المسيح المسلم عليه السلام.. إضاءات من سيرته في القرآن

محمد الحداد

20 أغسطس 2025

274

يرى المسلمون أنهم ورثة الأنبياء الوحيدون؛ لأنهم الوحيدون المؤمنون بهم جميعًا، بخلاف غيرهم ممن يؤمن ببعض دون بعض أو لا يؤمن بجميعهم، ويرون أنهم أولى الناس بعيسى ابن مريم عليه السلام؛ فليس بينه وبين النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم أحد، ويرون أنه سينزل في آخر الزمان قاتلًا الدجال معظِّمًا الإسلام مكرمًا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من أخباره وسيرته التي أُمروا بأن يقتدوا به فيها.

ولكثرة ما ذكر عن المسيح عليه السلام في كتاب الله تعالى فضلًا عن السُّنة مما لا يحيط بفوائده متتبع؛ نتعرض إلى إشراقات قرآنية فيها فوائد من سيرته العطرة.

اصطفاء نسبه الكريم

اصطفى الله تعالى آلَ عمران على العالمين؛ (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 33)، وبعدُ اصطفى أم المسيح مريم عليها السلام على نساء العالمين: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران: 42)، وبعدُ اصطفى ابنها المسيح عليه السلام رسولًا: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (الحج: 75)، وبعدُ اصطفاه من الرسل فجعله من أولي العزم: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (الأحزاب: 7)، فهو عليه السلام خيار من خيار من خيار من خيار.

البشرى به والبشرى منه

وإن للبشرى في حياة المسيح عليه السلام موضعاً شريفاً قبل حياته ولِما بعدها، فقد كان قبل مولده بشرى لأمه مريم عليهما السلام؛ (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) (آل عمران: 45)، ثم قدّم هو عليه السلام البشرى بمبعث أخيه أحمد عليه السلام: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) (الصف 6).

ميلاده المُعجز

وقد ولد عليه السلام آية للناس على قدرة الله عز وجل، ورحمة لهم بظهور صدق نبوته، فقد وُلد من أم بغير أب؛ (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً {20} قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً) (مريم)، مثله مثل آدم عليه السلام الذي خُلق من غير أب ولا أم؛ (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) (آل عمران: 59).

إعلانه عبوديته للّٰه منذ اللحظة الأولى

ولم يلبث عليه السلام منذ ساعة ولادته حتى أعلن وهو في المهد عبوديته لله عز وجل ونبوته وشرائعه التي أُمر بها وجميل أخلاقه؛ (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً {29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً {31} وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً {32} وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) (مريم)، فلم يسع من له حبة خردل من إيمان وعقل إلا أن يؤمن به ويتبعه، اللهم إلا من حق عليه القول فجحد نبوته بعد تلك الآية العظيمة.

مركزية التوحيد في دعوته

وقد كان للتوحيد في حياة المسيح عليه السلام الدور الأكبر في دعوته، حتى إنه لم يترك ذكر الله عز وجل وتفويض الأمر إليه والشهادة بعبوديته حال المعجزات؛ (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {49} وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ {50} إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (آل عمران).

المسيح اختبار الله للناس على توحيده

وقد جعل الله تعالى اتباع المسيح الموحد علامة على توحيده جل وعلا؛ (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا) (النساء: 174)، فبين محقق للتوحيد وجاحد له يكمن بلاء الناس.

وجاهته وتأييده 

وكان من أثر تلك المعجزات المبهرة أن كان وجيهًا بين الناس، غير منبوذ كما يدعي أهل الكتاب سواء من صدقوه أو من كذبوه؛ (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (آل عمران: 45)، وقد كان مع تلك الآيات البينات مؤيدًا طوال حياته بروح القدس جبريل عليه السلام؛ (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) (البقرة: 87).

الأمر بنصرة الله اقتداءً بأصحابه عليه السلام

وإن الله قد أمر أهل الإيمان في هذه الأمة بالاقتداء بأنصار المسيح عليه السلام، ووعدهم بأن سيكونوا من الظاهرين على أعدائهم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ۖ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) (الصف: 14).

حماية الله عز وجل له

وقد حماه الله عز وجل من كيد الكائدين، فرفعه إليه، ورفع شأن من يؤمن برفعه إليه إلى يوم القيامة؛ وهم أمة الإسلام، (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران: 55).

تبرّؤه عليه السلام من الشرك

وكما عاش عليه السلام على التوحيد وسيموت عليه؛ فإنه سيبرأ إلى الله من كل من خالفه؛ (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ {116} مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة).

الرابط المختصر :

تابعنا

الرئيسية

مرئيات

العدد

ملفات خاصة

مدونة