العنوان ساعة مع وزير العدل..
الكاتب جمال النهري
تاريخ النشر الثلاثاء 17-نوفمبر-1970
مشاهدات 10
نشر في العدد 36
نشر في الصفحة 8

الثلاثاء 17-نوفمبر-1970
ساعة مع وزير العدل..
· لم يهزم العرب ولا المسلمون
· لنحذر كمسلمين التخطيط لإمبراطورية يهودية؟
· الإسلام جنسية والمسلم مواطن حينما حل في بلاد الإسلام!
تحقيق جمال النهري
حرية.. حرية.. حرية...!!
· مخلوق اسمه الإنسان يمشي الآن في شوارع الدنيا، تقريبًا بلا اسم، بلا شكل، بلا مضمون، خاو.
تنتابه الحيرة والوحدة ويهدده الضياع.
قزم في غابة ناطحات السحاب والصواريخ والفانتوم والتكنولوجيا، متشرد في تاريخ خبيث تصفعه تقنية إعلام دؤوب، تهرس عقله وتمضغ روحه، تصهره ثم تبصقه تشكيلًا محتقرًا في قالب مصبوب.
· الإنسان، الرحلة الضئيلة بين المهد واللحد.
من صرخة الميلاد لشهقة الموت، حيث يعود وحيدًا غريبًا.
·والحصار..
الحصار.. ذلك ما أحس به في السبخة المستنقعية في هذه البقعة التي نتلوى بها في هذا الجزء من العالم.
واليأس.. هم يریدونه لنا، خصوم هذا العالم.
وكوة الضوء بحثت عنها في الظلمات، وفي إقبال شهر رمضان -شهر القرآن- شهر الحقيقة كما تضوعت بها الأرض منذ أكثر من ألف عام- عثرت عليها، وحملت القرآن.
·وأردت أن أذهب في الواقع أعمق من موقع حذاء يهودي متقدم فوق حدودنا المرتدة من ١٩٤٨ إلى ١٩٥٦ إلى ١٩٦٧!! أريد الحقيقة..
أتمناها..
بعيدًا عن كل ما هو مزيف تحكيه قصة الحياة المطلية بحروف من نفاق وجشع وقسوة.. بحر متلاطم.
الحقيقة: كيف أعثر عليها وهي لا تولد إلا في أحضان الحرية؟
رددت النظر فيما حولي من أطلال تخفي حقيقة الإنسان وتخيفه..
«مدينتي»..
«وطني»..
«عالمي»..
وبلهفة فتحت القرآن.
الكتاب الذي هجرته أمته.
قلبت الصفحات، ها هي ضالتي، متلألئة، فواحة.
·ها هي الحرية والحقيقة في حديقة القرآن.
هنا يتربى العقل المسلم على أسمى مرتكزات الإنسان: الحرية.
ولماذا كان الحوار بين «الله» والملائكة؟
وبين الله والأنبياء؟ وبين الأنبياء والناس؟ الناس مؤمنون وكفار، ولماذا أثبتت حجج المعارضة في الدستور الإسلامي «القرآن»، ثم تولى من بعد الرد عليها؟؟ لماذا ألا أن يكون «الله» جلت حكمته أراد أن يربي «البشر» على الحرية ومن خلالها يكون الاقتناع فالتصرف المسؤول فالحساب من بعد قضاء عادل لا شك فيه.
هذا الإنسان كما أراده الله.
وليس كما خسفته قُوَى الإذلال في الأرض، وهكذا ذهبت بقضية الإنسان أناقشها مع الرجل الذي يحب التفكير والتأمل في شهر التأمل «خالد الجسار» وزير العدل الذي تحس باحترامه يأتيك من تفكيره لا من منصبه، وتحس بحبه من عاطفته الصادقة وليس من الأبهة تحيط به.
فهو إذن لقاء تفكير أكثر منه لقاء في إطار عمل، إنها إذن رحلة في عقل وقلب «خالد الجسار» قبل أن تكون تحقيقًا مع سعادة وزير العدل السيد خالد الجسار.
وتقدمت له بالسؤال الأول:
· إنني أحس أن هبة الحرية التي وهبها الله للإنسان وبالذات الإنسان المسلم قد استلت فما هي موانع الحرية في العالم العربي.. وما رأيك أيضًا في «المناقشات» الدائرة الآن في العالم العربي، هل لديها الحرية الكافية؟ وما هي ضماناتها؟
- حرية الإنسان جزء لا يتجزأ من منحة الله إليه والتي فضله بها، ولا تكتمل إنسانية إنسان بدونها، ولا يكون الإنسان فعالًا في مجتمعه إلا بممارسة «حرية التعبير» والرأي والفكر والإرادة، ولكن هذا كله في حدود ونطاق «صالح المجموعة»، ولا بد من صيانة هذه الحرية من الانحراف والتذبذب، والفرق بين الحرية والفوضى دقيق جدًا، وقد يتخطاه الإنسان من حيث لا يدري فتتحول الحرية إلى فوضى عارمة!! أما المناقشات الدائرة الآن في العالم العربي فلا نفع فيها، وإنما ينفع العمل الجاد الصادق، فما أفلح قوم فشى فيهم الجدل والأجدى تصميمنا على استرداد حقوقنا.
· بماذا تسمى حياة «الإنسان المعاصر»؟ روحه، عقله، قلبه، سلوكه.
-عبد مستعبد إنساننا المعاصر، وأسير ضعيف بعد سيطرة المادة على الروح حتى كادت أن تختفي من صاحبها.
العقل مشغول بالمادة.
والقلب تراكمت علیه أدران الحياة المادية، ومن ثم اختلت موازين القيم الروحية والخلقية في نظره، وتهاوت على «مذبح الماديات»، وكان طبيعيًا بعد ذلك أن يتشبع سلوك الإنسان المعاصر بالمطامع، فما أحوجه لتغذية روحه وإنسانيته المهددة بالبوار.
وإنما هزم التخطيط العسكري والسياسي!
· الذين جعلوا مثلهم الأعلى أبا بكر وعمر: هل شقوا وأشقوا..!
· الإنسان المعاصر عبد!
· وماذا تقول عن قوة «الأمل» في الإنسان؟
- يقول المثل لولا الأمل لبطل العمل، الأمل حياتنا.
كيف بدونه نبني، نعم، قد يتحقق بعض ما نأمل ولا يتحقق الآخر، ولذا فكثيرًا ما يقترن الأمل بالألم، ويستمران معًا مع الإنسان في رحلة الحياة، ولا ينتهيان حتى ينتهي هو نفسه، وبنهايته تنتهي الآمال والآلام.
وصلت إلى جانب آخر من الحديث مع معالي الوزير وكانت أسئلة خاطفة:
·كم تبلغ من العمر؟ وهل تحس بأن ما كنت تأمل فيه وأنت في العشرين مثلًا قد تحقق؟
- من مواليد ۱۹۲۸، ولقد تحقق منه الشيء الكثير والفضل لله.
· هل تحس بأن واجبك تجاه وطنك يؤدى؟
- آمل أن أكون قد أديت واجبي، وأن أظل أؤديه بما يمليه علي ضميري ومراقبتي ربي، والله الموفق من قبل ومن بعد.
جواز سفر إسلامي
· ما هو مفهوم الوطن في نظرك؟ ومن هو المواطن ومن هو الأجنبي؟ وهل يمكن أن يكون الإسلام جنسية؟
- الوطن هو المكان الذي ينتسب إليه الإنسان ونشأ فيه قومه أو هو منبته والأصل الذي تفرع عنه.
وقد يمتد الوطن فيشمل البقعة التي تسكنها الأمة، فوطن أي عربي هو الأرض التي ينتسب إليها، ووطنه الأكبر هو الوطن العربي الذي يمتد من المحيط إلى الخليج.
ورأيي: «إن الوطن أشمل وأعم من ذلك، إن المسلم هو مواطن في أي بلد يحل به من بلاد الإسلام»
وأما سؤالكم: هل يمكن أن يكون الإسلام جنسية؟
نعم: يكون الإسلام جنسية.
يوم يجتمع شمل المسلمين وتتحد كلمتهم، وتتوحد قيادتهم تحت راية خفاقة واحدة يوم ذلك يكون الإسلام جنسية.
عدالة القوة وقوة العدالة
· ما تعريف القوة لديك؟ کیف تولد؟ كيف تموت؟ وهل من أمل في تحقق عدالة القوة وقوة العدالة؟
- القوة هي الإعداد الكامل روحيًا ونفسيًا وماديًا للذود عن الفكرة والعقيدة.
وتتولد القوة الروحية والنفسية بالتربية الدينية السليمة وغرس الروح والنفس منذ نشأتها على فضائل الأعمال وهما: أي الروح والنفس كالشجرة في التربة الصالحة والماء العذب، تؤتي أكلها يانعة زكية وتموت بغير ذلك.
وإذا وجهت القوة للخير، كانت سيفًا يؤيد العدالة ويحميها.
· ما أكبر مفاسد العصر؟ الأفكار الهدامة..
والمدنية الزائفة الجارفة!!
الأولى في صميم العقائد والأخرى في أعماق الأخلاق.
· قال القائل لعمر: «عدلت فأمنت فنمت یا عمر»..
هل تنام مطمئنًا؟ وهل يدركك القلق؟
ليس هناك في الدنيا من لا يحس بالقلق! ولو في بعض ساعات عمره.
نعم: أنام مطمئنًا لشعوري بأنني أؤدي واجبي.. تجاه ربي وتجاه ما أقوم به کاملًا مع توفيق الله.
· أتتاح لك فرصة التأمل؟ فيم تتأمل؟ وبماذا تخرج من تأملاتك؟
أتأمل كل صغير وكبير في هذا الكون الباهر المترامي الأطراف، وأدمن النظر في سفن الحياة.
فأخرج منها بضآلة حياة الإنسان الفرد منسوبة إلى الأزمان، تقاس بملايين السنين مما مضى، وبملايين قد تأتي مما لا يعلم أمره إلا الله.
ولا مخرج من هذه الضآلة ما لم تتوثق صلة الإنسان بربه الذي هو على كل شيء قدير.
الموت رحمة
· ماذا تقول في «الميلاد»؟ وفي الموت؟ والحساب؟ والنار والجنة؟
· الميلاد: بداية النهاية.
ويحضرني قول «أبو العلاء المعري»:
رب حزن في ساعة الموت..
أضعاف سرور في ساعة الميلاد
· والموت: رحمة للإنسانية تفضل الله بها عليهم لتكون واعظ وزاجرًا عن الطغيان والتجبر والظلم الذي لا ينتهي إلى حد.
ولولا الموت لطغت البشرية على بعضها ولأكل الناس بعضهم بعضًا.
وصدق الله العظيم ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ﴾. (الحج: ٤٠)
ثم إنني لا أنسى قولة أبي بكر الصديق رضي الله عنه «اطلب الموت توهب لك الحياة»
· أما الحساب: فهو عدالة ربانية، الجنة للطائعين المحسنين، والنار للعصاة والمسيئين وصدق الله العظيم
﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ ﴾ (الزلزلة: ٧ـ٨) (وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا﴾ (الكهف: ٤٩)
هذا حساب الآخرة أما حساب الدنيا فقد يخطئ ويصيب، وقدرة الإنسان محدودة، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم «من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر»
الهزيمة للتخطيط السياسي والعسكري
· من الذي هزم في المعركة الأخيرة «العرب أم المسلمون» أم «التخطيط العسكري والسياسي»؟
· هزم التخطيط العسكري والسياسي.
وإذا استقامت الأمور على مستوياتها المختلفة، فالنصر حليفنا لا محالة بمشيئته تعالى.
مستقبل إسرائيل
· يری «جولدمان» المفكر الصهيوني أن أكبر الخطر على مستقبل إسرائيل إنما يتدفق من الجيل العربي الجديد الذي يؤمن بصلاح الدين..!! والذي لم تؤثر فيه الهزائم الثلاثة ١٩٤٨- ١٩٥٦- ١٩٦٧ وذلك في مقالة مهمة عن مستقبل إسرائيل فكیف ترى أنت مستقبل إسرائيل؟
إسرائيل إلى زوال..
بشرط أن تتحد الأمة العربية فتسترد كرامتها وتزيل الدخلاء عن الوطن العربي، أما اتحاد المسلمين فإنه ضرورة عظمى في مواجهة عدو ظالم لا يرحم يخطط لإقامة إمبراطورية يهودية.
المنجمون..
· يقول بعض المنجمين.. ستنتصر إسرائيل عام ١٩٧٦.
فما رأيك في التنجيم الذي تنشره صحفنا هذه الأيام..؟
«كذب المنجمون ولو صدقوا».. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحرب والسلام
· ماذا تقول عن الحرب والسلام؟
الحرب سنة من سنن الله الكونية وصدق الله العظيم ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ﴾ (البقرة: ٢٥١) ربما يحاول الإنسان الفرار من هذا المصير المحتوم أو يحاول إطالة زمن السلام وقد ينجح لفترة ولكنه لا يستطيع أن يدفع ذلك إلى الأبد.
الروح الإسلامية المعاصرة
· والروح الإسلامية المعاصرة.. كيف تراها أصبحت؟
لقد أصبحت ضعيفة، إنها في حاجة لدعاة على مستوى العصر الذي نعيشه لنجمع بين القوة والعقيدة لأنه لا بد لكل عقيدة من قوة تحميها وتدفع عنها.
سياسة القطيع
· هل هناك ما يسمى بالعقل الجماعي؟
الأصل في العقول أنها تتفاوت في إدراكها وسعة أفقها وميولها، وقد يتحقق العقل الجماعي إذا اتحدت المصلحة المشتركة.
والعقل السليم المفكر..
لا يتحكم به الآخرون ولا تسيره الأهواء ولا يقدم على خطوة من خطواته إلا بعد تفكير وتدبر وتمحيص.
ولا يقول: لا.. ونعم.. إلا باقتناع في عقله هو نفسه!!
وبذلك يقطع الطريق على أصحاب «الدعوات الباطلة» أخذ الجماهير بسياسة القطيع، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم «لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم».
· هل لك برنامج خاص في رمضان؟
نعم.. ننام بعد صلاة العشاء، ثم ننهض في السحر لتناول السحور ولا ننام بعد ذلك، ويقوم كل منا بواجبه.
الذين شقوا.. وأشقوا..!!
سؤال أخير.. سمعت هذه القولة في مقابلة لي مع أحد كبار الزائرين للكويت في العام الماضي، دار الحديث بيننا في أحداث عشرين عامًا خلت.
وبالتحديد ما أصاب أوطاننا من تطورات داخلية وخارجية منذ عام ١٩٤٨ فقال لي معلقًا في نهاية الحديث «إن الذين جعلوا مثلهم الأعلى أبا بكر وعمر شقوا وأشقوا» فما رأيك؟
نعم هي كلمة حق..
يريد بها القائل أن أبا بكر وعمر تجشما المشاق في إعلاء كلمة الله وأشقيا من تأسى بهما وسار على هديهما وخطاهما.
قد يصيب المشقة والتعب ما أصاب أبا بكر وعمر.. وقد روي أن الإمام علي کرم الله وجهه قال لخليفة المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لقد أتعبت الخلفاء من بعدك» يريد بذلك أن ما جبلت عليه من الورع والتقوى والزهد والشدة في الحق والعدل سيتعب من تأسى بك وسار على خطاك.
وفي نهاية الحديث قلت ما أبرز حدیث يتردد في قلبك لرسول الله وتحب أن تهديه إلينا؟
قال: ما أكثر الأحاديث التي تتحرك في القلب والعقل لرسول الله منهما قوله صلى الله عليه وسلم «إني تارك فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله»، وقوله «الناس لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى».
وقوله «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية» وقوله «الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله»
جمال النهري
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل

في الندوة التاسعة لقضايا الزكاة بعمان تحويل المكاييل والموازين للأوزان المعاصرة وتعريف «ابن السبيل»
نشر في العدد 1350
4
الثلاثاء 18-مايو-1999
