; التخطيط الحكيم منهج التخطيط في الإسلام | مجلة المجتمع

العنوان التخطيط الحكيم منهج التخطيط في الإسلام

الكاتب د. محمود المنير

تاريخ النشر الجمعة 01-يونيو-2018

مشاهدات 19

نشر في العدد 2120

نشر في الصفحة 62

الجمعة 01-يونيو-2018

قراءة في كتاب

أي حضارة لن تستطيع الصمود في مواجهة التحديات الثقافية دون وجود مركز إرسال ثقافي قوي

العالم يعيش في مرحلة مفصلية والطريــق الأصوب لإدارة الأرض هو الذي يعبر عن ارتباط العلم بالدين

التخطيط الحكيم يسعى للاستغلال المثالي للموارد وتنميتها دون الإخلال بالتوازن البيئي والصبغة الإلهية

المسلمون يمتلكون المال والتقانة والسلاح لكنهم لا يملكون مركزاً قوياً للإرسال ما جعلهم في حالة استلاب حضاري

نبذة عن المؤلف 

مؤلف الكتاب أ.د. محمد حسين أبو صالح، أستاذ وخبير التخطيط الإستراتيجي القومي بمعهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة أم درمان الإسلامية، تقلد عدة مناصب ذات صلة بالتخطيط الإستراتيجي، فهو رئيس الجمعية السودانية للعلوم الإستراتيجية، ورئيس المجلس الأعلى للإستراتيجية بالخرطوم من عام 2015 - 2016م، صمم ونفذ العديد من البرامج التدريبية على القيادات العليا في مجال التخطيط الإستراتيجي القومي داخل وخارج السودان، عمل مستشاراً وطنياً لوكالة الأمم المتحدة في العديد من المهام، ألف أربعة عشر كتاباً في مجال الإدارة الإستراتيجية والتخطيط، منها هذا الكتاب الذي بين أيدينا.>

بيانات الكتاب: 

اسم الكتاب: التخطيط الحكيم.. منهج التخطيط في الإسلام.

المؤلف: أ.د. محمد حسين أبو صالح. 

عدد صفحات الكتاب: 273 من القطع الكبير. 

الطبعة الأولى: 2017. 

الناشر: دار الجنان للنشر والتوزيع – الأردن.

هذا الكتاب: 

يؤمن المؤلف من خلال أطروحته عن التخطيط الحكيم بأن طبيعة التحديات التي تواجه العالم الآن وفي المستقبل لإدارة الأرض كنقص الموارد والانفلات الأمني والبيئي وتحقيق أمن العالم والإنسان في ظل التعقيدات الماثلة، تستدعي استخدام منهج مختلف في التخطيط وإدارة الأرض يقوم على فلسفة وقيم ومرتكزات يمكن عبرها الربط بين الأرض والسماء، نخرج فيها عن المألوف في طريقة التفكير للتعاطي مع هذه التحديات، وذلك باستدعاء المنهج الإسلامي الذي يستوعب العلم الحديث وعلم المستقبل، وإحاطته لمعطيات العلم بدءاً من نشأة الكون وخبره ونهايته؛ «كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ..» (جامع الترمذي، رقم 73)، واستدعاء منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرسله رحمة للعالمين بكل دلالات هذه الكلمة من إطار زماني ممتد عبر التاريخ، وإطار مكاني أوسع من الأرض، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً {28}) (الفتح)، ليرسي لهذا المنهج القرآني ويؤسس لفلسفة جديدة ومنظومة من القيم والمرتكزات الأساسية التي تؤسس لحسن إدارة الأرض ولمنهج الأمن والسلام ولحقوق الأجيال القادمة ولأمن الإنسان وكرامته، وللحرية بفهم عميق ويخرج الإنسان من عبودية العباد وعبوديته لنفسه والتأسيس حتى لحقوق الحيوان حتى يرث الله الأرض ومن عليها. 

لذا كان هذا الكتاب الذي أراد من خلاله المؤلف أن يؤكد ويثبت أن العالم يعيش في مرحلة مفصلية والطريق الثالث لإدارة الأرض هو الطريق الأبيض الذي يعبر عن ارتباط العلم بالدين، ويعبر عن عمق التناسق الكوني، وهو طريق آمن يربط بين الأرض والسماء. 

محتويات الكتاب: 

قدم المؤلف أطروحته عن التخطيط الحكيم في ثمانية فصول جاءت على النحو التالي: 

- الفصل الأول: المفهوم العام للتخطيط الحكيم. 

- الفصل الثاني: التخطيط الحكيم والأمن الشامل. 

- الفصل الثالث: التخطيط الحكيم والقوة الروحية. 

- الفصل الرابع: التخطيط السياسي الحكيم. 

- الفصل الخامس: التخطيط الاجتماعي الثقافي. 

- الفصل السادس: التخطيط الاقتصادي الحكيم. 

- الفصل السابع: التخطيط الحكيم للإنتاج العلمي. 

- الفصل الثامن: التخطيط للإعلام والاتصال. 

أطر المؤلف لمفهوم التخطيط الحكيم الذي استدعى دعائمه وأسسه من القرآن الكريم بقوله: تخطيط حكيم يعني تخطيطاً يقوم على رضا المولى الكريم ولا يخالف شريعته، والعمل بمنهجية تؤسس للعون الإلهي، وبمرجعية من القيم الفاضلة لإدارة الأرض، والتأسيس للعمل الصالح وخير البشرية لتحقيق كرامة الإنسان أياً كان دينه ولونه أو عرقه، تخطيطاً لا تقيده حدود مصنوعة للإضرار بالآخر أو منع الخير عنه، ويسعى للاستغلال المثالي للموارد وتنميتها دون الإخلال بالتوازن البيئي والصبغة الإلهية، ويهتم بتوزيع الدخل بعدالة حتى لا يكون دولة بين الأغنياء ويحقق المصالح مع مراعاة أمن العالم وأمن المستقبل، وتخطيطاً يمنع أنانية البشر من السيطرة على الأرض، ويسعى لامتلاك القوة لكن وفق قيم ومرتكزات تسخرها للعمل الصالح وليس للضرر والترويع، وتخطيطاً يشمل نطاقاً أوسع للتفكير بحيث يشمل الأرض والسماء بهدف العبور بسلام إلى الدار الآخرة. 

منهج التخطيط لخلافة الأرض: 

في الفصل الأول من الكتاب، تحدث الكتاب عن التخطيط بعيد المدى في الدولة الإسلامية التي أسس لها النبي صلى الله عليه وسلم، وتناول المسار الحكيم لدولة الإسلام الأولى في مرحلتي التأسيس ومرحلة المنطقة الوسطى، حيث طرح المؤلف سؤالاً محورياً وهو: هل منهج التخطيط المطلوب لخلافة الأرض تم تركه لاجتهاد البشر؟ ويجيب المؤلف بأنه إذا كانت المشيئة بهبوط الإنسان للأرض راجعة إلى المولى الكريم ولم تكن مشيئة البشر، بمعنى أنه جل وعلا هو الذي أراد، وأراد ذلك لأسباب، فكيف لمن لا مشيئة له أن يفرض؟! وإذا كان مفهوم الخلافة يعني أن يخلف الله في الأرض، فمن غير المنطقي أن تترك إدارة الأرض على الأقل القيم والمرتكزات الأساسية «لاجتهاد البشر»، وإلا كان المولى عز وجل اختار كلمة أخرى غير كلمة خليفة، وهناك العديد من الأسباب -حسب رأي المؤلف- التي أضرت بسيادة هذا المفهوم وقادت لبروز فكرة فصل الدين عن الدولة، منها: 

1- ضعف عمليات الإنتاج الفكري والاستنباط من الكتاب والسُّنة. 

2- ظهور محاولات سعت لتأسيس نظام إسلامي دون توفير البناء الفكري المطلوب لتحقيق ذلك، فأصبحت مجرد لافتات لتطبيق الدين، نجم عن ذلك تجارب ألقت بظلال سالبة عن الإسلام وهو بريء منها. 

3- قصور مفهوم الدين واختزاله في الفرائض الخمس وبعض العقوبات الحدية؛ مما أعطى انطباعاً بأن الدين فقط للفرائض الخمس وبعض القضايا المحدودة كالتوريث. 

4- عدم إدراك روح الإسلام في كثير من الأحيان. التي عبرت عنها الكثير من آيات القرآن الكريم، ومنه قوله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {89}) (النحل).

إرساء القيم وتوازن الحريات: 

في الفصل الرابع من الكتاب الذي يتناول فيه المؤلف التخطيط السياسي الحكيم، يرى المؤلف أن من أهم مطلوبات إدارة الدولة ومواجهة الظروف المحلية والخارجية من تدافع وصراع المصالح هو انطلاق الدولة من خلال ائتلاف داخلي قوي، فالمسار الكلي للدولة يحتاج لضبط وتأمين وتقييد بمنظومة قيم ومرتكزات، فإنفاذ العدل وعدم التمييز وتكريم الإنسان وإتاحة العمل والتملك والسفر والعدل في تقديم الخدمات للمواطنين وتحقيق التنمية العادلة في أرجاء الدولة.. إلخ، تقود لرضاء القواعد وتحقيق رضا القوم، وبالتالي انطلاق الدولة لمهامها الخارجية في أوضاع داخلية مواتية، والعكس يقود لزراعة الضغينة والغبن والأحقاد والخروج للساحة الدولية في ظل ساحة داخلية مكشوفة ومهترئة، ومن ثم حدوث التوتر الذي يمكن أن يقود في ظل الحالة الاقتصادية المتردية وضعف الوعي والتدخلات الدولية، إلى نزاع أهلي وصراع وعدم استقرار يفضي إلى تأسيس مناخ يعطل مسار الدولة تجاه غاياتها. 

التخطيط السياسي الحكيم: 

 بوجهة نظر المؤلف، يقوم المفهوم على توفير السند السياسي المطلوب لإدارة الدولة وتحقيق الغايات الإسلامية، ويتضمن بلورة رؤية الدولة (الحكمة السياسية) التي تشمل تأسيس مسارها الرئيس وتحديد غاياتها وتوفير المناخ السياسي والإسناد الإداري وتوحيد وتأمين الإرادة الإسلامية، وتقوية أسس الشورى لضمان المشاركة والإسناد من الحكمة والمعرفة واستيفاء الترتيبات المطلوبة لتحقيق الأمن العالمي وأمن المستقبل؛ بما يؤدي لتأمين مسارها خاصة فيما يتعلق بالتأسيس لسيادة نظام الدولة للدولة وتعزيز قدرتها التفاوضية، وتحقيق رضا القوم –حسب تعبير المؤلف- «القواعد الشعبية».

الثقافة وتحديات المستقبل: 

يرى المؤلف أن أي حضارة لن تستطيع الصمود في مواجهة التحديات الثقافية دون إسناد ثقافي قوي ووجود مركز إرسال ثقافي قوي، وهذا يلقي بتبعات كبيرة على التخطيط الثقافي، ولعل نجاح الدولة الإسلامية الأولى يعود لقوة مركز الإرسال الثقافي، لكن بالنظر للوضع الراهن نجد أن المسلمين يمتلكون المال والتقانة والسلاح لكنهم لا يمتلكون مركزاً قوياً للإرسال؛ مما جعلهم في حالة استلاب حضاري، ويبرهن المؤلف على ذلك بالنزاعات التي تجري بين المسلمين الآن، حيث سنجدها نزاعات تعود لضعف البناء الثقافي، فالمسلم يقتل أخاه المسلم بدافع قبلي أو جهوي أو لخلاف ناجم عن ضعف الوعي، وبالتالي لم يفلح المال ولا السلاح في تحقيق الأمن عندما غابت الثقافة. 

لذا يرى المؤلف أن تحقيق أمن المستقبل يتوقف جانب كبير منه على التحدي الثقافي. 

خاتمة: 

لعل أهم ما يميز الكتاب الذي بين أيدينا هو شمولية طرحه لمفهوم التخطيط الحكيم والإجادة في استدعاء الشواهد والأدلة المؤسسة لارتباطه الوثيق واستمداده الأصيل من القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة، وتقديم أطروحته عن منهج التخطيط في الإسلام في إطار نظرية معرفية تمثل المرجعية والأسس التي ينبغي أن يستند إليها التخطيط الحكيم، بحيث تصبح هذه القيم والمرتكزات بمثابة الرؤية والرسالة لأنواع التخطيط الحكيم الثمانية التي طرحها المؤلف في هذا الكتاب.>

الرابط المختصر :