مسلمون خلف الذاكرة (9)

الأقلية المسلمة في تايوان.. تجربة الطعام الحلال والدور الاجتماعي للمساجد

تعد تجربة تايوان في التعامل مع الأقلية المسلمة التي تعيش على أرضها ومع باقي الأقليات تجربة فريدة، فهي من البلدان القلائل التي تكفل حقوق المواطنة والعيش الآمن للأقليات ومنها الأقلية المسلمة، بل تبادر الحكومة بتحفيزات دائمة للمسلمين على المشاركة بحرية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأتاحت لهم الفرصة كاملة لتأسيس جمعيات ومؤسسات رسمية تمثلهم وترعى مصالحهم مثل «الرابطة الإسلامية الصينية»، وأصبح منهم أعضاء في البرلمان، وباتوا يمتلكون مؤسسات اجتماعية وتعليمية واقتصادية، ويتمتعون بحرية العبادة وممارسة النشاط الإسلامي في مساجدهم، وثقافياً.

ونظراً لعدم وجود أي تعليم إسلامي أو ديني رسمي في تايوان، يقتصر التعليم الديني على الدروس الدينية في المساجد، والدورات الصيفية التي تنظمها بعض الجمعيات الإسلامية، وأبرزها الرابطة الإسلامية الصينية في عطلات نهاية الأسبوع، ويتم في هذه الدورات أيضاً تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم والحديث الشريف والشريعة بناء على طلب من الوالدين.

تايوان تكفل حقوق المواطنة والعيش الآمن للأقليات ومنها الأقلية المسلمة

وقد سمحت الحكومة لقسم اللغة والثقافة العربية داخل جامعة تشينغتشي الوطنية بالاستقلالية، أُسوة بأقسام اللغات والثقافات الشرقية بالجامعة، ويمتلك القسم اتصالات مع جامعات عربية؛ مثل جامعة الكويت، والجامعة الأردنية، وجامعة الملك سعود، وقد أتاحت جامعة تشينغتشي الوطنية الفرصة للطلاب الوافدين لدراسة علوم السياسة والاقتصاد.

وتقوم الرابطة الإسلامية الصينية بإرسال طلاب مسلمين تايوانيين إلى الخارج لتلقي تعليم إسلامي رسمي، وتنفذ خطة لـ«تعليم المعلمين العلمانيين» بعض العلوم الإسلامية، وينظم مكتب التعليم في حكومة مدينة تايبيه دورات إسلامية لمعلمي وطلاب المدارس الابتدائية والثانوية خلال العطلة الصيفية.

وتقوم الرابطة الإسلامية الصينية وغيرها من المؤسسات بنشاط واسع لدعم الجهود الرامية للحفاظ على العقيدة الإسلامية، بإرسال طلاب مسلمين تايوانيين إلى الخارج لتلقي تعليم إسلامي، وتم وضع خطة لـ«تعليم المعلمين العلمانيين» العلوم الإسلامية، وينظم مكتب التعليم في حكومة مدينة تايبيه دورات إسلامية لطلاب المراحل الابتدائية والثانوية خلال العطلة الصيفية للمعلمين، وتقدم هذه الدورات معلومات إسلامية صحيحة ووفيرة لمعلمي المدارس العامة؛ وذلك للحد من ظاهرة القوالب النمطية الإسلامية.

مجتمعات الطلاب المسلمين

تضم جامعة تشونغ هوا في مدينة سين شو نادياً للطلاب المسلمين يسمى «جمعية الإسلام والثقافة»، وقد تأسس هذا النادي في 6 يناير 2010م؛ ويهدف إلى جمع الطلاب المسلمين في جامعة تشونغ هوا، وتقديم الإسلام والثقافة الإسلامية للأصدقاء التايوانيين في الحرم الجامعي.

كما تضم جامعة تشنغ كونغ الوطنية في تاينان نادياً للطلاب المسلمين يسمى «اتحاد الطلاب المسلمين الدولي» الذي تأسس في 15 نوفمبر 2012م؛ بهدف تقديم معلومات عن الإسلام والحياة اليومية للمسلمين.

ويوجد في الجامعة الوطنية تشياو تونغ في مدينة سين شو نادٍ للطلاب المسلمين يسمى «نادي الطلاب المسلمين»، وقد تم إنشاؤه لتمكين الطلاب المسلمين من ثقافات متنوعة عبر الالتقاء وتبادل الأفكار والقيام بأنشطة مختلفة، ويقوم النادي بتعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية أسبوعياً.

التعليم الإسلامي يقتصر على الدروس الدينية في المساجد والدورات الصيفية

أما جامعة تايوان الوطنية للعلوم والتكنولوجيا في العاصمة تايبيه، فتضم نادياً للطلاب المسلمين يسمى «جمعية الطلاب المسلمين الدولية»، وقد تأسس النادي في 22 مايو 2012م، وقبل إنشاء هذا النادي، نظم طلاب الجامعة المسلمون المعرض الدولي للثقافة الإسلامية في نوفمبر 2011م الذي يهتم بالعلوم والتكنولوجيا الإسلامية، والأحداث الإسلامية، والتاريخ الإسلامي في تايوان، والمرأة في الإسلام، وحياة المسلم اليومية، ويعمل على زيادة التفاهم بين الثقافات المختلفة لتحقيق السلام والوئام، وقد استمر النادي في عقد هذا الحدث سنوياً.

تجربة الطعام الحلال

ولحرص المسلمين في تايوان على تناول الطعام الحلال، أولت الحكومة أهمية لتنفيذ مشروع كبير لإعداد هذا الطعام الحلال بكل أنواعه بدقة وتقديمه تحت إشراف متخصصين، وتُدخل الحكومة على هذه الخدمة تحسينات مستمرة، كما أنشأت مطاعم خاصة ومعروفة لتقديمه، حتى في داخل الجامعات.

ودعماً لهذه التجربة وترويجاً لها، نظمت تايوان أول معرض للطعام الحلال عام 2013م في قاعة تايبيه للمعارض بالعاصمة التي يعيش فيها 40% من المسلمين، وذلك تحت عنوان «معرض تايوان الدولي للحلال 2013م».

وهناك نوعان من الشهادات الحلال توضح نوع المطعم أو المنفذ الذي يقدمه وتبعيته:

1- «شهادة حلال» للمطاعم التي يمتلكها مسلمون.

2- «شهادة حلال» للمطاعم التي يمتلكها غير المسلمين.

وقد أنشأت بعض الجامعات، مثل جامعة تايوان الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، وجامعة يوانبي للتكنولوجيا الطبية، كافتيريا في حرمها الجامعي لتقديم الأطعمة الحلال لطلابها.

وساعد الوجود المتزايد للعمال الإندونيسيين المسلمين في تايوان على إنشاء المزيد من هذه المطاعم التي تقدم أيضاً المأكولات الإندونيسية.

وفي ثكنات الجيش، يتم تسليم المسلمين الذين يخدمون في القوات المسلحة أوانيَ يطبخون فيها لأنفسهم طعامهم.

صوم رمضان وعيد الفطر

ويحظى احتفال المسلمين بشهر رمضان وبعيد الفطر المبارك باهتمام كبير من السلطات الرسمية ووسائل الإعلام المحلية، وقد فتحت حكومة مدينة تايبيه مكانين رئيسين لاحتفال المسلمين بالعيد؛ أحدهما في حديقة «دان فورست» التي جاء اختيارها بسبب وقوعها بجوار مسجد تايبيه الكبير حيث يتم أداء صلاة العيد.

الحكومة تُولي أهمية لتنفيذ مشروع كبير لإعداد الطعام الحلال بكل أنواعه للمسلمين

ويحرص المسؤولون الكبار على مشاركة المسلمين الاحتفال بعيدهم، كما يحرص عمدة العاصمة تايبيه على الحضور إلى «مسجد تايبيه» وتوجيه كلمة لمسلمي البلاد والمسلمين الوافدين للعمالة في تايوان من الدول المجاورة التي يشكل الإندونيسيون بينهم عدداً كبيراً يتراوح بين 20 ألفاً – 36 ألف عامل إندونيسي، يساهمون بقسط كبير في عمليات البناء وتسيير الحياة اليومية في البلاد، كما يساهم بعضهم في الأعمال المنزلية في المدينة.

الدور الاجتماعي للمساجد

تحرص المساجد في تايوان على المساهمة في حل مشكلات المسلمين الاجتماعية والاقتصادية، وتحتوى المساجد على صناديق لجمع التبرعات والزكاة لهذا الغرض، ومن خلالها يهتم المسلمون القريبون من المساجد بمساعدة العمال الأجانب المحتجزين في مراكز الاحتجاز لقضاء احتياجاتهم وإنجاز أوراقهم الخاصة باستخراج تأشيرة العمل، كما يزور بعض المسلمين التايوانيين المسنين والمرضى والفقراء وتقديم يد العون لهم، وغني عن البيان، يشهد مسجد «تايبيه الكبير» معظم حفلات الزفاف الإسلامية التايوانية.

موسم الحج

كان أول وفد أرسلته تايوان لأداء فريضة الحج عام 1925م، وبعد انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949م واصلت تايوان تسهيل سفر الحجيج لأداء الفريضة التي يحرص المسلمون على أدائها كثيراً حتى باتت نسبة من أدى الفريضة بين 40-50%.

احتفال المسلمين بشهر رمضان وعيد الفطر يحظى باهتمام من السلطات الرسمية

وتحرص تايوان على إرسال وفد رسمي من المسلمين للحج تحت إشراف الرئاسة، وتقدم لهم الرعاية خلال الرحلة، كما تنظم حفل استقبال لهم عند عودتهم، وغالباً ما يتحدث الرئيس إليهم مرحباً بهم، ففي حفل الاستقبال الذي تم في يوليو 2024م، أعرب الرئيس الجديد لاي تشينغ دي خلال استقباله لبعثة الحج عن أمله في أن يستفيد المسلمون في جميع أنحاء العالم من تجربة تعامل تايوان مع المسلمين، مؤكدًا أن الإسلام أثرى التنوع الثقافي في تايوان على الرغم من كونه دين أقلية في البلاد.

تحديات كبيرة

وعلى الرغم من حقيقة أن تايوان مجتمع يتمتع بحرية الأديان والتسامح الشديد، ويحظى الإسلام والمسلمون في تايوان باحترام لمشاعرهم، ما زال يُنظر للإسلام -بشكل عام- على أنه غريب عن الثقافة الصينية التقليدية من قبل عموم الشعب التايواني، ويجد المسلمون في بيئة العمل ونظام الحياة السريع صعوبة في ممارسة أركان الإسلام الخمسة، وخاصة الصلاة، إذ لا يستطيع العديد منهم حضور صلاة الجمعة في المساجد؛ لأن عطلة نهاية الأسبوع تقع يومي السبت والأحد؛ وهذا يعني أن الكثير من المسلمين لا يستطيعون حضور خطبة وصلاة الجمعة كواحدة من أهم شعائر الإسلام.

هذا، إضافة الى إشكالية جديدة تتمثل في أن العديد من الأجيال الشابة تفضل قضاء وقت فراغهم المحدود في الحانات والنوادي الليلية والمقاهي؛ بسبب قناعة سائدة لديهم مفادها أن الالتزام بالدين لا يحقق ربحاً؛ لأن مقياس النجاح في الثقافة الصينية يُعرّف بالثراء والمكانة، وذلك مرجعه إلى ضعف المعرفة بمعالم الإسلام؛ ولذلك، فإن معدل اعتناق الإسلام يعد منخفضاً نسبياً؛ لأن معظم المسلمين التايوانيين ليسوا نشطاء في الدعوة لدينهم مثلما يفعل أتباع الأديان الأخرى.

ما زال يُنظر للإسلام على أنه غريب عن الثقافة الصينية التقليدية من قبل التايوانيين

ومن المهم الإشارة إلى أن اعتناق بعض التايوانيين للإسلام يرجع إما لزواجهم من مسلمات، أو لتأثر بعضهم ببعض القيادات المسلمة، أو بسبب القراءة عن الإسلام، ويقدر مسجد «تايبيه الكبير» معدل اعتناق التايوانيين السنوي للإسلام بـ100 شخص، بينما يقدره مسجد «تايبيه الثقافي» بـ50 شخصاً.

مقابر المسلمين

ويواجه المسلمون صعوبات كبيرة في العثور على مكان لدفن موتاهم وفقاً للشريعة الإسلامية؛ لأن الحصول على الأرض المخصصة للدفن في تايوان مكلف للغاية، ولذلك يسمح بالدفن في البحر إذا تعذر الوصول إلى الأرض في غضون 72 ساعة، وهي مدة طويلة؛ لأن الهدي الإسلامي يوصي بالإسراع في دفن الميت، وذلك خلاف إجراءات دفن الموتى التايوانيين التي غالباً ما تستغرق أسابيع أو شهوراً بعد وفاة الشخص.

ولا شك أن الدور الذي تقوم به المنظمات الإسلامية هناك (10 منظمات) يحل كثيراً من المشكلات التي تواجه المسلمين، كما أن اهتمام رئيس الدولة والحكومة بالتواصل مع المسلمين في المناسبات الإسلامية الكبرى وتشجيعهم على التمسك بدينهم، وتأكيدهم أن دين أي أقلية في تايوان محترم ويتمتع بحماية كاملة بموجب القانون، كما أن اهتمام الحكومة بتحقيق السلام والعدالة ومساعدة الضعفاء والفقراء وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والعمل الجاد.. كل ذلك يحقق الوئام الديني ويشعر الجميع بالاطمئنان في العيش في وطن آمن.

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة