; الأخيرة- التطابق المدهش ! | مجلة المجتمع

العنوان الأخيرة- التطابق المدهش !

الكاتب أ. د. عبد المنعم الطائي

تاريخ النشر السبت 01-أغسطس-2009

مشاهدات 10

نشر في العدد 1863

نشر في الصفحة 66

السبت 01-أغسطس-2009

إحدى معجزات هذا الدين ذلك التطابق المدهش بين معطيات القرآن والسنة النبوية، وبين الخبرات البشرية في أعلى حالاتها تألقا ومنطقية وتوازنا.

وبمرور الوقت تمضي الخبرات البشرية في هذا الجانب أو ذاك من الحياة صوب المزيد من النضج والاكتمال.. وكلما اقتربت أكثر من سقفها العالي أصبحت أكثر قربا - في الوقت نفسه - من الحالة أو الموقف الإسلامي في المجال نفسه، وقد تصل حد التطابق المدهش حيناً بعد حين.

خذ مثلا تأرجح الخبرة الغربية بشأن التعامل مع المال في الرأسمالية والشيوعية وما بينهما من درجات، ثم استقرارها في عدد من البلدان المتقدمة عند الحالة الوسط التي تلتقي فيها، وتتناغم بتناسب معقول قيم الملكيتين الخاصة والعامة... الرأسمالية والاشتراكية.. وهي الحالة نفسها التي يتسم بها الموقف الإسلامي من المال في خطوطه العريضة والتفصيلية على السواء، وقد عالجت جانبا من هذه المسألة في كتابات سابقة (مقال في العدل الاجتماعي) فلا مبرر لإعادة القول فيه .

الأمر نفسه ينطبق على التأرجح الغربي بين الفردية والجماعية، وبين العدل والحرية وبين القوة والحكمة.. إلى آخر ما هنالك من ثنائيات شتى كانت تصطرع فيما بينها في دائرة الحياة الغربية، فتميل حينا باتجاه هذا القطب وحينا باتجاه ذاك، وفي الحالتين كانت وهي تتقبل الانحياز الكامل للقطب المذكور، تعلن الحرب على القطب الآخر وتلغيه من الحساب.

ولكن عندما كانت الخبرة الغربية تؤوب إلى حالة التوازن والتوافق في هذه المرحلة أو تلك، يحدث ذلك التطابق المدهش مع الخبرة الإسلامية في السياق نفسه ...

إنه - بإيجاز - علم الله سبحانه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مقارنا بعلم العبيد النسبي، الاحتمالي، المتغير، والذي قد تتاح له الفرصة أحيانا لمزيد من النضج والاكتمال بمرور الوقت، وبقوة الجهد والكشف البشريين المتناميين، وحينذاك تتحقق المقاربة وربما التطابق بين الخبرة البشرية والإسلامية. ويأسف الإنسان على هذه المفارقة غير المبررة التي تنطوي على قدر كبير من هدر الجهد والوقت والمال، فيما يمكن تسميته بتجربة الخطأ والصواب للوصول في نهاية الأمر إلى جادة الصواب.. بينما الجادة موجودة بين أيدي البشرية في كل مسالك الحياة، فيما سبق وأن منحته إياها الأديان التي بلغت أقصى درجات اكتمالها في الإسلام ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لكم عدو مبين (60) وأن اعْبُدُوني هذا صراط مستقيم (61) ولقد أضل منكم جبلا كثيرًا أفلم تكونوا تعقلون (62)﴾ (يس)، ﴿فأقمْ وَجْهَكَ للدين حنيفا فطرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) ﴾ (الروم).

والمبدأ نفسه يمضي لكي يتعامل مع خبراتنا الفردية التي تتأرجح ذات اليمين وذات الشمال، والتي نكاد لا نعرف ونحن نسبح في خضمها الخطأ من الصواب، والصحيح من المعوج والمقبول من غير المقبول.

والأمثلة كثيرة لا يستوعبها مقال كهذا، ويكفي أن أشير إلى أن الإنسان في مرحلة مراهقته بوجه الخصوص قد يتمرد على قوانين العائلة وثوابتها المؤكدة دينيا: حنو الأبوة الزائد على الأبناء.. الاحترام المبالغ فيه من الصغار للكبار.. الشبكة المعقدة في التعامل مع الميراث.. لكنه عندما يكبر، ويزداد نضجا واكتمالاً، يجد أن هذا كله قد وضع في مكانه المناسب، وأن نقائضه تمثل خروجا خاطئا على منظومة العلاقات الأسرية. إفشاء السلام.. والكلمة الطيبة.. والبسمة الحانية على الوجوه.. ورد التحية بأحسن منها أو مثلها.. لا يعرف قيمتها الحقة إلا من ذاق مرارة الجفاء والكلمة الجارحة، والوجوه العابسة، والرد على التحية ببرود .

كلنا تعامل مع الحالتين، وعرف بعد اكتوائه بالنار، كيف يوغل علم الله في شرايين النفس البشرية ويمنحها سبل الوقاية التي تغنيها عن العلاج: ﴿ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)﴾ (الملك) ..

الرابط المختصر :