; موضوع الغلاف: 1756 | مجلة المجتمع

العنوان موضوع الغلاف: 1756

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر السبت 16-يونيو-2007

مشاهدات 11

نشر في العدد 1756

نشر في الصفحة 6

السبت 16-يونيو-2007

القدس.. 40 عامًا في قبضة الأفعى

ملف خاص

لم تعد الأرض هي الأرض، ولا أصحاب الديار هم أصحابها، فالأرض تمزقت إلى كانتونات ومستوطنات، وجدار عنصري.. والديار هدمت، والمعالم تغيرت من عربية إسلامية أصيلة.. إلى يهودية صهيونية دخيلة، وأصحاب الديار من العرب شردوا شر تشريد، حتى أصبحوا أقلية بعد أن كانوا أغلبية، ومن بقي منهم يلاقي التضييق والضغوط والسجون وانتهاك الحقوق والتدمير اللاأخلاقي، عبر إغراق المدينة بالمخدرات.

لكن القدس رغم نسيان العرب والمسلمين لها، إلا من رحم ربك مازالت شامخة صامدة تقاوم تلك العواصف الهوج، بكل ما أوتيت من إيمان وصبر وقوة، بقيادة رجال ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب: 23).

ذلكم هو حال القدس الشرقية بعد ٤٠ عامًا من الاحتلال الصهيوني، وهو نفسه حال القدس كلها «الشرقية والغربية» بعد أكثر من ٦٠ عامًا من الاحتلال.

فماذا جرى للأرض؟ وماذا يجري اليوم على البشر والحجر والتاريخ؟

هذا الملف الذي يكتبه علماء ودعاة وخبراء تخصصون من داخل القدس - والذي سنواصل فتحه العدد القادم إن شاء الله- يقدم دراسات وافية عن مخططات التهويد والتهجير الصهيونية.. ومخطط تدمير شبابها، ويكشف في أي الأجواء يخوض أهلنا في القدس ملحمة الصمود.

شعبان عبد الرحمن

ملف خاص ٤٠ عامًا على ضياع القدس

تحرير الأوطان من الاستعباد والاستعمار..

الطريق لتحرير القدس

محمد مهدي عاكف (●)

(●) المرشد العام للإخوان المسلمين

بينما حملات التهويد والتشويه والهدم مستمرة بحق المقدسات الإسلامية في القدس الشريف المحتلة وفي فلسطين بأكملها، وبينما المؤامرة على أشدها على هوية الأمة وحاضرها ومستقبلها، تستعيد الذاكرة العربية والإسلامية ذكرى شديدة الوطء على نفس كل عربي ومسلم شريف وحر، وهي ذكرى اكتمال احتلال فلسطين والقدس في يونيو من العام ١٩٦٧م.

إنّ ما جرى في يونيو الحزين لا يزال حاضرًا وبقوة في نفس كل عربي ومسلم، حتى بين أبناء الجيل الذي ولد بعد الهزيمة ولم يعشها، إلا أنه لا يزال ليونيو هذا في كلّ بيت يتيم وأرملة وأم ثكلى لا تزال تبكي ولدها الذي ضاع ضحية الإجرام الصهيوني من جهة، والاستبداد الذي يحكم بلادنا من جهة أخرى.

إنّ يونيو الحزين لا يزال شاهدًا علينا بكآبته وجهامته ورماله الصفراء الساخنة التي ارتوت من دماء أبنائنا، وضمت رفاتهم الطاهر؛ حيث استشهدوا في حرب لم يخوضوها، وماتوا وهم لا يعلمون لماذا ماتوا.

إنّ هذه الذكرى المؤلمة تزداد ألمًا على ألم عندما نراجع الآن حال الأمة، ونرى نزيف الدماء في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال، ونرى رياح الحقد الأسود وقد امتلأت أشرعتها بالهواء الفاسد المسموم في حرب صليبية جديدة، اعترف بها أعداء الأمّة ولم ندعها عليهم.

والآن والحفارات الصهيونية تفتش تحت الأقصى عن تاريخ موهوم، وتراث وأساطير مزعومة نسترجع انتصارات عمر وصلاح الدين التي حافظت لنا على مر أكثر من ١٤ قرنًا من الزمان على الحرم الشريف أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين: مسرى رسول الله ﷺ. قال رب العزة سبحانه: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الإسراء: 1).

ونسأل أنفسنا: لماذا ضاعت القدس؟ وكيف فقدنا فلسطين؟ ونسأل من يدفع ثمن حريق الأقصى ومنبر عمر؟ وكيف نستعيد القدس هويتها العربيّة الإسلاميّة التي بدأ العدو الصهيوني في حصد ثمار تغييرها وتهويدها؟

كلها أسئلة يجب على شرفاء الأمة الوقوف أمامها طويلًا ليس في الذكرى الأربعين ليونيو الحزين، ولكن في السنوات والعقود المقبلة لوضع خريطة طريق حقيقية هذه المرة؛ لاستعادة أملاك الإسلام من بين أيدي غاصبيها.

إنّ معركة تحرير القدس وفلسطين لن تتم إلا بتحرير الإنسان والأوطان من هوان الاستعباد والاستبداد والاستعمار، ولن تتم إلا بالأخذ بأسباب القوة والمنعة، قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (الأنفال: ٦٠).

ولن تكون المعركة سهلة بشقيها: معركة الإصلاح الداخلي، ومعركة استرجاع الوقف الإسلامي في فلسطين من النهر إلى البحر.

فكما لا تنفصل عوامل الاستبداد الداخلي عن الاستعمار الخارجي في أسباب هزيمة الأمّة وتراجعها الحضاري الذي أدّى إلى فقدان قدس الأقداس الإسلاميّة، لا تنفصل أيضا معركة إصلاح النفس من الداخل عن معركة عدو الخارج.

وكما حفل القرآن الكريم والسُنة النبويّة الشريفة بآيات وأحاديث الجهاد والدعوة للمقاومة والأخذ بأسباب القوة حفلا أيضًا بالدعوة إلى الإصلاح، فالجهاد الأكبر هو جهاد النفس، أي إصلاحها، كما قال الرسول الكريم، وقال تعالى في الكتاب المبين:

﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ

 (هود: 88).

وعندما نتحدث عن معركة استرجاع القدس يجب أن نعلم أنها ستكون معركة شرسة مع عدو مجرم لا يرحم، مما يحتاج إلى الصبر والثّبات من كل عنصر من عناصر الأمة، سينذر نفسه للمعركة الكبرى مع العدو الصهيوني ومن يدعمونه من قوة الاستكبار والبغي العالمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة: 153).

وطاعة الله سبحانه، ورسوله في هذه واجبة واجبة، قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

 (الأنفال: 46)، وقال عز وجل أيضا في سورة آل عمران ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران: 200).

ورسالة إلى كل حكام الأمة، ستسألون من لدن حكيم خبير عن الأمانة التي ضُيّعت، والأرض المقدسة التي سُلبت، فاتقوا الله ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (البقرة: 48).

من فرّط في القدس يوشك أن يفرّط في الكعبة والمسجد الحرام

د. يوسف القرضاوي

مرور أربعين عامًا على احتلال القدس هي ذكرى أليمة وحزينة، سميتها في كتاب لي النكبة الثانية؛ لأن النكبة الأولى كانت سنة ١٩٤٨م، والتي شردت الفلسطينيين، وأخرجتهم من ديارهم، وقامت دويلة «إسرائيل»..

كانت نكبة كبرى؛ إذ استطاعت «إسرائيل» خلال ساعات احتلال سيناء والجولان، وغزة، والضفة الغربية، والقدس الشريف، وأخذت هذه الهزيمة «ما بين القنطرة والقنيطرة». وكان من آثار هذه النكبة أن فلسفة السياسة العربية تغيرت تمامًا، فكانت قبل النكبة تعتبر «إسرائيل» مغتصبة وليس لها حق، ولكن بعد النكبة تغيرت السياسة وأصبحت فلسفتنا «إزالة آثار العدوان الغاشم»، وعادت الأحوال لما كانت عليه قبل ١٩٦٧م، كان عدوان ١٩٦٧م أضفى الشرعية على عدوان ٤٨، فأصبح عدوانًا مسكوتًا عنه، وليتنا أزلناه!

إن من فرّط في الأقصى يوشك أن يفرّط في الكعبة والمسجد الحرام، فالله ربط بينهما رباطًا أبديًّا.

وما يشد أزر الصهاينة في ذلك، ويقوّي عضدهم التنازع الفلسطيني والعجز العربي والوهن الإسلامي والتواطؤ الأوروبي، والغياب العالمي والمساندة الأمريكية، فالمال والسلاح الأمريكي جعل «إسرائيل» تعربد في المنطقة كيفما يحلو لها.

الفلسطينيون قدموا الغالي والنفيس بأرواحهم ودمائهم.. شيوخهم وشبابهم.. قدموا الدماء رخيصةً من أجل وطنهم.. قدموا آلاف الشهداء والسجناء والمعتقلين.. دخلوا اللعبة الديمقراطية، واختاروا حكومتهم بكامل إرادتهم، ونجح الإخوة في حماس، ولكن الغرب حارب خيار الشعب وحاصره، وجوعه، وقهره، فأين الديمقراطية؟ وأين الحرية؟ وأين حقوق الإنسان؟!

علينا نحن العرب مسلمين ومسيحيين، قوميين وإسلاميين، مناداة أحرار العالم لرفض العدوان والأعمال الوحشية.

علينا الوقوف مع إخوتنا من أبناء فلسطين، ضد الظلم والطغيان، وأن نشد أزرهم بكل ما تستطيع؛ لأن ما يطلب منا ليس تبرعًا، ولكنه جهاد بالمال.

علينا تزويدهم بالمال عن طريق الزكاة وغيرها، مثل أموال الوقف والصدقات، وأي مال فيه شبهة «يجوز التبرع به».. علينا الاستمرار في مقاطعة الأعداء وبضاعتهم.

وأقل ما ينبغي أن تكون معهم بالعون الروحي، فندعو الله لهم أن يفتح لهم فتحًا مبينًا، وأن ينصرهم نصرًا عزيزًا.

ويجب على شعوبنا أن تترك النزاع، وأن تصدق مع الله ولو مرة واحدة، وذلك مصداقًا لقول العزيز: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ (الصف: 4).


الأقصى ينادينا.. فهل من ملبّ للنداء؟!

الشيخ أحمد القطان (●)

(●) الداعية الإسلامي المعروف.

القدس والأقصى قرآن يُتلى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

(الإسراء: 1).

وهل نتبرأ من القرآن حتى نهجر القدس والأقصى؟ فحرمة الأقصى عندنا من خلال هذه الآية كحرمة البيت الحرام، ومكانته كمكانة المسجد الحرام، فهما هنا قرينان:

﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾.

وكما نقول للمسجد الحرام، إذا رأيناه: اللهم زد هذا البيت مهابةً وتشريفًا وتعظيمًا.. فكذلك نقولها للقدس والأقصى: الآن تشد إليه الرحال كما تشد إلى البيت العتيق، والآن تشد قلوبنا الرحال إليه وغدًا نشد الرحال، وتسعد أرواحنا. وإن غدًا لناظره قريب، يوم ترفرف عليه راية التوحيد تحت صيحة الله أكبر.

زلزليهم يا قدس فاليوم عيد

                                  لا يفل الحديد إلا الحديد

نعم، هذه حقيقة، فقد جاء جيش الرومان في غزوة مؤتة بمائتي ألف مقاتل يطبق من كل جانب كالليل المظلم على ثلاثة آلاف من المسلمين، قدموا أرواحهم، فصار المولى زيد بن حارثة يطير بسرير من ذهب إلى الجنة، وتبعه السيد القرشي جعفر الطيار بسرير آخر، وجناح أحمر.. اللون لون الدم وريح المسك، وتبعهم شاعر

الأنصار عبد الله بن رواحة، بعد تردد وخطرات قلب كطرفة العين، فأقسم على نفسه قسمًا لا يحنث فيه:

أقسمت يا نفس لتنزلنه أو لتكرهنه

فقد أجلب الناس وشدوا الرنه

ما لي أراك تكرهين الجنه!

هذا حمام الموت قد صليتِ

وما تمنيت فقد أعطيتِ

أن تفعلي فعلهما هديتِ

فطار على سرير من ذهب، لكن التردد القليل جعل فيه اعوجاجًا وانحرافًا، فماذا نقول ولا نزال نقدم للأقصى رجلًا وتؤخر أخرى، نجاهد أو لا نجاهد؟ نبذل أو لا نبذل؟ نصبر أو لا نصبر؟! ندعو أو لا ندعو؟!

إن الأقصى الآن ينادينا بمرور ٤٠ عامًا في ذكرى نكبته وأسره، فهل من ملب للنداء؟ هل سنحاكم أنفسنا كما حاكمها ابن رواحة؟ لقد حرك النبي ﷺ إلى الرومان المحتلين للأقصى ثلاثة آلاف مقابل ۲۰۰ ألف، ونحن اليوم مليار ونصف المليار واليهود من خوفهم جعلوا بيننا وبينهم جدارًا، ألا نعرف كيف نوحد الصف، ونصلح ذات البين والكتاب واحد والرب واحد والقائد واحد هو الرسول ﷺ؟!

فمتى نحقق مشروع الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؟


الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل