; نريد من كلية الحقوق وَالشريعَة.. أن تُنصف الشريعَة! | مجلة المجتمع

العنوان نريد من كلية الحقوق وَالشريعَة.. أن تُنصف الشريعَة!

الكاتب أ. عبد الله محمد عبد الله

تاريخ النشر الثلاثاء 30-يونيو-1970

مشاهدات 735

نشر في العدد 16

نشر في الصفحة 18

الثلاثاء 30-يونيو-1970

لم يكن الغرض من عرض مناهج الدراسة في الحقوق والشريعة والساعات الأربع المقرّرة لدراسة شريعة البلاد فيها، لمجرَّد بیان إهمال هذه الكلية وتفريطها في جانب الشريعة الإسلامية، أو إظهار أهمية الدراسات الإسلامية والفقه الإسلامي بصورةٍ من الصور، بل الأمر أجلّ من ذلك وأهمّ، يتصل أوثق اتصال بحاضر ومستقبل هذا البلد أو المنطقة بأسرها على المدى القريب أو البعيد في أن تبقى مسلمة يخالط الإسلام بشاشة قلبها ويجري منها مجرى الدم، فتظل حية واعية تتدارك ما یمكن تدارکه، أو يتمكَّن منها اليأس فتستسلم استسلام الجريح المطروح أمام أمواجٍ متلاطمة متلاحقة من اللكمات السريعة الخاطفة، لا تلبث أن تجد نفسها جثة هامدة لا تستطيع حراكًا أو مدافعة ومتابعة .

ولئن ترتفع أصوات تنشد الخير وتنتصر للحق وتبذل النصح وتنتقد لتشارك في البناء أو في إرساء الأساس المتين، الذي سيقوم عليه هذا البناء خير من أن تهمهم بما لا يسمع أو ترتقب من بعيد مصيرًا لا أخال أحدًا ينكر تحققه ووخيم عواقبه ومدى ضرره، لا جرم أن دعاة الباطل وجدوا المنافذ التي ينفذون منها على حين غفلة من الخاصة والعامة في عهدٍ جديد أطل عليهم، يتطلَّب منهم جهدًا مضنيًا وعملًا دائبًا في رفع قواعده وانتقاء أنجع السبل لتمكين دعائمه، فوجهوا حرابهم وأسنّة رماحهم مشرعة أصابت المقتل في أكثر من موقع، تتجلى آثارها في مظهرين أساسيين بمجتمعنا المؤمن، هما: التعليم والتشريع. ولا أريد هنا أن أسترسل كثيرًا في فضح عيوب التعليم وانحرافه عن الجادة، فحسبي ما أبنته وأمطت اللثام عن جانبٍ من جوانبه في مقالٍ سبق عن التربية الدينية، وحسب القارئ أن يستقصي بنفسه ويستكشف بعين بصيرته أثر ذلك الانحراف في بيئته، فهو لا محالة واجده وواقف عليه، والذي يعنيني منه الآن كما یعني کل مواطن من أمر هذه الكلية الغضة الناشئة ألا تعتاد الخداع في مستهل أمرها، وتقبل على الناس بوجه مشوَّه بشع كريه، تعافها النفوس وتمقتها الطباع السليمة وتمجها الأذواق فتئوب بالخيبة ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتۡ غَزۡلَهَا مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ أَنكَٰثٗا(سورة النحل: 92).

لقد كان قمينًا بكليتنا النابهة أن تفصح عن خط سيرها منذ نشأتها، وتبدو بغير الصورة التي برزت فيها على الناس، ليأخذوا الحيطة لأنفسهم وليسلكوا سبيلًا غير سبيلها للتفقّه في أمور دينهم، فالأمر جد خطير، وخطورته تكمُن في أنها تريد أن تسلبهم دينهم الذي ارتضاه الله لهم بإيهامها بما أطلقت على نفسها من اسم هي منه براء.

ولئن وجد الناس طريقًا لاسترجاع ما يسلبونه من أموال واسترداد ما أُخِذَ منهم عنوة بغير حقٍ، وأعاضتهم عن كل ذلك بالضرب على يد الظالم وتقليم ظفره وكفّه عن الأذى، فإن استنقاذ ما يفقدونه من أمر الدین دونه خرط القتاد.

وكان من ثمرة هذا الصنيع من كلية الحقوق والشريعة، أن الدولة قد صرفت أبناءها الذين كانت تبعث بهم إلى جامعة الأزهر للتفقّه في الدين والتزوّد من الثقافة الشرعية والتبحُّر في دراسة الشريعة الإسلامية إلى هذه الكلية، ظنًا منها إلى أنّ لها من اسمها نصيبًا، وأنها ساهرة على رعاية وحماية شريعة البلاد ومولیتها اهتمامها.

وإنه بعد هذا البيان المسهب عن الوضع في كلية الحقوق والشريعة في جامعة الكويت، وإطلاع الرأي العام بهذا البلد على حقيقة الأمر، فإن الأمل كبير في أولياء الأمور وأهل الرأي في البلاد إلى أن يعيدوا النظر في مناهج هذه الكلية من جديد، وبالإمكان الاستعانة بخطط ومناهج الدراسة بكلية القانون والشريعة بجامعة الأزهر ٦٥ - ١٩٦٦، فإن فيها الغناء لو تم تنفيذها وَفْق ما تنهجها تلك الكلية بتزويد بلدنا بطائفة من أبنائه يجمعون بين الثقافتين الإسلامية والرومانية ما دمنا حريصين على إحياء التراث الروماني وحمايته من التبديد والضياع.

ونحن إذ نستصرخ ونستغيث من بيدهم مقاليد الأمور في نصابها، آملين من كليتنا أن تنصف الشريعة الإسلامية، مكتفين بهذا القدر نزولًا على حكم الاضطرار كما قيل: «التنصيف عين الإنصاف»، ومن نصفك فقد أنصفك. ولأنها لو استمرت على ما هي عليها الآن فسيأتي علينا يوم لن نجد من نستفتيه في ديننا أو نأمنه على الفُتيَا في أمور الدين. وأخوف ما نخاف أن يتحقق فينا قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتَّخذ الناس رؤساء جهالًا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا».

 

الرابط المختصر :