خطأ مقولة: «نقبل بما يقبل به الفلسطينيون»!

أمريكا تطالب بالمحافظة على أمن الجنود المغتصبين

في شهر أكتوبر عام 2002م، حضر مساعد وزير الخارجية الأمريكي وليم بيرنز إلى الشرق الأوسط مبعوثًا من الإدارة الأمريكية، مبشرًا بخريطة الطريق التي تلزم الطرف الفلسطيني بالمحافظة على أمن الجنود المغتصبين بينما لا تلزم الصهاينة بشيء، بل تناشدهم فقط بأمور تحتمل تفسيرات يحسنون تأويلها لصالح الاحتلال الغاشم، ولهذا أدخل اليهود على هذه الخطة تعديلات جعلتها تفقد الكثير من ثوابتها الأولى.

أمهلت أمريكا الكيان لكي يقوم بأعمال القتل وهدم البيوت وتشريد العائلات بما يجعل الطرف الفلسطيني يأتي صاغرًا ملبيًا المطالب الأمنية الصهيونية، متنازلًا عن كثير من حقوقه المشروعة ومنها حدود الدولة الفلسطينية وجيشها وعاصمتها وحقوق اللاجئين في العودة إلى وطنهم.

وبعد أن فرغت أمريكا من الاستيلاء على العراق، شرعت في تهديد الكثير من الحكومات العربية بتغييرها على نحو ما تم مع صدام حسين، الأمر الذي جعل الرافضين للغصب الصهيوني يعلنون أنهم يقبلون بما يقبل به الفلسطينيون أو يقبل بالتنازل الذي قبله محمود عباس وكأنه أصبح الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

محمد دحلان في خدمة الاحتلال

تلزم هذه الخريطة الجانب الفلسطيني وقف الانتفاضة، ولهذا اختار محمود عباس لهذه المهمة محمد دحلان الذي قال عنه روتشيلد المنسق السابق للاحتلال في تصريح نشرته صحيفة الحياة يوم 22/ 4/ 2003م، إن وجود محمد دحلان في حكومة أبو مازن أمر حيوي لضمان سلطة أبو مازن وسيطرته على الشعب.

دحلان لم يخف مهمته، إذ صرح بأنه سيتولى مكافحة الأجنحة العسكرية للمقاومة الفلسطينية لمنعها من تنفيذ أي عمليات ضد جيش الاحتلال، لهذا عندما حضر الرئيس الأمريكي يوم 3/ 6/ 2003م، في العقبة لمؤتمر القمة كان أول سؤال له لابي مازن: أين دحلان؟

مناورات شارونية لابتزاز الفلسطينيين

أما الاعتراضات الصهيونية الكثيرة على خطة خريطة الطريق، فما هي إلا مناورات شارونية لابتزاز أكبر قدر من التنازلات الفلسطينية، وبالتالي التنازلات العربية لأن العرب سلموا مصير أمتهم إلى أمريكا وإن شئت قلت إلى العدو الصهيوني بمقولتهم: نقبل ما يقبل به الفلسطينيون، وهكذا يقبل العرب التنازل عن الحق الفلسطيني.

وفي كلمة الرئيس جورج بوش التي ألقاها مساء 3/ 6/ 2003م في قمة شرم الشيخ جاء ما نصه: «إن الأرض الفلسطينية التي يوافق الإسرائيليون على أن تقوم عليها دولة فلسطينية يجب ألا تكون مقطعة الأوصال»، حيث يترك بوش للصهاينة حق تحديد المساحة التي تنسحب منها وتقام عليها دولة فلسطين وكل ما فيه ألا تكون مقطعة الأوصال، وهذا يتعارض مع قرارات مجلس الأمن أرقام (242) و(338) و(1397)، بانسحاب دولة الكيان الغاصب من الأراضي التي احتلتها عام 1967م.

خريطة الطريق تحمي العدوان الصهيوني وتعطيه الشرعية

وليس أدل على أن خريطة الطريق تحمي العدوان الصهيوني وتعطيه الشرعية من قول بوش في ذلك المؤتمر: «إننا لن نسمح لقلة من القتلة الإرهابيين بتدمير أحلام وآمال الكثيرين، وهكذا باسم مؤتمر السلام يعلن بوش أن الفلسطينيين الذين يردون العدوان قلة من القتلة الإرهابيين، وأما الجيش الصهيوني الذي يقتل المدنيين ويهدم عليهم بيوتهم ويسلب أرضهم وأموالهم فيقوم بعمل مشروع.

إن السلام العادل والشامل الذي تعلن عنه الزعامات العربية والذي سماه ياسر عرفات «سلام الشجعان» لم يكن في مدريد عام 1991م إلا تكريسًا للخلل في قرارات الأمم المتحدة.

وها هو الخلل والتفريط يعاد فرضه في خريطة ولم يكتف بوش بأن يكون ذلك اتفاقًا بين الصهاينة والسلطة الفلسطينية، بل أراد أن يحصل على موافقة العرب، وضغط عليهم ليعلنوا ضمان أمن الدولة المعتدية دون أي إعلان منها عن الانسحاب الكامل غير المشروط، وبدون أي إعلان ولو كاذبًا من تلك الدولة التي تستحل جميع المحرمات وترى ذلك تقربًا إلى الله الذي نسبوا إليه زورًا أنه أحل دماء وأعراض غير اليهود، وهو ما كشفه القرآن الكريم في قول الله تعالى عنهم: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران: 75).

بوش يطالب الزعماء العرب بالاعتراف بدولة الاحتلال

يطلب بوش من الزعماء العرب إعلان إنهاء النزاع مع تلك الدولة والاعتراف بها وضمان الأمن لها طبقًا للمفهوم الصهيوني للأمن، وبالتالي السعي لترتيبات سياسية واقتصادية واجتماعية معها تحت اسم السلام والتسوية وتنفيذ متطلبات خريطة الطريق.

أبو مازن يتعهد بنزع سلاح المقاومة

في اليوم الرابع من يونيو، اجتمع أبو مازن وشارون تحت إشراف بوش في العقبة، لإعلان الالتزام بخطة خريطة الطريق، فإذا بأبي مازن بصفته رئيسًا لوزراء فلسطين يعلن تعهده بمنع عسكرة الانتفاضة ويعلن أن خيار مقاومة الاحتلال ليس إلا مقاومة بالقول فقط، وتعهد بنزع سلاح منظمات المقاومة وسكت عن التمسك بحق عودة اللاجئين وحق إقامة دولة فلسطين على كامل الأرض المحتلة منذ عام 1967م، وحق الفلسطينيين في أن تكون القدس عاصمة هذه الدولة، على الرغم من أن قرارات الأمم المتحدة تعطي الفلسطينيين هذه الحقوق ولا تدين مقاومة الاحتلال، بل تعتبره عملًا مشروعًا، وقد أعلن شارون في هذه القمة يهودية دولة الكيان الغاصب وعاصمتها القدس، وأعلن أن المستوطنات التي سيتم التخلي عنها هي فقط المستوطنات العشوائية أي التي لم تصرح بها الحكومة، وهذه لا تعد شيئًا بالقياس إلى السرطان الاستيطاني الذي أقامه هذا الإرهابي.

«حماس» ترفض خريطة الطريق لأنها تتخطى الثوابت الفلسطينية

وكان طبيعيًا أن تعلن حركة «حماس» معارضتها للمقررات الناجمة عن تلك القمة لأنها تمس الثوابت التي أجمع عليها الفلسطينيون والتي لا يجرؤ فلسطيني على تخطيها، وقد تبع ذلك إعلان خمس منظمات كبرى رفض هذه المقررات وإن شئت فقل الأوامر والإملاءات.

لقد علقت خطة خريطة الطريق الثوابت الفلسطينية سالفة الذكر على اتفاق الطرفين في المفاوضات، وفي الوقت نفسه، فهي تجرد الفلسطينيين من وسيلة الضغط المتاحة لهم وهي المقاومة، ولا توقف أي عدوان صهيوني على المدنيين الفلسطينيين، ولا إجراءات هدم البيوت والمصالح واغتيال الشرفاء، وبالتالي فالنتيجة أن ينفذ العرب والفلسطينيون المطلوب منهم دون أن يلتزم الصهاينة بشيء خصوصًا أن الرئيس بوش ألزم نفسه في كلمته بيهودية تلك الدولة، وهذا يعني عدم وجود حقوق بعودة اللاجئين وعدم وجود التزام بإزالة المستوطنات، بل يعني حق الصهاينة في ترحيل العرب الذين يقيمون داخل أرضهم المغتصبة.

متى يوقف العرب مسلسل التنازلات عن الثوابت الفلسطينية؟

ولسنا ندري متى يوقف العرب مسلسل التنازلات عن الثوابت الفلسطينية ومتى يدركون أن هذا يفتح الباب أمام الصهاينة لتنفيذ مخططهم من النيل إلى الفرات لقد أنكر عليهم هذه التنازلات البروفسور الأمريكي نعوم تشومسكي فنشرت صحيفة الحياة يوم 10/ 6/ 2003م، أن ما قبله العرب اليوم بخطة خريطة الطريق سبق أن عرضه شارون عام 1992م، وأن ما تعرضه أمريكا والصهاينة من قيام دولة فلسطينية عام 2005م. 

كانت كل منهما ترفضه، لكن لما غير الصهاينة الواقع على الأرض الفلسطينية بالمستوطنات، أصبح قيام دولة منزوعة السلاح وعلى مساحة قليلة تسمح بها دولة الاحتلال هو الحل لوقف الانتفاضة، لتتولى السلطة ما عجزت عنه تلك الدولة، وبالشروط التي تفرضها تحت ستار المفاوضات وهذا ما التزم به محمود عباس.

ولسنا ندري إلى متى يفاوض العرب على الثوابت تحت ذريعة أنهم يقبلون ما يقبل به الفلسطينيون وهم يرون الفصائل الفلسطينية ترفض هذه التنازلات ولا يقبلها سوى سلطة أقامها الصهاينة وأمريكا وهذه التنازلات تمس الأمن القومي العربي.

تجاهل ياسر عرفات لأنه يرى أن وقف العنف يجب أن يكون متزامناً من الطرفين.

في 14/ 6/ 2003م، نشرت الصحف نداء من ياسر عرفات إلى المسؤولين المصريين بعدم تجاهله لأن سبب خلافه مع أمريكا والصهاينة، أنه تمسك بأن وقف العنف يجب أن يكون متزامنًا من الطرفين، فلا تترك دولة الاحتلال تقتل الفلسطينيين وتهدم بيوتهم في الوقت الذي نطلب فيه من الفلسطينيين قبول الاعتداء وعدم الدفاع عن النفس، ولقد قبل ذلك محمود عباس، فطلب المحتلون من الدول منع اللقاء مع الرئيس الفلسطيني المنتخب من الشعب والتعامل مع محمود عباس فقط.

إن قبول قتل الفلسطينيين وسلب أرضهم هو أول درجات السقوط تحت أقدام الصهاينة الذين تأمرهم التوراة التي حرفوها بقتل الشعوب الأخرى وطردهم من أرضهم، وأول هؤلاء العرب لأن التوراة أعطتهم كما يزعمون أرض العرب من النيل إلى الفرات.

فالدفاع عن أرض فلسطين هو خط الدفاع الأول عن باقي الأراضي العربية(1).



 للمزيد:  

- أيها المنهزمون.. اتركوا الساحة لأهل الجهاد في فلسطين!

- القدس ستبقى همنا الأكبر مهما كثرت المشكلات

- محاولة لفهم الجذور الثقافية للتأييد الأمريكي المطلق لـ«إسرائيل»

- الكويت تودِّع شهداءها


_________________

(1) نُشر بالعدد (1557)، 28 ربيع الآخر 1424هـ/ 28 يونيو 2003م، ص34. 

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة