; العلامة أبو الأعلى المودودي | مجلة المجتمع

العنوان العلامة أبو الأعلى المودودي

الكاتب د. إبراهيم البليهي

تاريخ النشر الثلاثاء 05-يناير-1971

مشاهدات 69

نشر في العدد 42

نشر في الصفحة 10

الثلاثاء 05-يناير-1971

·       رجل مؤمن من هذه الأمة، عالم بكتاب الله وسنة نبيه، مطلع على ميول العصر ونزعاته ومقتضياته ومطالبه، بصير بأدواء الأمة وعللها، ذلكم هو:يُعتبر العلامة المودودي من الرعيل الأول من رواد البعث الإسلامي، وفي طليعة رجال الدعوة والتوعية الإسلامية المتزنة، يقول عنه المرحوم محب الدين الخطيب: «..ومن دار العروبة تصدر التراجم العربية لصيحات الحق التي ينادي بها المجاهد في سبيل إصلاح المجتمع الإسلامي الأستاذ أبو الأعلى المودودي، محاولًا إصلاح المجتمع الإنساني نفسه، بإرشاده إلى نظام الإسلام الذي لا سعادة للإنسانية إلا بالرجوع إليه».

وقد أّلف الأستاذ مسعود الندوي -رحمه الله- كتابًا عن «الدعوة الإسلامية في الهند»، أفاض فيه بالحديث ‏عن العلامة المودودي ثم عاد وكتب فصولًا أخرى عن هذه الدعوة نُشرت تباعًا في مجلة «الفتح» ثم جمعها في كتاب أسماه «نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان»، وقد استغرق شرح أهداف الجماعة الإسلامية، وتتبع مراحلها -على يد العلامة المودودي- قسمًا كبيرًا من الكتاب، وفيه يقول: «في مثل هاتيك الأحوال ظهرت دعوة إسلامية خالصة من نزعات القومية الهندية، طاهرة من شوائب النزعات القومية الإسلامية الجغرافية.

قام بهذه الدعوة رجل مؤمن من هذه الأمة، عالم بكتاب الله وسنة نبيه مطلع على ميول العصر ونزعاته ومقتضياته ومطالبه، بصير بأدواء الأمة وعللها، ذلكم هو الأستاذ أبو الأعلى المودودي الذي حمل عبء الدعوة إلى الدين الخالص وإحياء مآثره ونظمه وإقامة شعائره والإذعان للشريعة الإلهية في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة.

شرع في هذه المهمة الجليلة بإنشاء مجلته  الشهرية «ترجمان القرآن» سنة ‎1933‏م وأخذ يبث أفكاره ويوضح  تعاليم الإسلام الخالدة ونظرياته السديدة في الحكم والعمران والاقتصاد والسياسة التي غفل الناس عنها ولا يكادون يؤمنون بها إيمانًا صادقًا، ومن أجل ذلك جعل من همه في أول الأمر أن يقف قلمه السيال على إبراز فكرة الإسلام الحقيقية، وتصوره للكون والعالم ونظريته في علاقة الإنسان بربه ومنزلته في هذه الدنيا، وكذلك صرف مجهوده وهمته في الكشف عن العلل والأدواء التي لصقت بأفكار المتأخرين الجامدين من علماء الإسلام، فجعلتهم لا ينظرون إلى الدين الكامل إلا كما ينظر البوذي إلى ديانة منحصرة في جملة من العقائد والعبادات ولا صلة لها بشؤون الحياة ونظمها العديدة المتشعبة، وعلى غرار ذلك أخذ على المتجددين الذين تشبعوا بأفكار الغرب وآرائه الباطلة المزخرفة تنكبهم محجة الشريعة الخالدة وجهلهم لمبادئ الإسلام وأسسه المتينة وتهافتهم على الأفكار المستوردة من الغرب من غير فهم ولا تبصر، وفوق كل ذلك بيّن المودودي بأساليب متعددة وطرق متنوعة: أن الإسلام دين متكامل شامل محيط بجميع شُعب الحياة وفروعها لا يند عنه شيء ولا يشذ عن دائرته جزء، ولفت أنظار الأمة بأسلوبه المقنع البليغ- إلى حقيقة أخرى مهمة وهي: أن الدعوة إلى الإسلام يجب أن تكون خالصة لوجه الحق بعيدة عن النزعات القومية وأكد حتمية إخلاص العبودية لله، وإقامة مسرح الحياة على أساس هذه العقيدة».

 

ومن مؤلفاته القيمة:

1- تفهيم القرآن، وهو تفسير شامل للقرآن الكريم أفرغ فيه كل طاقته الفكرية وأودعه جميع ما يراه كفيلًا بحل معضلات الحضارة والنهوض بالأمة الإسلامية من هذا الانحطاط الطارئ المشين، وهو مكتوب أصلًا باللغة الأوروبية، وقد قام الأستاذ محمد عاصم الحداد «وهو أحد رجال دار العروبة للدعوة الإسلامية بباكستان» بتعريب «تفسير سورة النور» بكتاب بلغت صفحاته (‎٢٤٨)‏ ‏ووعد بتعريب الكتاب كله.

وينوه المترجم عن سبب تخصيصه لهذا الجزء بالترجمة بقوله: «بأن الأحكام والتعاليم السامية التي تشتمل عليها سورة النور، هي بمثابة حجر الأساس لحياة المسلمين الخلقية والاجتماعية وأنه لا بد -على هذا- أن يكون على معرفة بها كل فرد من أفرادهم ويزول عن ذهنه ما يوجد حولها في أذهان الطبقة المثقفة اليوم بالثقافة الغربية الجديدة من الشبهات».

ويقول المعرب: «إن الأستاذ المودودي قد أفاض الكلام في شرح أحكام هذه السورة أكثر مما قد أفاضه في شرح الأحكام الواردة في سائر سور القرآن في تفسيره: «تفهيم القرآن»

2- الحجاب: وهو متمـم للبحوث التي اشتمل عليـها كتاب «تفسير سورة النور» حتى أن المؤلف نفسه يشير إلى هذا في مقدمته، حيث يقول «على أني قد عالجت هذا الموضوع «موضوع الحياة الاجتماعية»، في تفسيري لسورة النور، فعلى من أراد التفصيل لأحكام الشريعة الإسلامية وتعاليمها في باب الحياة الاجتماعية، أن يراجع ذلك التفسير فإنه عسى أن يجد فيه من تفاصيلها ما قد لا يجده في هذا الكتاب، وإني على ثقة من أنه إذا قرأ هذين الكتابين معًا فإنه قلما يحتاج إلى كتاب آخر لمعرفة أحكام الشريعة وتعاليمها في الحياة الاجتماعية».

وقد سبق أن كتبت عن هذا الكتاب مقالًا مطولًا في جريدة «الدعوة» التي تصدر بالرياض، وأرى أنه من غير المستساغ أن أعيد هنا ما قلته هناك.

3- أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصرة: هذا الكتاب من أهم مؤلفات العلامة المودودي؛ فالناحية الاقتصادية قد استأثرت باهتمام المجتمعات الإنسانية، وعادت تتطلع إلى النظام الأكثر صلاحًا لتأخذ بمبادئه، والعالم اليوم يتنازعه مذهبان: الرأسمالية في الغرب، والشيوعية في الشرق.

والأستاذ المودودي يريد أن يضع نظام الإسلام أمام هذين المذهبين، ليبين أن «الإسلام يقيم بين هذين النظامين الاقتصاديين المتطرفين: نظامًا معتدلًا، يعطي الشخص حقوقه الفطرية والشخصية -كلها- بطريق لا يختل به التوازن في توزيع الثروة.

فهو في جانب يمنح الفرد حقه في الملكية الشخصية وحقه في التصرف في ماله وفي الجانب الآخر يقيد كل حق من هذه الحقوق وكل تصرف من هذه التصرفات: بقيود خلقية من داخله، وقيود قانونية من خارجه يقصد من ورائها ألا تجتمع موارد الثروة في موضع بصورة هائلة بل تبقى تتبادل وتتداول بين مختلف الأفراد والآحاد حتى ينال كل واحد منهم نصيبه المشروع المتناسب، فلهذا الغرض قد نظم الإسلام اقتصاده على أسلوب مبتكر يختلف عن أسلوبي النظامين: الرأسمالي والشيوعي، من حيث الروح والمبدأ ومنهاج العمل»..

وبإزاء ذلك بيّن أسس النظام الرأسمالي والنظام الشيوعي وأوضح الفرق بينهما، وبيّن أنهما على طرفي نقيض، فلئن كانت الرأسمالية تمنح الأفراد حريتهم الشخصية وحقوقهم الفطرية فإنه ليس في مبادئها وفطرياتها شيء يبعث الأفراد على القيام بخدمة مصالح المجتمع المشتركة وبجبرهم على ذلك إجبارًا عند الحاجة، بل هي تنشئ فيهم عقلية تحبب إليهم ذواتهم وتحملهم على محاربة مصالح المجتمع في سبيل مصالحهم الشخصية حتى يختل التوازن في توزيع الثراء بين الأفراد.

والشيوعية تريد أن تعالج هذه المفسدة، ولكنها تختار طريقًا ليس من الصحة في شيء، فهو في حقيقته محاربة للفطرة الإنسانية، فتحرم الأفراد من الملكية الشخصية وتجعلهم خدامًا عاملين للمجتمع وهذا لا يقف ضرره عند القضاء على الاقتصاد فحسب، بل هو مبيد -على نطاق أوسع- لحياة الإنسان المدنية قاطبة، فإنه يزهق في شئون الإنسان الاقتصادية وأوضاعه المدنية: روحها وقوتها الحقيقية الباعثة على الجد والاجتهاد.

يتناول ذلك كله بالتفصيل والتحليل والمقارنة مسببًا ردود الفعل التي أعقبت ظهور النظام الشيوعي، متمثلة بقيام أنظمة معاكسة دكتاتورية كالفاشية والنازية كإجراء وقائي ضد هذا الوباء المطرد.

ويقول: «الحقيقة أن هتلر وموسيليني ما كانا وكيلين مدخولي النية يعملان لصالح طبقة أو مصلحة أجنبية «كما يوهم بذلك الشيوعيون»، بل كانا من أمثال ماركس ولينين يشبهانهما كل الشبه في الإخلاص والذكاء، واعوجاج الفكر وانعكاس الفهم».

وبعد المقارنة وشرح أسس النظام الإسلامي، يختم كتابه بقوله: «أما وقد عرفت نظام الإسلام الاقتصادي الشامل فعليك أن تنظر نظرة في صورته، بل تعيد النظرة مرة بعد مرة ثم تقول لي: هل تجد فيها مجالًا لمفاسد الرأسمالية؟ وانظر إلى روح هذا النظام وانظر إلى وضعه وهيئته وانظر إلى لونه ونوعه وانظر إلى أجزائه وما فيها من الارتباط والتوافق وانظر إلى ما يضمر فيه من المعنى والغاية: هل تجد بعده حاجة إلى التأميم الشيوعي، أو السيطرة الفاشية، أو النازية، أو مجالًا للطرق الرأسمالية؟»

إبراهيم عبد الرحمن البليهي

 -الرياض–

الرابط المختصر :