العنوان «تحرير الإسلام» على المستوى الشعبي والرسمي ضرورة لإنقاذ الأوطان وتوحيد الأمة
الكاتب أ.د. حلمي محمد القاعود
تاريخ النشر السبت 25-أغسطس-2007
مشاهدات 25
نشر في العدد 1766
نشر في الصفحة 52

السبت 25-أغسطس-2007
يبقى لنا في ختام هذه الرحلة السريعة والخاطفة حول «الإفراط والتشدد»، الإشارة إلى أن خصوم الإسلام، والمطالبين برأسه كثيرون، في الخارج والداخل على السواء، في مقدمتهم تلك النخبة من المثقفين الذين أرغمتهم الماركسية على التقاعد بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وانفراط عقد المنظومة الشيوعية العالمية.
إن هؤلاء قد تحولوا إلى دعاة للاستعمار الصليبي الأمريكي، يطلبون من الأمة الانبطاح أمام الإرادة الصليبية الاستعمارية والتسليم لها بمقدراتنا وثرواتنا وديننا..
هذه النخبة التي تظاهرها مجموعات العلمانيّين والطائفيين، والمنتفعين، تدعم بلا شك النظم الاستبدادية القمعية في العالم العربي والإسلامي، وتستفيد في المقابل من هذه الأنظمة مادياً ومعنوياً، ولا تجد غضاضة في ذلك، بعد أن تخلت عن كل الدعاوى التي تخصّ الحرية والديمقراطية والمساواة والعدل، كما لا تجد حرجاً في التعبير عن انقلابها المخزي على ماضيها، بأنه ترتيب للأولويات، وضرورة المراجعة.. وكنا نأمل أن تكون هذه المراجعة وتلك الأولويات في سياق تصحيح الموقف من الإسلام، ولكنها للأسف راحت تصبّ في سياق الانتهازية والمنفعة.
ولا شك أن الهجمة الصليبية الاستعمارية الجديدة التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد الإسلام، واحتلت من خلالها، حتى الآن أفغانستان والعراق، وأخضعت ليبيا وحكومات البلاد العربية لإرادتها وهيمنتها، قد استهدفت الإسلام بنياناً فكريا ونسقاً معرفياً ونهجاً ثقافياً، وذلك بالدعوة إلى إخراجه وإقصائه أو استئصاله من مناهج التعليم في مدارس التعليم العربية، بل والجامعات الإسلامية العريقة، وإحلال النمط الثقافي الصليبي الوثني محله.. وقد بادرت دول عديدة بالانصياع للإرادة الصليبية الاستعمارية، وسارعت إلى تعديل المناهج الدراسية في التعليم العام والجامعي.
أضف إلى ذلك محاصرة الدعوة الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية عن طريق سنّ القوانين التي تمنع العمل الخيري الإسلامي أو تقيّده بحجة تمويله للإرهاب والتطرف، وإغلاق الصحف الإسلامية، وتحريم المنابر في المساجد الحكومية والأهلية على الدعاة الذين لا ترضى عنهم السلطات المستبدة. فضلاً عن تفريغ الإعلام ــ وخاصة التلفزة ــ من المواد التي تنمى الوعي بالإسلام وتضيء جوانبه وتشرح مقاصده.
لقد اتخذت الهجمة الصليبية الاستعمارية منهجاً خبيثاً في تعاملها مع الجانب الفكري والعقدي في الإسلام؛ إذ طلبت من الحكومات المعنية في العالم الإسلامي، تعديل ما يُسمى بالخطاب الديني. وكانت تقصد بالطبع الخطاب الديني الإسلامي وحده دون غيره، فلم تطلب تعديل الخطاب الديني اليهودي الذي يقوم على الخرافة والأسطورة لطرد العرب من أراضيهم وبيوتهم، وإحلال الغرباء القادمين من كل مكان محلّهم، واستخدام العنف والدم لإقامة مملكة داود والشعب المختار، على أشلاء الأبرياء والمظلومين من أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى، ولم تطلب تعديل الخطاب الديني المسيحي، الذي يتبناه المتعصّبون الغلاة من أبناء بعض الطوائف في العالم العربي، مثل الطائفة المارونية التي قام بعض أبنائها بالاستقواء بالأجنبي الاستعماري، وعملوا على سلخ لبنان أو أجزاء منه تحت مسمى «لبنان الحر»، وكانت تجربة «سعد حداد»، وخليفته «أنطوان لحد» أبرز الأمثلة في هذا السياق.
وقد رأينا أن فكرة تعديل الخطاب الديني الإسلامي، لا محل لها إزاء ما يتعرّض له الإسلام على أيدي المستعمرين وصنائعهم في البلاد الإسلامية، من نفي واستعباد واستئصال، إذ لا وجود للإسلام في الواقع العملي لكثير من الحكومات، فضلاً عن قيام معظم هذه الحكومات بمحاربته وملاحقة الدعاة ومحاكمتهم تحت حجج شتى، مع استشراء موجة تعذيب الإسلاميّين على مدى نصف قرن مضى أو يزيد، مما دفع ببعض الشباب إلى العنف الذي كان يُقابل بعنف أشد، فكانت الخسارة على الجميع فادحة وخطيرة.
إن «تحرير الإسلام» يقتضى زيادة الوعي بالإسلام، لتخليصه من العناصر والقوى التي تعمل على نفيه واستبعاده واستئصاله، سواء كانت قوى خارجية أو داخلية، وهو ما يعني تضافر الجهود المخلصة الواعية لبناء أجيال إسلامية مخلصة وواعية، تملك الفهم الصحيح، والإدراك الناضج، والفكر المضيء، والعمل الدؤوب، لإعزاز الإسلام والمسلمين جميعاً.
إن الأمل في الله كبير، ثم في رجال الأزهر الشريف ورجال الدعوة المخلصين في كل مكان من الذين لا يبحثون عن الدنيا بقدر ما يبحثون عن الدين، ويعملون لله أكثر مما يعملون للسلطان.
هؤلاء الرجال منوط بهم الحركة من أجل إصلاح الأزهر وتصحيح مساره، والارتفاع بمستواه، كي يؤدى دوره في قيادة الأمة الإسلامية، ويستعيد مكانته التي أهدرها علماء السلطة وفقهاء الشرطة. لقد كان الأزهر جامعة علمية تتوافر على دراسة العلوم الإسلامية والآداب العربية، فكانت تخرّج شباباً فاقهاً لدينه، عارفاً بلغته، واعياً بدوره، ناشطاً في مجاله، مسلحاً بالمعرفة العميقة والثقافة الواسعة، وهذا ما نرجو أن يتحقق في المستقبل القريب إن شاء الله، لأن هؤلاء هم الذين سيحرصون على هويّة الأمة، وهم الذين سيدافعون عنها بحفظهم للقرآن الكريم واستيعابهم للحديث الشريف وتخصصهم في اللغة العربية وآدابها، فلا يصمد أمامهم دعيّ أو علماني أو يساري، ممن أباحوا لأنفسهم استباحة الإسلام وعلومه، وحشروا أنفسهم فيما لا علم لهم به، لخدمة أغراض شيطانية تخصّ السلطان أو الاستعمار أو هما معاً.
إن الشباب الأزهري المرتجى، هو الذي سيعلّم في المعاهد والمدارس، وهو الذي سيكتب في الصحف والمجلات ويُحررّها وهو الذي سيذيع في الإذاعة والتلفزة، وهو الذي سيتناول الإسلام على المنابر.. وهو من بعد ومن قبل؛ سيحمل رسالة الإسلام الوسطىّ الذي يبرأ من الإفراط، والتفريط، ويقود الأمة في مواجهتها للجهل والتخلف والضلال والعجز والهزيمة.
تحرير الإسلام على المستوى الشعبي والرسمي ضرورة لإنقاذ الأوطان وتوحيد الأمة، تحت الراية الإسلامية الظافرة ــ إن شاء الله ــ بعد أن تستعيد عافيتها في الحرّية والشورى والعدل والمساواة والأخوّة واحترام آدمية الإنسان..
لست من المتشائمين، ولست أيضاً من المفرطين في التفاؤل، ولكنى واثق من قدرة الحق سبحانه وتعالى على هداية من يحبّ، والإتيان بمن ينصر دينه ويعزّ أتباعه، { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (38)}(محمد) صدق الله العظيم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالإفراط والتشدد في القضايا الفرعية.. عبث لا يحقق مقاصد الدين
نشر في العدد 1764
31
السبت 11-أغسطس-2007


