أيها المنهزمون.. اتركوا الساحة لأهل الجهاد في فلسطين!

جاءت قمتا شرم الشيخ والعقبة الأخيرتان
ضمن حلقات تطويق القضية الفلسطينية بغية الإجهاز عليها وإغلاق ملفها لصالح العدو
الصهيوني.
وقد تمكن الإرهابي شارون -بمساعدة
الولايات المتحدة- من الحصول في هاتين القمتين علىٰ شهادة من أكبر دولة عربية
رسمية بإدانة عمليات المقاومة التي يخوضها الشعب الفلسطيني لتحرير ترابه واسترداد
حقوقه، كما حصل علىٰ الشهادة نفسها من رئيس حكومة السلطة محمود عباس.
الرئيس المصري: سنستخدم جميع الوسائل المتاحة وقوة القانون لمنع وصول أي دعم للجماعات غير الشرعية!
ففي قمة شرم الشيخ قال الرئيس المصري:
«سنستخدم جميع الوسائل المتاحة وقوة القانون لمنع وصول أي دعم للجماعات غير
الشرعية ومن بينها المنظمات «الإرهابية»، وقال في موضع آخر: «نحن نؤيد إصرار
السلطة الفلسطينية علىٰ الوفاء بمسؤولياتها في إنهاء العنف وحفظ الأمن والنظام».
أما في قمة العقبة فقد أعلن محمود عباس
في كلمته أنه: «لا يوجد حل عسكري لصراعنا، ونكرر إدانتنا ورفضنا للإرهاب والعنف ضد
"الإسرائيليين" أينما كانوا، وسنبذل كل إمكاناتنا لتنتهي عسكرة
الانتفاضة وسننجح».
وقد جاء هذا الموقف الخطير لينزع -للمرة
الأولىٰ في تاريخ القضية الفلسطينية- عن الشعب الفلسطيني حقه في رد الاعتداء
والمقاومة لتحرير بلاده، وهو الحق المقرر والثابت في القانون الدولي..
والخطير في ذلك أن الإدانة والاستنكار
للمقاومة تأتيان من الطرف العربي والفلسطيني، بل ويلتزم هذا الطرف بالقضاء علىٰ
المقاومة واقتلاع تيار الجهاد والاستشهاد الذي يطلقون عليه زورًا «الإرهاب»!
وهكذا تحول الموقف الفلسطيني وحكومة
السلطة -بقيادة محمود عباس ميرزا- من الموقف المساند والداعم للمقاومة الفلسطينية
إلىٰ موقف الخصم المحارب الذي تعهد أن يقوم –نيابة عن العدو– بالإجهاز عليها، وتلك
مصيبة جديدة تلحق بالقضية الفلسطينية على أيدي الذين يفترض فيهم أن يكونوا جندًا
لها، ولكنه الانهزام والهرولة والطاعة العمياء للمخططات الصهيونية.
وفي المقابل، بدا الإرهابي شارون -الغارق
حتىٰ أذنيه في دماء أهلنا في فلسطين- في أوج عنجهيته وصلفه، فلم يلتزم بشيء ذي
معنىٰ حيال حقوق الشعب الفلسطيني، وإنما أكد يهودية الدولة وهيمنتها، وكرر موافقته
علىٰ مشروع «خريطة الطريق»، وفق الشروط التي وضعتها حكومته والتزمت واشنطن
بمراعاتها وهي أربعة عشر شرطًا تتركز في التزام حكومة محمود عباس بالقضاء علىٰ
المقاومة المسلحة، وتفكيك بنيتها التحتية، دون فرض قيود –في المقابل– علىٰ تحركات
الجيش الصهيوني في الاجتياح والقتل اليومي للفلسطينيين، وأن تكون الدولة
الفلسطينية بحدود مؤقتة ومنزوعة السلاح، والتنازل عن حق العودة للاجئين
الفلسطينيين في الخارج الذين يقارب تعدادهم خمسة ملايين، والتنازل عن القدس الشريف
والمسجد الأقصىٰ.
وقد كان شارون متشددًا، وفي غاية الصلف
في اللقاء الذي تم بينه وبين محمود عباس في 29/ 5/ 2003م قبيل القمتين، وفي شروطه
بشأن خريطة الطريق، بل إنه استبق ذلك الاجتماع بساعات قليلة بالتأكيد أن حكومته
«لن تتخلى عن القدس أبدًا» وذلك في حفل أقامته الحكومة بمناسبة ما سُميَ «بيوم
القدس» لإحياء ذكرىٰ ضم القسم الشرقي من المدينة في أعقاب حرب يونيو 1967م.
وهكذا بدت الصورة في الأيام الأخيرة..
تنازل وتسليم وهوان من الجانب العربي،
وتمكين واستحكام للجانب الصهيوني بدعم أمريكي، لكن دوام الحال من المُحال، فإن
كانت أكثر الأنظمة الرسمية قد هانت عليها فلسطين لهذه الدرجة فإن قوىٰ المقاومة الفلسطينية -وعلىٰ رأسها حركة حماس وتيار الجهاد والاستشهاد الذي يسري في شعوب
الأمة- رفضت ذلك واستعدت له، وإن الشعوب المسلمة -وفي القلب منها الحركات
الإسلامية- تدرك جيدًا ما يحاك للقضية، وتعي جيدًا أن مشاريع ما يُسمَّىٰ بالسلام
-التي تتوالىٰ علىٰ المنطقة منذ عقود واللجان التي يتم تشكيلها والاجتماعات التي
يجري عقدها والوفود الغربية التي يدفع بها إلى المنطقة- ليس هدفها علىٰ الإطلاق
تحقيق السلام الذي يزعمونه ولا إقامة دولة فلسطينية أو حتىٰ إقرار الحقوق المشروعة
التي أقرتها ما تُسَمَّىٰ بالشرعية الدولية في الأمم المتحدة وإنما لها هدف واحد
هو اقتلاع تيار الجهاد من أرض فلسطين، وإبادة المقاومة الفلسطينية المجاهدة
تمامًا، بعد أن ألحقت بالعدو خسائر لم يمن بها خلال حروبه المتعددة مع جيوش
الأنظمة العربية مكتملة، وبعد أن صارت هذه المقاومة تزلزل كيانه وتدك أوصاله
وتهدده بالزوال.
شكَّل الاستعمار الإنجليزي اللجان العديدة للضحك علىٰ العرب
ولا شك أن القضاء علىٰ روح الجهاد بين
الشعب الفلسطيني وإبادة تيار المقاومة، هدف صهيوني استعماري قديم، فمنذ وطئت أقدام
العصابات الصهيونية أرض فلسطين، وجل الأهداف الاستعمارية ضرب الثورات والانتفاضات
المتتالية والقضاء علىٰ حركات الجهاد المسلح في مهدها، ومن يراجع سجلات القضية
يكتشف بسهولة أن التاريخ اليوم يعيد نفسه، فمنذ عام 1921م –حين انتفض أهل فلسطين
لأول مرة ضد مخططات بريطانيا لتمكين اليهود من فلسطين– وحتى اليوم شهدت الساحة
الفلسطينية تشكيل لجان عديدة ضحك بها الاستعمار الإنجليزي علىٰ العرب، وأوهمهم
أنها لتحقيق السلام وإحقاق الحقوق الفلسطينية، ومن هذه اللجان: لجنة «هيكرافت»،
ولجنة «والترشو» ولجنة « جون كامبل»، ولجنة «بيل»، وكلها شهدت في تقاريرها بمدىٰ
الظلم والإجحاف الذي حاق بالعرب في فلسطين، ولكن نتائجها كانت صفرًا، وثبت أنها
شكلت لتخدير الشعوب العربية وإطفاء الانتفاضة المشتعلة على أرض فلسطين، وللأسف
الشديد فإن أطرافًا عربية رسمية كانت أدوات طيعة في أيدي بريطانيا لإخماد هذه
الانتفاضات المتتالية وخذلان الحق الفلسطيني.
النكبة الفلسطينية وقوى الاستعمار
ومنذ بدايات النكبة الفلسطينية وقوىٰ
الاستعمار تنظر إلىٰ مقاومة شعبنا الفلسطيني للدفاع عن حقوقه علىٰ أنها إرهاب
ووحشية.
وليس أدل علىٰ ذلك من قول المندوب السامي
البريطاني في فلسطين عام 1929 في بيان رسمي يصف فيه الانتفاضة: «راعني ما علمته من
الأعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الأشرار سفاكي الدماء عديمي الرأفة،
وأعمال القتل التي ارتكبت في أفراد من الشعب اليهودي، إن هذه الجرائم أنزلت على
فاعليها لعنات الشعوب المتمدنة في أنحاء العالم قاطبة»! (محاضرات في تاريخ قضية
فلسطين، ص 223)
فهل اختلفت نظرة استعمار الأمس عن نظرة
الاستعمار اليوم؟!
الحروب الصليبية التي تقطر حقدًا وسُمًا علىٰ العرب والمسلمين
إنها نظرة واحدة مشبعة بروح الحروب الصليبية التي تقطر حقدًا وسُمًا علىٰ العرب والمسلمين والإسلام، وترىٰ من منظارها
الأعور الأسود الشعب الضحية الذي احتلت أرضه وخربت دياره وشرد في بلاد الدنيا،
تراه مجرمًا إرهابيًا سفاحًا لمجرد أنه يطالب بوطنه، بينما ترى المجرم المحتل سفاك
الدماء من أهل السلام!
إن المسلمين اليوم حكامًا وشعوبًا
مطالبون بأن يعوا دروس التاريخ، ويدركوا ما يبيت لهم وما يحاك ضدهم من مكائد
ومخططات ماكرة لجرهم خطوة خطوة إلى التنازل عن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى،
فعليهم أن يحذروا من ابتلاع الطُّعم، وأن ينفضوا الخوف والذل عن كاهلهم ويرصوا
صفوفهم إلى صفوف المجاهدين الذي نذروا أنفسهم –دون رجعة– لتحرير فلسطين من النهر
إلى البحر، واسترداد القدس والمسجد الأقصى.
وليعلم الجميع أن الله لن يخذل جنده، وأن
الغلبة لله ولرسوله والمؤمنين؛ (كَتَبَ
اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:
21)، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر: 51)(1).
للمزيد:
- القدس ستبقى همنا الأكبر مهما كثرت
المشكلات
- محاولة
لفهم الجذور الثقافية للتأييد الأمريكي المطلق لـ«إسرائيل»
- المعايير
النسبية لربانية التعليم
- الأسبوع الدراسي الأول.. والتحديات الجديدة
- رسالة وزير التربية إلى نظَّار المدارس في
الكويت
- لقاءات «المجتمع» مع الأستاذ خالد المذكور
المعيد بجامعة الكويت
- وزارة التربية تعلن مسؤولياتها في مطلع هذا
العام الجديد
- التنشئة العلمية للطفل المسلم ضرورة عصرية
- مناهج التربية الدينية.. بين الواقع
والمأمول
________________
(1) نُشر بالعدد (1555)، 14 ربيع
الآخر1424هـ/ 14 يونيو 2003م، ص9.