على ازدياد البطالة والفقر في الضفة الغربية؛ ما يجعل
الحياة اليومية للفلسطينيين أكثر صعوبة.
- على الاحتلال:
من المرجح تصعيد المقاومة المسلحة وازدياد البؤر النضالية مع تضييق الخناق
على الفلسطينيين، كما أنه من المتوقع أيضاً خلق حالة من عدم الاستقرار في دولة
الاحتلال نفسها، هذا بدوره سيعمل على تأجيل قطار التطبيع بين «إسرائيل» وعدد من
الدول العربية، وهو ما تنتظر عودته «إسرائيل» للعلن رغم عدم انقطاعه؛ ما يعني عدم
الاستقرار في المنطقة.
تطبيق «خطة
الحسم» يعني فعلياً استحالة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ونهاية «حل الدولتين»
«خطة الحسم» ليست مجرد رؤية سياسية، وإنما مشروع إستراتيجي يسعى إلى تغيير
الواقع الفلسطيني بالكامل في ظل حكومة «إسرائيلية» يمينية متطرفة، تبدو فرص البدء
بتنفيذ الخطة أكبر من أي وقت مضى.
لكن في المقابل، لا تزال هناك عقبات أمام تنفيذ الخطة بشكل كامل، أبرزها
المقاومة الفلسطينية، والضغوط الدولية الخجولة، والانقسامات داخل المجتمع «الإسرائيلي»
نفسه، فالعديد من «الإسرائيليين» بمن فيهم مسؤولون عسكريون سابقون، يرون أن تنفيذ
هذه الخطة سيؤدي إلى كارثة أمنية وسياسية على «إسرائيل» نفسها بالمحصلة، يبقى
الصراع مفتوحًا على جميع الاحتمالات، لكن المؤكد هو أن «خطة الحسم» ستظل واحدة من
أخطر التهديدات التي تواجه القضية الفلسطينية في العقود الأخيرة.