العنوان نحو مجتمع أفضل: التشكيل الوزاري الجديد في السعودية ودور الكفاءات
الكاتب مشاري البداح
تاريخ النشر الثلاثاء 21-أكتوبر-1975
مشاهدات 37
نشر في العدد 271
نشر في الصفحة 8
الثلاثاء 21-أكتوبر-1975
نحو مجتمع أفضل: التشكيل الوزاري الجديد في السعودية ودور الكفاءات
في الأسبوع الماضي أُعلن التشكيل الجديد للوزارة السعودية حيث تكوَّنت الوزارة من ٢٤ وزيرًا ضمَّت من بينهم ثمانية وزراء من حَملة الدكتوراة في مختلف فروع العلم والمعرفة، ونحن في كلمتنا هذه لا نقصد الإطراء ولا المديح وإنما نسجل ملاحظة جديرة بالاهتمام، فنقول إن تعيين هذا العدد الكبير من حَملة الشهادات العلمية المالية في الوزارة السعودية له أكثر من مغزى ودلالة.
●أول مغزى يتبادر إلى ذهن الإنسان أن للكفاءات العلمية مكانةً واهتمامًا ترجما إلى حقيقة وهي تقليد هذه الطليعة المثقفة هذه المناصب القيادية المهمة.
●إن المناصب السياسية العليا ليست مقصورة على ذوي المراكز الاجتماعية الكبيرة فحسب.
وإن تحقيق التطور والنهضة في أي بلد نامٍ لا يتم إلا بتطعيم قيادة البلاد بنخبة من حَملة العلم والكفاءة بالإضافة إلى الإخلاص والاستقامة.
وهذا شيء طبيعي فهذه الأعداد الهائلة من الشباب التي صرفت الدولة عليهم الكثير من أموالها وجهودها في جميع مراحل التعليم حتى وصلوا إلى أعلى المراحل الجامعية ليس من العقل وليس من المصلحة العامة إهمالهم أو عدم تبويئهم المكانة اللائقة بهم في قيادة نهضة الأمة.
والأحرى بدولة مثل الكويت التي تعتبر بحق من أولى دول شبه الجزيرة العربية في الاهتمام بالعلم والثقافة -أقول- إنه أحرى بالكويت أن تكون رائدة في تقدير المتعلمين وإعطائهم المكانة المرموقة في قيادة البلاد، ولكن المستعرض لأوضاع الكويت الآن يرى -وللأسف الشديد- أن المقاييس قد انتكست وأصبحت البلاد تعيش في وضع غاية في الغرابة فتكونت اعتبارات أخرى بعيدة كل البعد عن الواقعية والموضوعية تتحكم في تسيير دفة الأمور في البلاد.
فهنا استبدلنا انتماءات الشخص ومركزه الاجتماعي والاقتصادي بالمؤهل العلمي حتى أصبحت المناصب القيادية العليا في البلاد حِكرًا على مجموعة محدودة من الأفراد وكان الأمر يتعلق بشركة مساهمة مقفلة.
والمستعرض للوضع في بلدنا يرى ذلك بكل وضوح سواء على مستوى الوزارة أو على مستوى المناصب القيادية في الوزارات والشركات الكبرى بينما في البلاد نخبة من المثقفين ومن حملة الشهادات العلمية العالية، ولكنهم منزوون رغمًا عنهم في بعض أركان المؤسسات العلمية.
ولقد انعكس هذا الوضع على واقع البلاد فتعثرت مسيرتها وأصبحت تنتابها
اضطرابات اجتماعية واقتصادية هي نتيجة حتمية لوضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب له.
فالاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية للفرد لا يمكن الاعتماد عليها في تحديد
مسيرة بلد نامٍ كالكويت متطلع إلى نهضة حضارية بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وذلك لأن الحضارة انعكاس لتقدم البلاد في مضمار العلم والثقافة والوعي، وهذا ليس له أي علاقة البتة بانتماءات الأفراد اجتماعيًّا وماليًا.
وقد كنت قد تحدثت سابقًا عن الحاجة الماسة لإعادة النظر سريعًا جدًّا في الأسلوب المالي المُتبع في تسيير سياسة البلاد الإنمائية والتطويرية.
وأكدت على ضرورة اتباع الأساليب العلمية الحديثة في التخطيط المسبق لجميع شؤون حياتنا المادية حتى لا تُفاجأ البلاد بكوارث وأزمات تَعوق تطورها ونموها.
وفي اعتقادي أن أحد الأسباب الرئيسية المعوقة لتوجه البلاد إلى اتباع الأساليب العلمية الحديثة في مسيرتها الحضارية هو الاعتبار السابق ذكره فيما يتعلق بعناصر القيادة الإدارية في البلاد، ففاقد الشيء لا يعطيه، أي أن الإنسان غير المدرك لمكونات وأسس التطور والحضارة لا يمكن أن يُسهم في أحداث هذا التطور وعليه فإنه أصبح لزامًا علينا أن نُدرك ذلك الأمر الهام ونعيد النظر في الأسلوب المتبع حاليًا في توزيع المناصب القيادية الإدارية في البلاد إذا كنا فعلًا جادين في رغبتنا في نهضة الكويت وتقدمها.
ونحن لا نقول بأن كل إنسان يحمل مؤهلًا علميًّا عاليًا يصلح لتولي منصب قيادي كبير، كما أننا لا نقول أيضًا بأن كل إنسان لا يحمل مؤهلًا علميًّا عاليًا لا يصلح للقيادة، بل إن الموازنة في هذا الأمر ضرورية جدًّا فلا يعقل أن يكون جميع المؤهلين غير قادرين على القيادة، والكويت تحتوي اليوم على كفاءات جيدة ولكنها معطلة لا يُستفاد منها، وهذه في المشكلة العظمى ليس في الكويت فحسب وإنما في جميع البلاد العربية، فالفرد العربي المتعلم يجد وبكل سهولة التقدير والاحترام في البلاد التي تدرك معنى العلم والمعرفة وهي البلدان المتقدمة علميًّا وتكنولوجيا بينما البلاد العربية تتصرف مع ذوي الكفاءات العلمية وكأنهم دُخلاء عليها أو منافسون للمتنفذين فيها على مناصبهم وقياداتهم.
أرجو أن يكون قد آن الأوان لإعادة النظر في مسيرتنا ودفعها إلى الوجهة السليمة؛ فالتحديات الحضارية التي تواجه أمتنا والمكانة الدولية التي ينبغي أن تتبوأها هذه الأمة صارت تَلِح علينا أكثر من أي وقت مضى لإدراك مسؤولياتنا وهذا لا يَتَأَتَّى إلا بالتفاعل الإيجابي مع تطورات العصر ومتطلباته التقنية والإدارية.
حول اختيار رئيس تحرير جديد لمجلة «العربي»
لم نفاجأ بوفاة المرحوم الدكتور «أحمد زكي» بقدر ما فوجئنا بالسرعة الفائقة في تعيين خليفة له في رئاسة تحرير مجلة «العربي» وكأن الأمر يتعلق برئيس دولة يتطلب أمنها واستقرارها سرعة البَت بأمر خليفته.
فالمتتبع لأخبار المرحوم الدكتور «أحمد زكي» يعلم أن الرجل كان يقاسي من المرض لفترة طويلة جدًّا تعد بالسنوات، وأنه في الفترة الأخيرة من عمره لم يكن يُمارس مسؤولياته في مجلة العربي بصورة منتظمة.
والمفاجأة الأشد من سابقتها هو ما تحدثت عنه الصحف الكويتية عن عزم وزارة الإعلام على تعيين «أحمد بهاء الدين» كرئيس تحرير جديد، وذهولنا الأخير له أكثر من سبب ومبرر:
●أولًا: إن «العربي» مجلة علمية أدبية ثقافية لها صبغة حيادية بعيدة عن مجال السياسة العربية المضطربة، لقد كان المرحوم الدكتور «أحمد زكي» بما أوتي من علم وخبرة ومركز أدبي في العالم العربي يتناسب -في هذا الجانب- ورئاسة تحرير هذه المجلة.
أما «أحمد بهاء الدين» فرجل ذو اتجاه سياسي معروف، ولقد كان منذ شبابه وما زال يمثل في فكرة الاتجاه اليساري الاشتراكي بل هو محسوب على هذا الاتجاه السياسي.
فكيف يُعقل أن تستدعي الكويت البلد ذو الاتجاه الديمقراطي الحر رجلًا له هذه الصبغة السياسية لرئاسة تحرير مجلة ذات طابع علمي وحيادي؟
هذه الخطوة -إن طُبِّقت- ضارة بالكويت أولًا؛ إذ إنَّه سيُفهم منها أن الكويت تعطف على هذا الاتجاه اليساري وتتبنى دعاته، مع العلم بأن واقع الكويت يتناقض مع هذا الاتجاه،
كما أن هذه الخطوة ثانيًا ستضر بمجلة «العربي» نفسها لأن بعض الدول العربية لا تنسجم سياستها وما يمثله الفكر السياسي «لأحمد بهاء الدين» وقد يؤدِّي ذلك إلى منع توزيع هذه المجلة في هذه الدول وامتناع كثير من القراء العرب الذين لا يرتاحون لهذا الخط السياسي، عن قراءتها وقد يقول قائل إنه من المفروض لأي رئيس لمجلة «العربي» أن يلتزم بخطها وأسلوبها الحيادي، ولكن هذا القول غير واقعي؛ إذ إنك لن تستطيع بسهولة تغيير أسلوب الإنسان في التفكير والتعبير، ولعل كثيرًا من القُرَّاء قد لاحظوا أنه حتى المرحوم الدكتور «أحمد زكي» الرجل العالم الأديب قد مال سياسيًّا إلى موقف معين في بعض كتاباته الأخيرة اهتزت على إثره صورة المجلة ولم يقابل هذا الميل برضى من كثير من الناس.
فكيف سيكون الحال إذا أتينا لمجلة «العربي» بإنسان يشهد الجميع بأنه يمثل اتجاهًا سياسيًّا مُحَدَّدًا يتَّضح من خلال كتاباته في الصحف المصرية
والعربية.
وهنا لا بد من أن نُبدي عدم ارتياحنا أولًا للعجلة التي سلكها المسؤولون في وزارة الإعلام في تعيين رئيس جديد لمجلة «العربي» وثانيًا لاختيار شخص يحمل أفكارًا سياسية تتعارض ومعتقداتنا وأسلوبنا في الحياة، وعدم ارتياحنا هذا له ما يبرره؛ إذ إن المجلة لن تتوقف إذا ما أُرجئ تعيين هذا الرئيس لبعض الوقت كي يتسنَّى للمسؤولين دراسة الأمر بروية وتبادل المشورة، بل إن المجلة عمليًّا كانت دون رئيس تحرير لفترة طويلة أثناء مرض الرئيس السابق ولم تتعطل المجلة عن الصدور ولم يتأثر بذلك مستواها العلمي أو الأدبي ولم تهتز مكانتها في العالم العربي، فلماذا إذا هذه العجلة.
●ثانيًا: إن المنهج الذي أنشئت على أساسه هذه المجلة وسارت عليه كما ذكرنا سالفًا منهج ذو طابع علمي وحيادي بعيدًا عن مجال السياسة، وهذا في الحقيقة هو سر نجاحها، وفي اعتقادنا أن أي عربي يعين كرئيس جديد لمجلة العربي لن يستطيع مهما بذل من محاولات أن يُحَقِّق الحياد الذي تتطلبه هذه المجلة خصوصًا في الظروف الحالية التي تعيشها الأمة العربية كنتيجة لاختلافات وجهات النظر في السياسات الخارجية والداخلية.
إنما الكويتي بحق سيكون أقدر العرب على الاقتراب من الحياد، ولا أقول الحياد الكامل وذلك أولًا لأن السياسة التي تنتهجها دولة الكويت منذ استقلالها سياسة حيادية فيما يتعلق بالقضايا السياسية العربية.
وثانيًا لأن الكويتي إدراكًا منه بأن مجلة «العربي» هي هدية بلاده إلى العالم العربي ومساهمة فعالة منها في تكوين مناخ وِحدَوي عربي في مجالات العلم والثقافة والأدب سيشعر أكثر من غيره بالالتزام الكثير لهذا المنهج الذي اختطته مجلة «العربي».
ثالثا: إن حاضر الكويت ليس كماضيه، فقد يجد الإنسان العذر للمسؤولين في وزارة الإعلام الكويتية عندما لجأت لكفاءة غير كويتية لتولي رئاسة تحرير مجلة العربي عند صدورها عام ١٩٥٩، ولكن الوضع الآن وبعد مرور حوالي ١٦ سنة قد تغير تمامًا، ففي الكويت الآن كفاءات جيدة على مستوى علمي وثقافي كبير يؤهلها تمامًا لتولي مثل هذه المسؤولية، فلماذا لا نستفيد من هذه الكفاءات الوطنية، فما أجمل أن تصدر مجلة العربي في الكويت برئيس تحرير كويتي، وهذه خطوة طبيعية يتطلبها واقع الكويت، هذا بالإضافة إلى أن قانون المطبوعات الكويتي ينص على أن يكون رئيس تحرير أي صحيفة أو مجلة كويتية كويتيًّا، فلماذا إذا تُستثنى مجلة «العربي» من هذا النص القانوني؟
كما أن المجلة الآن قد وصلت القمة في مستواها العلمي وسواء أتينا بكويتي أو غير كويتي لرئاسة تحريرها فإن ذلك في الحقيقة لن يرفع من مستواها لأنه قد وصل إلى الحد الأعلى.
وأخيرًا إذا كان المسؤولون في وزارة الإعلام مُصِرِّين على تعيين شخصية
عربية بارزة في جهاز تحرير هذه المجلة لأسباب لا نعرفها فليكن ذلك لمنصب مدير التحرير على أن تشغل رئاسة التحرير كفاءة كويتية.
هذا مع التأكيد على أنه من الضروري جدًّا أن يكون مدير التحرير شخصًا
لا يمثل اتجاهًا سياسيًّا مُعينًا وعلى مستوى جيد من الكفاءة العلمية والأدبية والثقافية.
والله ولي التوفيق.
الرابط المختصر :
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل