مخططات تقسيم «الأقصى».. من الفكرة إلى التنفيذ

علي إبراهيم

17 أغسطس 2025

301

لا تتوقف الاعتداءات «الإسرائيلية» بحق المسجد الأقصى ومكوناته البشرية، وتتنوع هذه الاعتداءات من اقتحام المسجد بشكل شبه يومي، مروراً بأداء الطقوس اليهوديّة العلنية داخل ساحاته، واستهداف العنصر البشري الإسلامي من مصلين ومرابطين، وصولاً إلى الحفريات أسفل المسجد وفي محيطه، وتهويد محيطه.

واستطاعت أذرع الاحتلال تحويل هذه الاعتداءات إلى واقع ثابت، تسعى من خلاله سلطات الاحتلال إلى تقسيم «الأقصى» واقتطاع أجزاء منه، لتخصيصها للمستوطنين وطقوسهم.

ونحاول في هذا المقال استعراض أبرز مخططات تقسيم المسجد الأقصى، ومسار تطورها من الفكرة إلى التنفيذ.

التقسيم الزماني

ثبت الاحتلال أوقاتاً بعينها لاقتحام المستوطنين باحات المسجد خلال السنوات الماضية، من الساعة 7:30 حتى الساعة 11:00 صباحاً، ومن الساعة 1:30 حتى الساعة 2:30 ظهراً، وتضيف أذرع الاحتلال ساعة مع بداية استخدام التوقيت الصيفي، وتحاول أذرع الاحتلال منع المسلمين من الدخول للمسجد في هذه الأوقات وجعلها حصرية لليهود، وتسمح للمستوطنين بأداء طقوسهم العلنية في ساحات المسجد.

وقد تضمنت المخططات الأولى لتقسيم «الأقصى» زمانياً، أن يتم تخصيص أوقات خاصة للمسلمين، على ألّا تشهد مناسبات المسلمين وأعيادهم أي اقتحامات.

الاحتلال ثبت أوقاتاً بعينها لاقتحام المستوطنين باحات المسجد خلال السنوات الماضية

وبدأت أولى خطوات التقسيم الزماني في عام 1996م، حيث أعلنت «لجنة الحاخامات في يهودا والسامرا»، التي أصبحت تُعرف لاحقاً بـ«السنهدرين الجديد»، أنها تسمح لليهود وتشجعهم على الصعود إلى «المعبد»، ضمن شروط محددة، وفي عام 2003م سمحت شرطة الاحتلال باقتحام الأفراد اليهود للمسجد بموجب حكم قضائي من محكمة «إسرائيلية»، وفي عام 2005م سمح الاحتلال بدخول المستوطنين ضمن مجموعات بموجب قرار قضائي آخر.

ولكن التطور الأخطر جرى مع بداية عام 2012م، حيث طُرح قانون في «الكنيست» لتقسيم المسجد بواقع 9 ساعات للمسلمين، و9 ساعات لليهود، وتقسيم أيام الأعياد الدينية بالتساوي بين الطرفين، وعلى الرغم من عدم إقرار القانون، فإنه أوضح نيات الاحتلال الحقيقية، وأن مخططات تقسيم الأقصى يُشرف عليها المستوى السياسي «الإسرائيلي».

وقد أسهم تصاعد حضور «الصهيونية الدينية» في الحياة السياسية «الإسرائيلية» على حجم العدوان على «الأقصى»، وانعكاسات هذا الحضور على المخططات الرامية إلى تقسيم المسجد، ففي عام 2015م شهد «الأقصى» محاولات لتحقيق التقسيم الزماني التام، من خلال حظر الرباط في المسجد، وإغلاق مؤسسات الحركة الإسلامية الجناح الشمالي، في سياق ضرب المكون البشري الإسلامي، ولكن هذه المحاولات اصطدمت بـ«هبة السكاكين» في عام 2015م، وعلى أثر ثبات المرابطين وعدم قدرة أذرع الاحتلال على تحقيق التقسيم الزماني بصورته السابقة، بدأت هذه الأذرع بالتحضير لمخطط جديد يستهدف المسجد وقدسيته.

التقسيم المكاني

بالتوازي مع التقسيم الزماني، سعت أذرع الاحتلال إلى تحديد مساحات خاصة من «الأقصى» لليهود، يؤدون فيها طقوسهم، ويبنون عليها كنيساً لاحقاً، وقد أظهرت جملة من مخططات الاحتلال نية مسبقة لتقسيم «الأقصى»، خاصة إصرار أذرعه المختلفة على التعامل مع ساحات المسجد على أنها ساحات فارغة أو عامة.

.. وحدد مساحات خاصة بـ«الأقصى» لليهود يؤدون فيها طقوسهم ويبنون عليها كنيساً لاحقاً

ففي عام 2004م نُشر «مخطط 2020»، وتعامل مع ساحات «الأقصى» على أنها ساحات عامة وليست جزءاً من المسجد الأقصى، وفي عام 2005م قدمت بلدية الاحتلال خريطة الأماكن المقدسة في البلدة القديمة، قصرت فيها الأماكن المقدسة الإسلامية في «الأقصى» على المصلى القبلي، وقبة الصخرة فقط، وأبقت بقية ساحات المسجد كأنها منطقة أثرية مفتوحة للجميع، وفي يونيو 2012م، سمح الاحتلال لمؤسساته التخطيطية بالشروع في تنفيذ مخططات هيكلية، تقضي بتهويد تخوم «الأقصى» وساحة البراق، عبر إقامة مراكز تهويدية وكنس وحدائق توراتية، في إشارة إلى تهيئة محيط «الأقصى» إلى تقسيم المسجد.

ومنذ عام 2019م، يُشير سلوك منظمات الاحتلال المتطرفة إلى أن هناك استهدافاً ممنهجاً للساحات الشرقية من المسجد الأقصى، وخاصة مصلى الرحمة ومحيطه، وتجلى ذلك من خلال إفراغ هذه الساحات من المرابطين، وخاصة بالتزامن مع الاقتحامات، وحرْص مقتحمي «الأقصى» من المستوطنين على أداء الطقوس اليهوديّة العلنية في هذه المنطقة، ومحيط مصلى الرحمة، ويمكن تسليط الضوء على اعتداءات أخرى تدلل على استهداف أذرع الاحتلال لهذا الجزء من المسجد:

- أخذ قياسات للباب عدة مرات من داخل «الأقصى» ومن خارجه، بالتزامن مع الأحداث والتطورات المختلفة الذي شهدها المسجد.

- محاولة إبقاء مصلى باب الرحمة مغلقاً.

- استهداف مقبرة الرحمة، واقتطاع أجزاء منها لإقامة «حدائق توراتية».

- منع إزالة الركام من المساحات المحيطة بالمصلى.

- اقتحام المصلى بشكل متكرر، وتخريب محتوياته، وإفراغ ما فيه.

- تخريب شبكات الكهرباء والصوت في المصلى أكثر من مرة.

التأسيس المعنوي للمعبد

ارتكزت إستراتيجيات الاحتلال على مخططي التقسيم الزماني والمكاني لـ«الأقصى» زمناً طويلاً، ولكن هذه المخططات تعرقلت بالصمود الفلسطيني في المسجد، والهبات الفلسطينية المتعاقبة وخاصة تلك التي اندلعت منذ عام 2015م، وقد تزامنت هذه المراوحة من قبل الاحتلال مع صعود تيار الصهيونية الدينيّة وما أفرزته الانتخابات «الإسرائيليّة»، من حضور متزايد لهذا اليمين في الحكومة «الإسرائيلية»، وفي الميدان السياسي بشكل عام، ويُعدّ هذا التيار أبرز التيارات الداعمة للمنظمات المتطرفة، وفرض الوجود اليهودي في «الأقصى».

المنظمات المتطرفة تفرض الطقوس العلنية داخل «الأقصى» في محاولة لنزع القدسية الإسلامية

وقد سعت الصهيونية الدينية إلى تحقيق المزيد من الإحلال الديني في «الأقصى»، وتحويل وجود المستوطنين في المسجد، من وجود مؤقت إلى وجود دائم، يستوعب طقوس المستوطنين وعباداتهم، بالتزامن مع تصاعد حجم «منظمات المعبد» ودورها، فلجأ هذا التيار بالتعاون مع «منظمات المعبد» إلى وضع إستراتيجية تقضي بتحويل المسجد الأقصى من خانة المقدس الإسلامي الخالص، إلى خانة المقدس المشترك بين المسلمين واليهود، وهي خطوة مرحلية تمهد الطريق إلى تحويل المسجد الأقصى -في الوقت المناسب- إلى مقدس يهوديّ خالص.

وعلى أثر عرقلة التقسيم الزماني من خلال «هبة السكاكين» في عام 2015م، وما تلاها من هبات، وعرقلة التقسيم المكاني من خلال «هبة باب الرحمة» في عام 2019م، توجهت هذه المنظمات المتطرفة نحو فكرة «فرض الطقوس العلنية داخل الأقصى»، والمضي قدماً في محاولات الاحتلال نزع القدسية الإسلامية عن المسجد، واستهداف الحصرية الإسلامية.

لم تكن فكرة أداء الطقوس في «الأقصى» أمراً جديداً؛ إذ تعود هذه القضية إلى سنوات عدة، ولكنها شهدت جملة من التطورات، فمن أدائها بشكل منفرد وصامت من قبل أعداد قليلة من المستوطنين، إلى أدائها علنياً وبصوت مرتفع، وبمشاركة حاخامات الاحتلال.

وبالتوازي مع هذه التطورات، شهدت السنوات الماضية أداء الطقوس المتعلقة بـ«المعبد» المزعوم بشكلٍ أكبر، وقد بدأ المستوطنون بمحاولات فرض «الطقوس اليهودية العلنية» منذ النصف الثاني من عام 2019م، من خلال محاولة التصرف وكأنّ «المعبد اليهودي» قد أُقيم فعلاً مكان «الأقصى»، وتتصاعد هذه الطقوس في الشكل والمضمون في الأعياد اليهودية، ويمكن تقسيم فرض الطقوس اليهوديّة العلنية من خلال مسارين:

الأول: نقل كل الطقوس التوراتية التي تتم في مختلف كُنس العالم إلى المسجد الأقصى بوصفه «المعبد» المزعوم.

الثاني: إحياء الطقوس التوراتية المختصة بـ«المعبد»، على غرار إحياء طبقة الكهنة، وإحياء القرابين الحيوانية والنباتية، و«السجود الملحمي» الكامل، وغيرها من الطقوس.


تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة