; المِحَن.. وأصحاب الدعوات | مجلة المجتمع

العنوان المِحَن.. وأصحاب الدعوات

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 06-أكتوبر-1987

مشاهدات 23

نشر في العدد 837

نشر في الصفحة 4

الثلاثاء 06-أكتوبر-1987

لقد تعرض كثير من رسل الله وأتباعهم إلى محن بسبب دعوة غيرهم إلى عبادة الله وحده وترك ما يعبدون من دونه، ولقد أخذت هذه المحن صورًا متعددة من الإيذاء الأدبي بإلصاق تُهَم وصفات باطلة والإيذاء البدني بالتعذيب والقتل أو المقاطعة أو إبعادهم من أوطانهم، كما أن المنطق الذي يرفضون به دعوة الحق كان له صور متعددة وكلها باطلة غير مقبولة، فالملأ الذين كفروا من قوم نحو قالوا له ﴿مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ (هود: 27) وأما عاد ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ  مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ﴾ (هود: 53 – 55). هكذا التبرؤ من شركهم والتحدِّي لكيدهم، أما قوم صالح ﴿قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ (هود: 62). هكذا الجمود على ما كان عليه آباؤهم ﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ (هود: 62) والتشكيك فيما يدعوهم إليه صالح عليه السلام.

أما قوم لوط حينما قال لهم ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (الأعراف: 81- 82). كذلك أهل مدين لما دعاهم شعيب ﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ  قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا﴾ (الأعراف: 87- 88). أما الملأ من قوم فرعون هذا المتألِّه ﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ (الأعراف: 109- 110). ولما آمن السحرة برب موسى وهارون وهدَّدهم فرعون بكل ألوان العذاب إذ بالملأ من حوله يحرضونه ضد موسَى وقومه ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ (الأعراف: 127). ولكن منطق الإيمان الراسخ جاء على لسان موسى لقومه ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ  قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ (الأنفال: 128 – 129). 

وحبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم معلوم لدينا ما تعرض له من إيذاء ومن اتهام بأنه ساحر وكاذب وشاعر وكاهن ومجنون وكادوا له وتآمروا عليه صلى الله عليه وسلم ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ (الأنفال: 30). وكلنا يعلم أن كل ذلك ما كان ليحجب دعوة الحق من أن تصل إلى القلوب فتنيرها وإلى النفوس فتزكِّيها، ومع كل هذا الكيد من المشركين واليهود وغيرهم انتشرت دعوة الله وتطهرت الجزيرة من الشرك وأجلى اليهود وتبدد الظلام وعمَّ النور.

وفي عصرنا هذا نجد الدعاة إلى الله تجري عليهم سنَّة الله في الدعوات فيتعرضون إلى ألوان شتَّى من المحن القاسية وما يصحبها من تعذيب وسجن وقتل، وتلفيق للقضايا وإلصاق التُّهَم والأوصاف الباطلة كتبرير أمام الرأي العام لضربهم والبطش بهم، ونراهم يصبرون ويتحملون كما صبر الرسل وأتباعهم وكلهم أمل أن يأتيهم النصر كما أتى الذين من قبلهم فالله تعالى يقول لنبيِّهِ صلى الله عليه وسلم ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الأعراف: 34). ويتوجه القرآن إلى المؤمنين ليعلمهم بسُنَّتِه في الدعوات فيقول سبحانه وتعالى ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ (البقرة: 214). 

أما آن لمن يحاربون الدعاة إلى الله ويؤذونهم أن يعلموا أنهم لن يقضوا بذلك على دعوة الله، ولن يوقفوا المدَّ الإسلامي؟ وهل علموا أن المِحَن تزيد الدعاة إيمانا وتمسُّكًا بدعوتهم؟ وأن شهادة الشهداء في سبيل الله زادٌ ووقود لأصحاب الدعوات وللأجيال على مرِّ العصور والأزمان؟

وهل علموا أن التُّهَم الباطلة والافتراءات لابد وأن يظهر زيفُها إن عاجلًا أو آجلًا، فيتبدى الظلم واضحًا، إن الكذب والافتراء إفكٌ مبين، ويذكرنا ذلك بحديث الإفك ضد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وما أحدثه ذلك من محنة قاسية وسط المؤمنين وعلى رأسهم زوجها صلى الله عليه وسلم، ولكن الله سبحانه وتعالى يوجه القول للمؤمنين مطمئنًا وواضعًا الحق في نِصَابِه ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النور: 11).

وهكذا نتوجه بالقول إلى الإسلاميين الذين يتعرضون إلى المحن والابتلاءات والاتهامات والافتراءات فنقول لهم (اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) و (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ)

الرابط المختصر :