العنوان الإخوان المسلمون والأحزاب الإسلامية المعاصرة
الكاتب محمد مرسي
تاريخ النشر السبت 18-أغسطس-2007
مشاهدات 16
نشر في العدد 1765
نشر في الصفحة 26
السبت 18-أغسطس-2007
■ الإخوان يسعدون بفوز أي من الأحزاب الإسلامية في العالم.. ولكن مقارنة تلك الأحزاب مع مسيرة جماعة الإخوان المسلمين مقارنة مغلوطة.
لقد أصبح معلومًا من التاريخ والواقع أن جماعة الإخوان المسلمين هيئة إسلامية جامعة تنتهج منهجا واضحا ومحددا هو منهج أهل السنة والجماعة، في كل ما تقوم به من أعمال، وما تتخذه من وسائل لتحقيق الإصلاح والتغيير في المجتمع ليصبح قادرًا على تحمل مسؤوليته في مسيرة الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة على طريق النبي محمد ﷺ، الأمر الذي يوجد حالة من الاستقرار والرضا والإحساس بالأمن والحرية لكل أفراد المجتمع ومؤسساته، على اختلاف توجهاتها ووسائل عملها، والجماعة في مسيرتها إذ تقوم بدورها الأساسي في إرشاد المجتمع وتكوينه فإنها تستهدف بناء الفرد المسلم والبيت المسلم والأمة والمسلمة، وتوقن أنه لو وجد المسلم صحيح الإسلام وجدت معه كل أسباب النجاح.
وهو بالضرورة مواطن صالح وتدرك أن الأسرة الصالحة المسلمة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الصالح، وتعلم أن الأمة المسلمة عندما تكون قادرة- بإذن الله- على رفع لواء الحق والعدل في الحكم بما أنزل الله فلا تضل ولا تشقى: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ﴾ (طه: ١٢٣- ١٢٤).
والجماعة بذلك تقوم بواجبها وتتوجه إلى الأمة بالمنهج الإسلامي الوسطي المعتدل: لكي تحقق بذلك الأهداف والغايات وتوجد الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام في كل شؤونها وفي جميع نواحي حياتها، فإن رضي بذلك الناس سعدوا وعزوا وسادوا، وإن أبوا فإن الله هو الغني عن عباده، على حرصه سبحانه وتعالى عليهم وعلى غفرانه لهم إن هم تابوا وأنابوا ودعوا الله مخلصين وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
منهاج الأمة
وخلاصة القول: إن جماعة الإخوان المسلمين تتوجه بدعوتها ومنهجها وحركتها إلى الأمة، فنحن ندعو الناس إلى الإسلام والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، ونعتقد أن الإسلام دين الله الحق للناس كافة. وهو ليس ملكا لأحد ولا حكرًا على أحد إنما بعث الله محمدًا ﷺ إلى خلقه كافة بالرحمة.. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾ (الأنبياء: ١٠٧) ومهمتنا تعريف الناس بالإسلام الصحيح الكامل لا المجتزأ ولا المنقوص ولا المزيد:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: ٣).
ونعتقد أيضًا أن الأمة هي مصدر السلطة، أي صاحبة الحق وحدها في اختيار رؤسائها وممثليها وأولي الأمر منها، وننزل على رأي الأمة حتى وإن خالف رأينا ما لم يصطدم بأصل في الشرع، وطالما أن الأمة مارست حقها كاملًا في اختيار من تريد وبحرية تامة دون ضغط أو تخويف أو اضطهاد من أحد أو من جماعة أو حكومة.
الإخوان والحزب السياسي
نقول ذلك وقد كثر الكلام هذه الأيام عن دور الأحزاب في المجتمع وعلاقة الأحزاب الإسلامية على وجه الخصوص بالجماعات التي انبثقت عنها وخرجت لتعبر عن مناهجها ومرجعياتها، وكذلك يطرح الكثيرون الآن أن يكون لجماعة الإخوان المسلمين حزب كهذه الأحزاب المتعددة، ليعبر عنها ويتكامل معها في أداء الدور، وهو في مجمله شعبي و اجتماعي وسياسي يتكامل مع الأدوار الأخرى التي تقوم بها الجماعة في المجالات المتعددة والأنشطة الكثيرة كتربية النشء وتكوينه على الإسلام والوعظ والإرشاد لكل فئات المجتمع وأعمال البر والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة من خلال الجمعيات والنوادي ومراكز حقوق الإنسان ولجان الإغاثة وكافة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.
وموقف الإخوان من ذلك واضح، وقد تم إعلانه قبل ذلك، فالجماعة ليس لديها مانع من قيام حزب يمثل جناحًا من أجنحة نشاط الجماعة المتعددة، ولكن هذا الحزب لا يقصد إلى الصراع على السلطة التنفيذية في المقام الأول، وإنما الأولوية الأولى له أن يكون الوعاء الذي يحمل الدعوة في مجالات العمل العام المختلفة سعيًا نحو تكوين الأمة صاحبة الرسالة.
والإخوان يرون أن التقدم للحصول على ترخيص لهذا الحزب الآن غير ذي جدوى حيث إن النظام يمارس كل أنواع العدوان والعنف ضد شعبه ومنه الإخوان المسلمون ولن يسمح بقيام مثل هذا الحزب، وفي الوقت ذاته فإن الإخوان لن يتحركوا للإعلان عن حزب من جانب واحد، ولكن البرنامج الإصلاحي للحركة -الذي يهدف لإصلاح الأمة- يجري إعداده كي يكون أحد الأدوات الفعالة من خلال الحزب- إن تم تأسيسه- لإيجاد المجتمع المسلم والأمة العادلة.
من أجل ذلك فإن العمل العام -ومنه العمل السياسي الذي يمارسه الإخوان- لا يخرج بأهدافه ووسائله -ولا ينبغي له أن يخرج- عن الأصول والثوابت الإسلامية، ولا يستطيع الإخوان أن يقرروا من عند أنفسهم -كما يقال تكتيكيًا- غض الطرف أو التقاعس عن أو إهمال أو تجميد بعض أجزاء منظومة العمل المتكاملة، بزعم أن ذلك إن حدث يمكن أن يوجد حالة من القبول للإخوان عند النظم الحاكمة في بلادنا وفي الغرب ولدى الصهاينة: سعيًا إلى تحقيق إنجازات سريعة في بعض مجالات العمل وخاصة السياسية منها، ولو حدث ذلك التغاضي وغض الطرف فإن هذا يعني الحديث عن كيان آخر غير جماعة الإخوان المسلمين.
الصعود السياسي لبعض الأحزاب في العالم الإسلامي
إن الإخوان المسلمين، وهم يسعون إلى إيجاد المجتمع المسلم الذي تخرج منه الحكومة التي تعبر عن الأمة الراشدة وتحكم بما أنزل الله، يضعون نصب أعينهم أن الطريق طويل ومحفوف بالمكاره وأن الجهود المطلوبة عظيمة وكبيرة؛ لأن الأهداف عظيمة وكبيرة.. ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: ٤٠).
وعندما يفوز حزب من الأحزاب الإسلامية بالانتخابات في بعض البلاد الإسلامية -كما فاز العدالة والتنمية في تركيا المسلمة- فإن ذلك يسعدنا من منطلق الأخوة العامة وانتشار الحرية وتحقيق العدل في تلك البلاد.
ولكن المقارنة بين حالة النجاح لهذا الحزب -كمثال- ووضع ومسيرة الإخوان المسلمين عندنا، مقارنة مغلوطة ولا محل لها: لأننا لا يمكن أن نقارن بين حالتي النجاح الحركتين مختلفتين اختلافًا بينا في الأصول والثوابت والأهداف والغايات وكذلك في الوسائل والآليات.
الحالة المصرية مقارنة بالحالة التركية
جماعة الإخوان المسلمين لم ولن تُغير مبادئها.. المنهج الإسلامي كل غير منقوص وهو غاية عملنا، ونحن نريد نشره وتعليمه وتطبيقه والعمل بما جاء به في شتى مجالات الحياة بالنسبة للأفراد والجماعات والجمعيات والمؤسسات والدولة وأولي الأمر جميعًا.
أما حزب العدالة والتنمية التركي الذي أعلن موافقته ورضاه على علمانية الدولة بالمفهوم الغربي المعروف فيختلف عن هدفنا الأساسي الكبير، وهو أن يكون للمسلمين دولة مسلمة ( Islamic State) وليست دولة دينية بالرؤية الخاطئة المحدودة كما يفهمها أهل الغرب على وجه الخصوص.
وهنا يجب ملاحظة الفروق الحالية بين الدولة المصرية -التي يعيش فيها الإخوان المسلمون بدستورها الذي ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، الأمر الذي يؤكد إسلامية الدولة المصرية: حيث لا تستطيع حكومة ولا سلطة أن تغيرها أو تقترب منها: لأنها تمثل هوية الأمة بتاريخها وحاضرها على اختلاف مكوناتها الفكرية والثقافية- وبين حزب العدالة والتنمية الذي يحكم الآن أحد المكونات السياسية للدولة التركية بدستورها الحالي، وبعد سقوط الخلافة الإسلامية وصعود القومية والأتاتوركية ما زالت حتى الآن تقرر علمانية الدولة بدستورها وقانونها وتوجهها نحو أوروبا وسعيها الحثيث لتصبح جزءًا منها: على الرغم من الاختلاف البين بين الشعب التركي المسلم والشعب الأوروبي العلماني في الفكر والسلوك، وحيث يمتد هذا الاختلاف أيضًا إلى منظومة القيم التي تحكم كلا الطرفين حيث الحق والعدل على قمة منظومة القيم الإسلامية، في حين لا تجد ذلك في المنظومة القيمية الغربية.
من كل ذلك يتضح أن من أراد أن يصف حركته أو حزبه بأنه إسلامي فلابد أن يكون الإسلام والإسلام فقط هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في منهجه وفي تطبيقه وسلوكه وفي أهدافه وغاياته وفي متابعته ومراجعته، وإلا فإن العبرة ليست بالألفاظ والمباني، ولكنها بالمقاصد والمعاني وليختر كل لنفسه ما يشاء ولكن ليعلم الجميع أن الإسلام الصحيح بمنهجه الحق هو الذي يبقي وأن ما عدا ذلك لا يقوى على الثبات والاستمرار﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد: ١٧).
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل