اغتيال أنس الشريف ومحمد قريقع يشعل منصات التواصل

سيف باكير

11 أغسطس 2025

190

في جريمة جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال الحافل باستهداف الكلمة الحرة، اغتال الجيش الصهيوني الصحفيَّيْن أنس الشريف، ومحمد قريقع، مراسلَيْ قناة «الجزيرة» في غزة، بقصف مباشر استهدف خيمة الصحفيين، ليلتحقا بقافلة شهداء الإعلام الذين دفعوا حياتهم ثمناً لنقل الحقيقة.

أنس الشريف.. الكلمة المسفوكة على أرض غزة | مجلة المجتمع
أنس الشريف.. الكلمة المسفوكة على أرض غزة | مجلة المجتمع
مجلة المجتمع الكويتية: منصة إعلامية رائدة تُعنى بالشأن الإسلامي وتقدم تقارير ومقالات تعزز الوعي الحضاري للأمة الإسلامية انطلاقاً من مرجعية إسلامية تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهي تابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي بدولة الكويت، وترفع شعار "مجلة المسلمين حول العالم".
mugtama.com
×

أثار اغتيالهما موجة واسعة من الغضب والتضامن على منصات التواصل، حيث توالت ردود الفعل من كتَّاب ومفكرين وإعلاميين.

وقال الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة: لم يكن الغزاة ليتركوه بصوته المجلجل وحضوره في مواقع التواصل، هم الذين هدّدوه بالاسم مراراً، كان شهيداً مع وقف التنفيذ، وها قد تسلّم الجائزة الكبرى، رفقة أخيه محمد.

المفكر محمد مختار الشنقيطي كتب عبر حسابه على منصة «إكس»: قتلوا الشهود سعيًا للتستر على الجريمة!

وقال الأكاديمي د. علي السند: استشهاد مراسلَيْ «الجزيرة» أنس الشريف، ومحمد قريقع، جاء بعد حملة تحريض صهيونية لإسكاتهما، خاصة الشريف الذي وثّق جرائم الاحتلال ونقل معاناة الناس.. الكلمة الحرة في فلسطين تُلاحق كما يُلاحق المقاتل بالسلاح!

وقال الإعلامي القطري جابر الحرمي: أنس الشريف، ومحمد قريقع، انضما لركب الشهداء، ظلا حتى النفس الأخير ينقلان للعالم حقيقة ما يجري في غزة من جرائم صهيونية.. لن تُغتال الحقيقة وإن اغتيل الشريف.

شهادة حقوقية دامغة

من جانبه، وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان استشهاد أكثر من 230 صحفياً في غزة منذ بداية الحرب، في حصيلة وُصفت بأنها الأكبر في التاريخ الحديث أثناء الحروب والنزاعات.

وأكد أن الاحتلال تعمد استهداف الصحفيين في أماكن عملهم، حتى وهم يرتدون ستراتهم الصحفية أو يختبئون في خيام أقيمت بجوار المستشفيات، بل وحتى في منازلهم، إضافة إلى تدمير مقار إعلامية بالكامل.

وشدد المرصد على أن استهداف الصحفيين يرقى إلى جرائم حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي، بما في ذلك قرارا مجلس الأمن (1738) لعام 2006م، و(2222) لعام 2015م، والمادة (79) من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف، التي توجب توفير حماية خاصة للصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة.

ودعا المرصد إلى تحقيق دولي مستقل في جرائم الاحتلال بحق الصحفيين، ووقف سياسة الإفلات من العقاب التي شجعت على تكرار هذه الجرائم، مطالباً الأمم المتحدة والدول الفاعلة بالتحرك الفوري للضغط على «إسرائيل» لاحترام القانون الدولي وضمان حماية الإعلاميين.

من هو أنس الشريف؟

أنس الشريف، صحفي فلسطيني من مخيم جباليا، وُلد عام 1996م ليحمل منذ طفولته هَمّ الكلمة والصورة في وجه الظلم، نشأ في أزقة المخيم، وتلقى تعليمه في مدارس وكالة الأونروا ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية، قبل أن يلتحق عام 2014م بجامعة الأقصى لدراسة الإذاعة والتلفزيون، ويتخرج فيها عام 2018م حاملاً حلمه بأن يكون صوتًا للحقيقة.

بدأ مسيرته الإعلامية متطوعًا في «شبكة الشمال الإعلامية»، ثم التحق بقناة «الجزيرة» مراسلًا ميدانيًا، حيث خاض أخطر ساحات التغطية خلال حرب الإبادة «الإسرائيلية» على غزة، دفع ثمن مهنته مبكرًا؛ ففي سبتمبر 2018م أُصيب بشظية رصاص في بطنه أثناء تغطيته لمسيرة شرق تلة أبو صفية، كما تلقى تهديدات مباشرة من قوات الاحتلال بسبب جرأته في نقل ما يجري على الأرض.

لم تتوقف معاناته عند حدود الميدان؛ ففي ديسمبر 2023م قصفت طائرات الاحتلال منزل عائلته في مخيم جباليا، ففقد والده شهيدًا، ومع ذلك، واصل الشريف عمله من قلب النار، حتى جاء مساء الأحد 10 أغسطس 2025م، حين استهدفت غارة «إسرائيلية» خيمة الصحفيين المقابلة لمجمع الشفاء الطبي، فأُصيب واستشهد مع زميله الصحفي محمد قريقع، والمصورَيْن إبراهيم ظاهر، ومحمد نوفل، ليلتحق بقافلة شهداء الحقيقة.


وصية الشريف

وكتب الشريف، في 16 أبريل 2025م، عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وصيته الأخيرة بعنوان «إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن «إسرائيل» قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي».

وجاء فيها: «يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندًا وصوتًا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة (المجدل) لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.

عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف عام.

أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم.

‏أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ «الإسرائيلية»، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.

أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة.

‏أُوصيكم بأهلي خيرًا.

‏أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم.

‏وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة.

‏أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي.

‏أدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء.

‏وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان.

‏أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل.

‏إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى.

‏اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي.

‏سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل.

‏لا تنسوا غزة..

‏ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول.

الرابط المختصر :

كلمات دلالية

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

جميع الأعداد

ملفات خاصة

مدونة