المصادرة مفتاح المغادرة!

محمد القيق

21 مايو 2025

116

يصعد الاحتلال «الإسرائيلي» من حملة المصادرة للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث شملت مؤخراً ما نسبته 80%؜ من أرض الضفة لصالح الاستيطان والشوارع الالتفافية والمناطق العازلة والمناطق العسكرية والمحميات الطبيعية تزامناً مع إصدار مئات إخطارات الهدم بحق ممتلكات موزعة بين منازل ومحال تجارية ومصالح صناعية وزراعية في أنحاء المدن الفلسطينية؛ بحجة البناء بدون ترخيص أو لأغراض أمنية وعسكرية، لتحكم حكومة نتنياهو قبضتها جيداً على الجغرافيا، وتقلص التعداد السكاني بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

شرعنة السرقة.. الضفة الغربية |  Mugtama
شرعنة السرقة.. الضفة الغربية | Mugtama
يواصل الاحتلال «الإسرائيلي» مشاريع الشرعنة لبؤر اس...
mugtama.com
×

قتل الطبيعة

يتزامن هذا الإجراء الممنهج مع مشروع استيطان واسع النطاق في إطار مستوطنات قائمة يتم توسيعها وأخرى يتم إنشاء أركانها تمهيداً لتثبيتها، لتكون كلها منسقة جغرافياً بحيث تتواصل مع بعضها على حساب الطبيعة المتصلة للأرض الفلسطينية وتفكيكها ضمن ترابط جغرافي استيطاني.

ينعكس هذا الإجراء مع ما سبق على عديد المستويات:

- تقطيع أواصر الضفة الغربية التي هي أصلاً معزولة تماماً عن القدس بفعل جدار الفصل العنصري وكذلك عن غزة؛ ما يؤدي إلى ضعف الجغرافيا وعدد السكان؛ لأن سياسة منع البناء والهدم في آن واحد تطال مناطق فلسطينية قريبة من الجدار العنصري الممتد على طول الضفة الغربية.

وكذلك الطرد القسري اليومي من القدس عبر سحب الإقامة أو ضريبة «الأرنونا»؛ وهي ضريبة باهظة تفرض على الفلسطينيين هدفها الأساسي دفعهم للمغادرة، وكذلك منع البناء في أكثر من 78%؜ من أراضي الضفة الغربية؛ ما يجعل ذلك مدخلاً لدفع الناس للمغادرة، وهذا يطال الجيل الثاني والثالث لعدم وجود مساحات للبناء.

- هذا السلوك الأمني في التغيير المركزي في جغرافيا السكان ينعكس فوراً على الحالة الاقتصادية وترابطها؛ ما يجعلها ضعيفة وهزيلة، بل وتصبح مرحلة معقدة يصعب تطويرها، وهنا ما يعقد المشهد أكثر أن مصادرة الأراضي تربك الاستثمارات والبناء، كما أن ذلك تضاف له المواجهات والحواجز العسكرية وإغلاق المدن؛ ما يجعل البقاء في مربع الحياة اليومية قطعة من الجحيم.

- سياسة المصادرة المتسارعة هي تجديد حالة الاحتلال للمنطقة على طريقة حجة الأمن والاحتياج العسكري الذي يندرج تحته حرمان الفلسطينيين من مواردهم الطبيعية وسلة الغذاء المركزية، وهي منطقة الأغوار وأريحا وامتداد مرج بن عامر وصولاً إلى غرب جنين.

وهذا بات التحكم فيه «إسرائيلياً»؛ ما يجعل معادلة الأسعار والإنتاج والتصدير معادلة خالصة «إسرائيلية» تحدد المسارات التي يجب أن يتبعها الفلسطيني، وهذا سببه المباشر المصادرة التي تمت وتتم بطريقة ممنهجة للأراضي وأحواض المياه وعيون الينابيع حتى يتم شل الإنتاج؛ وهو ما يعني قطع اليد العاملة وتدمير الاقتصاد وتعزيز التبعية.

- مهاجمة المناطق الفلسطينية من قبل المستوطنين قبيل قرار المصادرة في أغلب الحالات، كما يحدث في المغير ودير جرير والمزرعة شرق رام الله وسنجل شمالها والأغوار شرق الضفة الغربية ومسافر يطا جنوب الخليل والولجة وبتير غرب بيت لحم، وما يجري مؤخراً في سلفيت شمال الضفة، حيث الإرهاب اليومي الممنهج من قطع الطرق وحرق الممتلكات واقتحام المنازل وتركزت مؤخراً ضد الأكواخ والأبنية الزراعية لترهيب الناس من التوجه لأراضيهم.

- يتزامن سلوك المصادرة الذي يصدر من الحكومة «الإسرائيلية» لإضفاء صبغة شرعية عليها مع اعتداءات المستوطنين المتصاعدة؛ مع تجميد أموال الرواتب وقطع الطرق الرئيسة مع حملة أمنية عسكرية تستهدف المخيمات، ليكون هذا المسلسل متكاملاً وممنهجاً.

استهداف المخيمات يعني شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم التي هي أول قرارات الاستيلاء والمصادرة حيث الأرض المحتلة عام 1948م، وهذا سلوك مرتبط مباشرة مع المصادرة الجارية في الأرض المحتلة عام 1967م، ما يعني أن ما بدأ به «الإسرائيلي» من خلال عصابات «الهاچانا» و«بالماخ» و«إتسل» و«ليحي» مطلع «النكبة» يجدده الآن في إشارة إلى إجبار الفلسطيني مرة أخرى على الرحيل حتى من الضفة الغربية من خلال هذه الإجراءات، والخطير في المشهد أن الحكومة «الإسرائيلية» تتحدث علناً عن مشروع دولة المستوطنين في الضفة؛ ما يعني إلغاء الوجود الفلسطيني، وهذه المصادرة المتسارعة دليل على ذلك.

الاستيطان في الضفة الغربية أداة تهويد وتغيير ديمغرافي |  Mugtama
الاستيطان في الضفة الغربية أداة تهويد وتغيير ديمغرافي | Mugtama
منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967م، عملت «إسرائيل...
mugtama.com
×

صاعق!

إرهاصات الانفجار الفلسطيني في وجه الاحتلال في الضفة الغربية باتت كبيرة، ولكنها تفتقد لعناصر أساسية تكمل الصورة لمنع الكارثة:

- غياب الموقف الجامع من الدول العربية لتعزيز الحق الفلسطيني يدفع إلى حالة الإحباط للشعب، وفي الوقت نفسه يعطي ضوءاً أخضر للاحتلال لتسريع مخططه.

- عجز القانون الدولي عن ردع الاحتلال «الإسرائيلي» سواء في القدس أو الضفة الغربية أو حتى ما يجري من إبادة في غزة يجعل العين «الإسرائيلية» تفتح مباشرة على الدول العربية المجاورة.

- الانقسام الفلسطيني وعدم وجود حالة توافق فلسطينية ورؤية جامعة للفصائل نحو التحرير والمقاومة والدفاع عن الحق الفلسطيني، هذا هدر كثيراً من الحقوق عبر التاريخ، بل وسهل مهمة السيطرة «الإسرائيلية» المباشرة التي تجرأ فيها بأن يعلن صراحة أنه يسعى للسيطرة على ما تبقى وطرد الفلسطينيين، حتى إن بعض التصريحات الرسمية تشير للأردن كوطن بديل لترحيل الفلسطينيين إليه.

ولذلك، فإن ضرورة وجود وفاق وطني فلسطيني ورؤية جامعة باتت أمراً ملحاً في المواجهة الحالية.

- بناء الجدران العازلة والسياجات الأمنية، وهذه سياسة انكماش في ظاهرها تطمس هوية التوسع التي يتبناها الاحتلال «الإسرائيلي» على حساب الشعب الفلسطيني والدول العربية المجاورة، ولكنها في عمقها إشارة خطيرة لتعزيز خطوط الدفاع والاستعداد لالتهام جديد للجغرافيا، وهذا حدث في قطاع غزة حينما تم بناء السياج حولها مطلع العام 2000م وتعزز أكثر بعد عام 2005م بعد الانسحاب «الإسرائيلي»، وكان يلتهم في كل مرة أرضاً جديدة بحجة مناطق عازلة.

وهذا ذاته يقاس على الضفة الغربية والقدس المحتلة؛ حيث إن حصار القدس أخرج عشرات آلاف المقدسيين خارج جغرافيا المدينة، وبعد أن شيد الاحتلال الجدار العنصري عام 2003م باتت القدس معزولة نهائياً، وبات اتصال أهلها الذين فصلهم الجدار عنها أمراً يومياً معقداً صعباً من خلال الحواجز والأزمات الخانقة والإغلاق المتكرر والمزاج الأمني.

كما أن الجدار العنصري أقيم بحجة أمنية ومنع العمليات ضد المدن «الإسرائيلية»، ولكنه في حقيقة الأمر كان أداة لهضم عشرات آلاف الدونمات من الأرض المحتلة عام 1967م لتصبح ضمن نطاق ما تم الاستيلاء عليه عام 1948م.

بهذه الطرق أعلاه تترسخ سياسة الطرد والإجبار على المغادرة، وبالمصادرة تصبح الطريق ممهدة للاستيطان وتسهيل مهام السيطرة التي أفقدت الفلسطينيين أملاً بدولة، وحتى عززت لديهم خوفاً على وجود.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة