مسلمون خلف الذاكرة (8)

مسلمو تايوان.. قصة فريدة لأقلية مسلمة تعيش بسلام وحرية

تايوان وصلها الإسلام في القرن الـ17 الميلادي، ومسلموها نحو 250 ألفاً، يعيشون بين 23 مليون نسمة دون اضطهاد، فهذه تجربة فريدة لحياة واحدة من الأقليات المسلمة التي تعيش في تايوان بين أغلبية من الديانات الأخرى، دون التنكيل بأبنائها أو الانتقاص من حقوقهم؛ فصارت نموذجاً فريداً.

وقد جاء اسم تايوان نسبة لأكبر جزرها التي تتكون أراضيها من جزيرة تايوان وعدد آخر من الجزر الصغيرة المجاورة، وتسمى تايوان أيضاً بـ«جمهورية الصين» وهي غير «جمهورية الصين الشعبية» القريبة منها.

وقد وصلها الإسلام في القرن السابع عشر الميلادي عندما انتقل عدد من العائلات المسلمة من مقاطعة فوجيان الساحلية جنوبي الصين الشعبية برفقة القائد كوسينغيا في حملة على تايوان لإخراج الهولنديين من جنوب مدينة تاينان عام 1661م، وأنشأ مملكة تونغنينغ في تايوان، ويعتقد أن هؤلاء هم أول المستوطنين المسلمين في الجزيرة، لكن أحفادهم اندمجوا في المجتمع التايواني وتبنوا العادات والأديان المحلية.

مسلمو تايوان ينحدرون من المسلمين الصينيين وهم من أهل السُّنة والجماعة ومعظمهم على المذهب الحنفي

ووفقاً للأستاذ ليان يا تانج، في كتابه «تاريخ تايوان» الصادر عام 1918م، كان هناك عدد قليل من المسلمين في الجزيرة معظمهم من مقاطعات أخرى في البر الرئيس أو البر الصيني الخاضع للصين الشعبية، منذ 1 أكتوبر 1949م، ولم يكن هناك انتشار للإسلام في ذلك الوقت، كما لم تكُن هناك مساجد، فقد تم القضاء نهائياً على آثار أول هجرة للمسلمين إلى تايوان خلال الحكم الاستعماري الياباني لتايوان (1895 - 1945م)، حيث منعت الحكومة اليابانية التايوانيين من ممارسة الإسلام باعتباره –في عرف الحكومة اليابانية- ديناً أجنبياً محظوراً؛ ما اضطر السكان المسلمين المحليين إلى ممارسة دينهم سراً.

وغني عن البيان، فقد حظرت اليابان في ذلك الوقت جميع الأديان التي تعتبرها أجنبية، ولهذا كان آخر إمام مسلم يصل إلى تايوان من البر الرئيس للصين الشعبية عام 1922م، وبعد تسليم تايوان من اليابان إلى جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر 1945م، استُؤنِف تقليد إرسال الأئمة من البر الرئيس للصين مرة أخرى في عام 1948م، لكن بعد إعلان ماو تسي تونغ رئيس الحزب الشيوعي الصيني في 1 أكتوبر 1949م لم يتم إرسال أئمة، بل تمت القطيعة مع الإسلام تماماً.

أصول مسلمي تايوان

ينحدرُ المسلمون التايوانيون -في الغالب- من المسلمين الصينيين (الشعبية) وهم من أهل السُّنة والجماعة، وينتمي معظمهم إلى المذهب الحنفي، ولا يواجهون عملياً أي اختلافات مذهبية التي تنحصر في الفروع ولا يوجد صراع مذهبي يُذكر هناك.

يتمتع المسلمون في تايوان بحرية كاملة، مثل باقي أتباع الديانات الأخرى، حيث تتميز البلاد بضمان حرية الاعتقاد الديني وتحرص الحكومة على ذلك، ولهذا يتمتع المسلمون بحقوق المواطنة كاملة؛ وهو ما جعل منهم نواباً في المجالس التشريعية ووزراء، وذلك بعكس الصين الشعبية وتركستان الشرقية التي يعيش المسلمون فيها تحت ظروف بالغة القسوة من سجن وقتل وتهجير ومحاولات مستمرة لخلعهم من الإسلام.

يتمتع المسلمون بتايوان بحرية كاملة وحقوق المواطنة حيث تتميز البلاد بضمان حرية الاعتقاد الديني

واليوم، تعد غالبية المسلمين التايوانيين من الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً، ومعظمهم من النساء، اللاتي تزوجْنَ من مسلمي الصين الشعبية، ويوجد اليوم حوالي 60 ألف مسلم تايواني بنسبة حوالي 0.3% من التعداد الكلي للسكان البالغ 23.4 مليون نسمة.

وهناك حوالي 150 ألف عامل إندونيسي مسلم يعملون بالمدن الصناعية، ومسلمون آخرون وفدوا من ماليزيا وبروناي والفلبين وباكستان والهند وسريلانكا وتايلاند والفلبين، بالإضافة إلى جنسيات أخرى من أكثر من 30 دولة، وقد ساهم هذا العدد الكبير الذي يساوي 4 أضعاف تعداد سكانها الأصليين، في ارتفاع التعداد الكلي للمسلمين لما يقرب من 250 ألف مسلم.

وينتمي المسلمون التايوانيون إلى عرقيات متعددة، فحوالي 90% منهم تنتمي إلى مجموعة «هوا» العرقية، بالإضافة إلى الأتراك والإيغور والكازاخ، إلى جانب عدد آخر من الصينيين.

وينمو الإسلام في تايوان ببطء بسبب انخفاض نسبة المواليد السنوية، فتايوان من الجمهوريات القلائل في العالم التي تعاني من انخفاض في نسبة المواليد السنوية، إذ يبلغ عدد سكانها وفقاً للبيانات الرسمية حتى نهاية عام 2024م حوالي 23.4 مليون نسمة، بانخفاض قدره 20222 نسمة مقارنة بنهاية عام 2023م، ويعد هذا الانخفاض في السكان هو الانخفاض السنوي التاسع على التوالي منذ عام 2016م وهو أدنى رقم منذ بدء تسجيل عدد المواليد.

وينحدر قرابة 85% من سكانها من أصول «هان»، ويعتنق معظمهم مزيجاً من البوذية والطاوية مع رؤية كونية كونفوشية عادة، ويسمى هذا المزيج الدين الشعبي الصيني.

هجرات المسلمين إلى تايوان

وقد استقبلت تايوان 4 موجات هجرة من مسلمي دول الجوار بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في بلادهم، وحظي المهاجرون باستقبال جيد، وقدرت الرابطة الإسلامية الصينية عدد المسلمين الذين وصلوا إليها من موجة الهجرة الأولى بحوالي 20 ألف شخص، وقد اندمجوا في المجتمع الذي تعامل معهم بإيجابية، والتحقوا بمؤسساته التي فتحت أبوابها لهم، حتى مؤسسة الجيش، ومنهم من أصبحوا جنرالات، ولكن ضعفت صلتهم بالإسلام في الأرض الجديدة، فعلى الرغم من جهود الرابطة الإسلامية الصينية -أكبر منظمة إسلامية في تايوان- لإحياء الإسلام بينهم، فإن معظمهم توقف عن ممارسة الشعائر الإسلامية في حياتهم اليومية.

تايوان استقبلت 4 موجات هجرة من مسلمي دول الجوار بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في بلادهم

ووصلت الموجة الثانية من المهاجرين المسلمين من الصين الشعبية إلى تايوان خلال الحرب الأهلية الصينية التي اندلعت في منتصف القرن العشرين، إذ فرت حوالي 20 ألف أسرة عام 1949م تحت قيادة الجنرال باي تشونغسي الذي ترأس الرابطة الإسلامية الصينية عند تأسيسها داخل تايوان، وذلك بعد انتقالها من أراضي الصين الشعبية إلى تايوان، وقد ضمت هذه الهجرة جنوداً وموظفين حكوميين، جاؤوا من المناطق الجنوبية والغربية من الصين الشعبية التي كان الإسلام فيها قوياً.

وقد أسس أول المستوطنين المسلمين القادمين من الصين الشعبية أول مسجد في تايوان عام 1947م، وهو مسجد تايبيه الكبير، ويرمز هذا المسجد إلى اللفتة الوديّة من حكومة تايوان نحو الإسلام والمسلمين، ويُعِد المركز معظم الأنشطة والاحتفالات الكبرى للمسلمين، ويدار من قبل الرابطة الإسلامية الصينية، وتم بناء مسجد العاصمة الثالث بالتعاون مع الحكومة التركية، وقد أسهم السماح ببناء هذه المساجد في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين تايوان وأصدقائها من الدول الإسلامية، وتطورت الأنشطة الدبلوماسية بين الطرفين بشكل كبير وزاد التبادل التجاري بشكل ملحوظ.

وقد أدت هذه الموجة الثانية من هجرة المسلمين إلى إنشاء مساجد أخرى في البلاد، مثل مسجد «كاوهسيونغ» في عام 1949م في كاوهسيونغ، ومسجد «تايبيه الثقافي» الذي تم إنشاؤه في عام 1950م في تايبيه، إضافة إلى مسجد «تايبيه الكبير»، وعام 1951م تم إنشاء مسجد «تاي شانغ» في مدينة تاي شانغ.

وبمرور السنين، تزايد بناء المساجد حتى وصلت إلى 11 مسجداً؛ 3 منها موجودة في العاصمة تايبيه، ومع مرور الوقت يتم بناء مساجد جديدة كلما دعت الحاجة، خاصة أن الدولة تسمح بحرية بناء المساجد في إطار سماحها بحرية الأديان دون تدخل أتباع أي دين في شؤون الدين الآخر، وإلى جانب المساجد، هناك العديد من غرف الصلاة الصغيرة التي توجد عادة في المطارات ومحطات القطار، وغيرها.

أسس أول المستوطنين المسلمين القادمين من الصين مسجد «تايبيه الكبير» الأول في تايوان عام 1947م

وخلال خمسينيات القرن العشرين، كان الاتصال بين المسلمين والصينيين «الهان» (أكبر مجموعة عرقية في الصين الشعبية) محدوداً بسبب الاختلافات في العادات، وكان المسلمون يعتمدون بشكل كبير على بعضهم من خلال الجالية الإسلامية، وبحلول ستينيات القرن العشرين، وعندما أدرك المسلمون أن العودة إلى الصين الشعبية ستكون غير محتملة وليس هناك حاجة ملحة إليها، أصبح الاتصال بالصينيين «الهان» أكثر.

إجلاء  القوات غير النظامية من بورما إلى تايوان

أما الموجة الثالثة، فقد حدثت عام 1953م بناء على قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة تدخل جمهورية الصين الشعبية في بورما، وحثها جميع الدول على احترام سيادة بورما وسلامتها الإقليمية، وكان من نتائجه اتفاق تايوان وتايلاند وبورما على إجلاء جميع القوات غير النظامية من بورما إلى تايوان، وقام الطيران المدني بنقل 5883 جندياً و1040 مدنياً، وتسمى هذه الموجة الثالثة من هجرة المسلمين من الصين الشعبية إلى تايوان.

كانت غالبية هذه القوات مسلمة، ولم يكن لديها مكان للعبادة في موطنها الجديد (تايوان)؛ لذلك بدؤوا عام 1964م في بناء مسجد لونغانغ في مدينة زونغلي، الذي اكتمل بناؤه بعد 3 سنوات (عام 1967م)، وعاشت حوالي 200 عائلة مسلمة في هذه المنطقة ومعظمها ينتمي إلى عشائر عائلة واحدة.

خلال تلك الفترات، شغل عدد قليل من القادة المسلمين مقاعد في مجلس «اليوان» التشريعي الوطني، وكان هناك مسلمون يعملون ضباطاً في القوات المسلحة، ووصل بعضهم لرتبة الفريق مثل ما تشينغ شيانغ الذي أصبح أحد كبار مستشاري الرئيس، كما شغل المسلمون مناصب مهمة في السلك الدبلوماسي، مثل سفير جمهورية تايوان لدى الكويت وانغ شي مينج.

وفي الموجة الرابعة، منذ ثمانينيات القرن العشرين، هاجر إلى تايوان آلاف المسلمين من ميانمار (بورما) وتايلاند التي تحكمها حكومة بوذية متطرفة ضد المسلمين وذلك بحثاً عن حياة أفضل، والمهاجرون المسلمون الجدد هم من نسل الجنود الوطنيين الذين فروا من الصين الشعبية عندما استولى الشيوعيون على الحكم هناك، ويمثل هؤلاء الهجرة الرابعة من المسلمين، وقد استقر العديد منهم في مدينة تايبيه الجديدة، وذهب بعضهم إلى منطقة دايوان بمدينة تاويون.


كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة