العنوان مقال الأسبوع.. أسطورة الحق اليهودي في فلسطين
الكاتب أحمد محمد الصديق
تاريخ النشر الثلاثاء 03-أغسطس-1993
مشاهدات 17
نشر في العدد 1060
نشر في الصفحة 35
الثلاثاء 03-أغسطس-1993
لا أعتقد أن التاريخ شهد جراءة على تزييف الحقائق واختلاق الأكاذيب من اليهود.. وحسبنا في ذلك قول الله عنهم ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (سورة آل عمران: 75) ﴿وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ (سورة آل عمران: 78).
فالذي يكذب على الله وهو يعلم أنه يكذب، ويعلم فداحة الجريمة التي يقترفها، هل تراه يتورع بعد ذلك عن الكذب على الخلق؟! إن قدرتهم على التلون والتلاعب بالألفاظ وقلب الأمور لا تحدها حدود.. لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة.. وليست هناك أية ضوابط خلقية أو دينية أو إنسانية تمنعهم من فعل ما يستطيعون.. إذا لاحت لهم الفرصة.. وتلك هي الفلسفة التي يسيرون عليها في حربهم وسلمهم عبر العصور.
وفي هذا الزمن.. الذي ضاعت فيه قيم الحق والخير والعدل.. تمادى اليهود أكثر من أي وقت مضى في باطلهم وإفسادهم.. حتى زيفوا التاريخ، ونجحوا «بالتحالف مع الأقوياء» في إقامة كيانهم العدواني الدخيل على أرض فلسطين.. وقد طردوا منها أكثرية سكانها وفرضوا هيمنتهم بالقوة العسكرية وأساليب المكر والخداع.
وإن الرد على مفتريات اليهود، وادعائهم الحق في فلسطين، لا يحتاج إلى كبير عناء، وقد كثرت الكتابات والدراسات في هذا المجال، حتى من قبل المؤرخين والسياسيين الغربيين الذين يهمهم قول الحقيقة - رغم إصرار اليهود على طمسها.. وتسخيرهم وسائل الإعلام المختلفة التي يملكونها ويوظفونها لأهدافها في أمريكا وأوروبا.. ومع ذلك، فإن الحقيقة تظل ثابتة ساطعة وإن كان العلم بها لا يجدي أمام القوة الغاشمة، إلا أنها بمثابة المستند التاريخي الذي لا يجوز التفريط فيه أو التنازل عنه. وسيأتي اليوم الذي يعود فيه الحق إلى أصحابه الشرعيين ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ (سورة آل عمران: 140).
القوى الكبرى تعرف الحقيقة
ولا شك أن القوى الكبرى التي تساند إسرائيل وتتكفل بحمايتها.. تعرف الحقيقة وتعلم أنه ليس لليهود حق في فلسطين.. وذلك ما تؤكده وثيقة أمريكية مؤرخة في 11 فبراير 1951م أفرجت عنها الخارجية الأمريكية مؤخرًا ووزعتها على سفاراتها في الخارج.. تقول: «إن اليهود باعتبارهم جماعة دينية، لا يرتبطون تاريخيًا سوى بحائط المبكي، وموقع أثرى صغير على طريق القدس - بيت لحم - يسمى «قبة راحيل» بل إن هذين الموقعين لا يشكلان مناطق مقدسة لليهود على النحو الذي أقرته الوثائق المسماة بـ «الأوضاع الراهنة» «ستاتيكو» في فلسطين منذ العهد العثماني، وكانت وثائق الـ «ستاتيكو» قد أقرت عام 1855م.. ووافق عليها السلطان عبد الحميد العثماني في عام 1869م، كما وافق عليها مؤتمر برلين الذي عقد عام 1878م إثر الحرب الروسية - التركية وقد التزمت حكومة الانتداب البريطاني بهذه الاتفاقية.
وفي كتابه «الخداع» يقول «بول فندلي» حول مزاعم إسرائيل بفلسطين ما نصه:
«إن جميع الذين حضروا اجتماع تل أبيب الذي أعلن فيه استقلال إسرائيل كحق طبيعي وتاريخي، كانوا سبعة وثلاثين رجلًا، ويذهب النقاد إلى أنه لم يكن لعملهم قوة قانونية ملزمة في القانون الدولي، لأنهم ممثلو أقلية من الشعب، ولأن واحدًا منهم فقط ولد في فلسطين، وكان الباقون من بلدان أوروبية، باستثناء واحد جاء من اليمن.. ومن الناحية التاريخية، نجد أن اليهود ليسوا أول من سكن فلسطين، ثم إن فترة حكمهم لم تكن أطول من فترات حكم عدد من الشعوب الأخرى لها...»، ويتابع الكاتب كلامه فيقول: «وباختصار حكم اليهود القدامى فلسطين أو أجزاء كبرى منها مدة لا تقل عن 600 سنة، وخلال فترة 5000 سنة من تاريخ فلسطين المدون، وأقل من الكنعانيين، أو المصريين أو المسلمين، أو الرومانيين، واستنتجت لجنة كنج كرين الأمريكية في عام 1919م، أن ادعاء (مبنيًا على احتلال وقع قبل ألفي سنة، يصعب أخذه على محمل الجد)»..
وتتوالى الأقوال والشهادات التي يمكن الاستدلال بها في هذه القضية، وهي لكتاب غربيين.. لا يتهمون بالتحيز للعرب ولا للمسلمين... ولكنها شهادة الحق والضمير، أملت عليهم كلمة الصدق.
أحد هؤلاء يدعى «ج. م. ن جفريز» في كتابه «فلسطين.. إليكم الحقيقة» يقول فيه: «... وإذا ما تحولنا، ونحن نحمل هذا في أفهامنا، لمقارنة الوضع التاريخي للعرب في فلسطين بالوضع التاريخي لليهود فيها، فيا لبعد الثريا عن الثرى! لقد بدأ امتلاك العرب لفلسطين قبل خمسة آلاف سنة، ولم ينقطع عنها في يوم من الأيام، حتى يومنا هذا. إنه أقدم امتلاك على ظهر الأرض وأشدها قوة وإمعانًا، إنه امتلاك كان له نصيبه من الفتح، وله رسوخه الطويل في التربة في حين أن الدولة اليهودية قد قامت وتألقت وطنطنت بمقدار عمر برغشة، ثم تلاشت»، ثم يرتب على ذلك نتيجة حاسمة بقوله: «... إن حق الملكية ينبغي ألا يكون إلا للعرب وحدهم، وأن ذلك أمر حقيقي لا نقاش فيه».
ويقول «جفريز» هذا عن عرب فلسطين باعتبارهم سكان فلسطين منذ البداية، ناعيًا على الغربيين جهلهم بهذه الحقيقة، إذا كانوا يجهلونها، ومبينا فداحة الظلم الذي ارتكبته بريطانيا حين أنكرت هذا الحق، وعملت على هضمه.. يقول: «فيا له من حق من حقوق الملكية هذا الذي نجد اليوم سعيًا وراء تحطيمه.. وربما كان أبسط وأوضح حق من حقوق الملكية في العالم»... «إن عرب اليوم في فلسطين لا يمثلون مجرد جنس فاتح، ولكنهم سلائل تلك الشعوب التي عاشت فيها قبل الإسرائيليين. إننا نسميهم عربًا، ولكنك لا ولن تجد في خضم بحر جنسهم العظيم، الذي يمتد من الإسكندرونة إلى مكة وما بعدها، كثيرًا من الأعراق، وأن جذورهم في هذه الأرض هي تلك الجذور التي نشأ منها التاريخ في حد ذاته..».
فترة حكم اليهود:
سبقت الإشارة إلى رأي بول فندلي عن فترة حكم اليهود في فلسطين وأنها لا تقل عن 600 سنة.. ولعله قد جمع الفترات المتقطعة لوجودهم في فلسطين فبلغت هذه المدة.. ولكننا إذا نظرنا إلى الفترة التي حكموا فيها كقوة ومملكة متحدة فإنها لا تزيد عن سبعين سنة... وهذا ما تؤكده الباحثة كينون، فتقول:
«إن مملكة إسرائيل المتحدة لم تعش أكثر من ثلاثة أرباع القرن.. وكانت هذه هي الفترة الوحيدة التي ظهر فيها اليهود بمظهر القوة السياسية المهمة في غرب آسيا.» أما باقي المدة التي قضاها اليهود في فلسطين، فقد كانوا فيها قسمين: قسم في الشمال، ويدعى مملكة «إسرائيل» وعاصمتها «السامرة» بجوار نابلس، وقسم في الجنوب ويدعى مملكة «يهوذا» وعاصمتها «القدس» ولم يكن أي من المملكتين ليزيد عن «مملكة المدينة» الكنعانية.. وقد ظل الصراع والتطاحن قائمًا بين هاتين المملكتين حتى انتهت الأولى على يد «سرجون الثاني» الآشوري سنة 732 ق. م، وانتهت الثانية على يد «نبوخذ نصر» الكلداني سنة 586 ق. م».
مساحة الأرض التي خضعت لهم
ويحدد «جفريز» أطوال الأرض التي خضعت لهم بأنها كانت «مائة وعشرين ميلًا في أطول أطوالها، وستين ميلًا في أعرض عروضها، وأقل من ذلك بكثير في أغلب الأحيان».
وكانت كلها أرضًا جبلية، ولم يكن لهم وجود في السهل الساحلي مطلقًا.. وربما كان السبب في ذلك رغبتهم في التحصن بالجبال، وبداوتهم التي جاءوا بها إلى فلسطين.
يقول «دين ستانلي»: «إن فلسطين تعكس الآية المألوفة، هذه الآية التي يلجأ فيها أهل البلاد إلى التلال حين يغلبون.. لقد قهر اليهود التلال لكنهم أخفقوا في الاستيلاء على السهول».
ويشير المؤرخ الدكتور «فوكس جاكسون» من جامعة كمبردج إلى ضآلة المساحة التي سيطر عليها اليهود فيقول: «لقد كانت مملكة يهوذا مقاطعة غاية في الصغر، وكان سكانها من التفاهة في العدد لدرجة أن أذكى وأبصر السياح في القرن الخامس قبل الميلاد، كان يزور ما كانت تسمى فلسطين سورية، أو سورية الفلسطينيين وقد لا يسمع عن اليهود شيئًا قط..».
ويحاول مؤرخ آخر يدعى «مستر بيللوك» أن يبين هذه الحقيقة بطريقة أخرى لا تخلو من الطرافة فيقول: «إن أحسن طريقة يمكن لإنسان أن يدرك بها إلى أي مدى كانت صغيرة هي على هذا النحو: إذا خرج الرجل مع طلوع الشمس من القدس متجهًا شرقًا أو شمالًا أو غربًا، ففي وسعه أن يبلغ أطرافها «أي أطراف المملكة اليهودية» في فترة وجيزة من الصباح.. إنه لا يقطع اثني عشر ميلًا في أي من هذه الاتجاهات، إلا ويكون قد خرج من حدود تلك المقاطعة».
التأثير على عقول الساسة الغربيين
الحقيقة إذن واضحة ولكن المشكلة هي أن اليهود نجحوا في السيطرة على عقول الساسة الغربيين، وجعلوهم لا ينظرون إلى القضية الفلسطينية إلا من الزاوية التي حددوها لهم.. حتى غرسوا في أذهانهم مسألة الحق التاريخي أو «الرابطة التاريخية» لليهود بأرض فلسطين، واستصدروا من جهالة إنجلترا وعد «بلفور» المشؤوم.. اعتمادًا على تلك الحجة الواهية.. التي يقول عنها المؤرخ «جيفريز» «إن بعث الحياة من جديد فيما كان لليهود، لكي نفرضهم على عرب فلسطين، أمر لا يحتوي على ذرة واحدة من عقل».
وعن وقوع الغرب بسياساته واتجاهاته وعواطفه تحت تأثير الإعلام اليهودي، يقول «أرنولد توينبي»:
«.. لقد أدركت مبلغ الفائدة الدعائية التي يظفر بها من يحتكر وسائل الإعلام، فيتولى نشر وجهة نظره، وأدركت أننا نظرنا إلى الفلسطينيين والفينيقيين بعيون الإسرائيليين.. إذا أردنا الرؤية الصحيحة، فعلينا أن نعاين الأشياء من وجهة نظر الجانب الصامت أيضًا لا أن تكون للجانب الصائت الكلمة الأخيرة، كما كانت له الكلمة الأولى.
ولنسمتع إلى المتحدث بلسان ممثلي دول الحلفاء في مؤتمر «سان ريمو» عام 1920م وهو يقول عن نفسه:
«لقد تربيت في مدرسة تعلمت فيها عن تاريخ اليهود أكثر بكثير مما تعلمته عن تاريخ بلادي أنا.. وفي وسعي أن أخبركم بجميع ملوك إسرائيل، ولكني أشك في قدرتي أن أسمي لكم ستة من ملوك إنجلترا.. لقد تشبعنا كل التشبع بتاريخ الجنس العبري..»، أرأيت؟ إن مسؤولًا غربيًا كبيرًا بهذا الوزن، صنعه اليهود على هذه الطريقة، وهذا النحو.. فماذا نتوقع منه.. ومن أمثاله؟؟
التحريض ضد العرب «المسلمين»
لقد بلغ تحريض اليهود على العرب «المسمين» مبلغًا جعل الغربيين يتصورون أن العرب مجرد قوم همج متخلفين قطاع طرق... لا يستحقون الاحترام، ولا أن يقام لهم وزن بين الأمم والشعوب المتحضرة.. ويروي المؤرخ «جيفريز» قصة حدثت لوفد من المندوبين العرب ذهبوا إلى بريطانيا ليشرحوا قضية بلادهم.. وحين قاموا بزيارة مجلس العموم حضر أحد الأعضاء لمقابلتهم في قاعة الانتظار، فلما رآهم لم يصدق عينيه، إذ رأى رجالًا مؤدبين، مثقفين، على هيئة حسنة، ويرتدون ملابس كملابسه.. وعندئذ أخذ يلتفت يمنة ويسرة وكأنه يبحث عن أشخاص آخرين غير هؤلاء.. تطابق صورتهم ما رسمته الدعايات الصهيونية في ذهنه وحوشًا بشرية لا تنتمي إلى هذا العصر بصلة.. ويعلق «جيفريز» على هذه الحادثة بما تحمله من دلالات خاطئة بحق العرب والمسلمين عامة.. ومهدت لاغتصاب فلسطين.. فيقول: «لقد نسينا في هذه الأيام مآثر العرب الخالدة.. إن قلة من الناس نسبيًا تعرف شيئًا عن ماضي العرب العظيم (يقصد المسلمين لأن الغربيين إذا أطلقوا كلمة العرب أرادوا بها المسلمين).. إننا نحن الأوروبيين ندين لهم بأكثر مما نتصور، لقد قادوا العالم نحوًا من ثلاثمائة عام في طريق الحضارة، وأخذنا عنهم جل علومنا الرياضية... فالأرقام التي نستخدمها أرقام عربية، وكلمة «الجيبرا» هي لفظة محرفة لكلمة «الجبر» كما طور العرب مهنة الطب، وأسسوا الجامعات، وطوروا الفلاحة.. وزراعة الحدائق إلى مستوى رفيع... إلخ».
ولم يتورع اليهود عن تحريف كتابهم المقدس، فأدخلوا فيه ما ليس منه مثل مسألة «لعنة الكنعانيين» لأن أباهم كنعان ملعون.. ومعلوم أن الكنعانيين هم سكان فلسطين الأوائل من العرب.. وهنا يتضح الهدف من اختراع حكاية «اللعن» هذه.. يقول المؤرخ «دين ستانلي»: «... وما جنس الكنعانيين -الملعون حسبما جاء في أسفار أشعيا والقضاة- إلا ذلك الجنس عينه الذي كنا نتطلع إليه عبر القرون من بلاد اليونان، باعتباره أبا الكتابة والتجارة والحضارة».
هيكل سليمان
أما هيكل «سليمان» عليه السلام، الذي يزعم اليهود أن المسجد الأقصى بني على أنقاضه، فتقول دائرة المعارف البريطانية: «... إنه ليس من المؤكد أن الهيكل كان في حرم المسجد الأقصى، خاصة وأن «تيطس» عندما هدم المدينة سنة 70م لم يترك شيئًا قائمًا، وطمست سائر معالمها، فالبحث عنه عبث في عبث».
ويصف المؤرخ الإنجليزي «جفريز» هذا الهيكل بأنه كان صغيرًا جدًا، فطوله من الداخل 100 قدم، وعرضه 35 قدمًا، وأن اليهود لم يكونوا مجمعين على تقديسه، فإن مملكة إسرائيل لم تعترف به بل اتخذت لنفسها هيكلًا خاصًا بها في السامرة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل