; الصراصير!! | مجلة المجتمع

العنوان الصراصير!!

الكاتب عبدالمنعم الطاني

تاريخ النشر السبت 27-مارس-2010

مشاهدات 20

نشر في العدد 1895

نشر في الصفحة 66

السبت 27-مارس-2010

واسمحوا لي بهذا العنوان، فقد أكون متجاوزًا.. ولكنه يلح عليّ منذ زمن بعيد، ولعل الضرورات تبيح المحظورات...

ولماذا التردد والقرآن الكريم نفسه يصف بعض الشرائح من الناس بأنهم كـ «الأنعام بل هم أضل»، ويشبههم بـ «الكلاب الضالة التي إن تحمل عليها تلهث أو تتركها تلهث»، وبـ «الحمير التي تحمل على ظهورهم أسفارًا»!!

إنهم يحيون حياة تافهة مسطحة لا عمق فيها على الإطلاق حياة حشرية يعيش فيها الإنسان ویموت کـ«سحلية» أو «صرصور» دونما عقيدة.. دونما أي قدر من الإيمان.. مقطوع الوشائج بأي ارتباط أو خبرة روحية من أية درجة على الإطلاق...

لا يصلون ولا يصومون ولا يعبدون الله ينامون ويستيقظون.. يأكلون ويسافرون.. ويعودون للنوم مرة أخرى.

لكأنهم قادمون من عالم الرخويات.. يتحركون ببطء، ويمضون إلى أهدافهم ببطء، ويمارسون أعمالهم اليومية ببطء.. ويميلون للجلوس أغلب ساعات يومهم تحت ظلال الجدران الرطبة، أو في المقاهي والكازينوهات.. يتمطون ويتثاءبون والساعات تمر والزمن يسارع إلى غايته.. وهم جالسون لا يملكون أيما قدر من الإحساس بشيء اسمه الزمن.

 يموتون دون أن يقدموا أية إضافة أو يضعوا أية بصمة على واجهة الحياة.. فما الذي يفرقهم عن «السحالي»، و«الصراصير»؟

 ملايين «الصراصير» تموت يوميًّا دون أن يحس بها أحد.. وهؤلاء أيضًا يدلفون إلى الموت دون أن يحس بهم أحد.. حياة بهيمية، تصير فيها مطالب الجسد: الطعام والجنس والنوم هي الأقانيم المقدسة التي لا راد لنداءاتها.. وتغيب فيها.. وتتلاشى نهائيًّا قيم الروح والوجدان.. هنالك حيث يتسطح الإنسان فيغدو كائنًا ينطوي على الطول والعرض، وليس ثمة وراءهما أي عمق على الإطلاق...

ما هكذا أرادها الله سبحانه للإنسان الذي حمله في البر والبحر ورزقه من الطيبات، وفضّله على كثير من خلقه تفضيلا..

ما هكذا أرادها الله للإنسان، وقد أضاف -سبحانه- إلى قبضة الطين في تكوينه، نفخة الروح، وأخرجه في أحسن تقويم.

ما هكذا أرادها له وقد جعله خليفة في الأرض لإعمارها وترقيتها من أجل أن تكون البيئة الصالحة لعبادة الله سبحانه.. وهي الهدف المركزي من خلق الإنسان في هذا العالم ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (الذاريات: 56، 57، 58).

ما هكذا أرادها له وقد خلقه لكي يمشي في مناكب الأرض، يبني ويزرع ويعمر ويدعو، ويكافح ويجاهد ويذكر الله صباح مساء.

إن الحالة التي نتحدث عنها محزنة حقًّا؛ لأنها حيثما أدرنا حولها المنظور، انشقاق على الفطرة التي فطر الله الناس عليها.. على الحقيقة الكبرى التي تكمن وراء خلق الإنسان على الوظيفة التي أريد له أن يحملها والأمانة الكبرى التي كلف بها.

ولعله لحكمة يريدها الله سبحانه أن تشهد الحياة الدنيا هذا النمط من الإنسان - «الصرصور» الذي ينتشر على سطح الحياة كالبقع السرطانية من أجل أن تبدو وتتميز قيمة الإنسان - الإنسان الذي ترتفع قامته عاليًا وهو يمارس وظيفته التي كلف بها، ويمضي قُدمًا، محملا بألف خبرة روحية لكي يمنح حياته مغزى وهدفًا...

فبدون المغزى وبدون الهدف تصبح الحياة الدنيا شيئًا لا يستحق أن يعاش!

الرابط المختصر :