العنوان الأدب الإسلامي.. والتحديات الفكرية المعاصرة
الكاتب د. مصطفى جمعة
تاريخ النشر الجمعة 01-ديسمبر-2017
مشاهدات 17
نشر في العدد 2114
نشر في الصفحة 56

الجمعة 01-ديسمبر-2017
فكر وثقافة
الأدب الإسلامي.. والتحديات الفكرية المعاصرة
كثير من الأدباء افتتنوا بالنموذج الغربي في التقدم وروّجوا للفكر الاستشراقي المعادي للإسلام
الأدباء الإسلاميون تجاوزوا الأطر التقليدية للرؤية الإسلامية إلى آفاق أرحب تتبنى الإسلام بوصفه منظوراً شاملاً للحياة
الفن الإسلامي شامل لكل قيم الخير والسلام ويرفض الدعوات الشوفينية العنصرية
مشكلة بعض الأدباء التقليديين اتخاذهم موقفاً سلبياً من أشكال الأدب الوافدة دون التعاطي الإيجابي معها
المذاهب الأدبية متجددة ولا بأس من التلاقح الإبداعي بين الثقافات دون استلاب حضاري وفكري
د. مصطفى جمعة
أكاديمي وناقد أدبي
تحدياتٌ كثيرة فُرضَت على الأدباء حاملي الهوية الإسلامية فكراً وتوجهاً وإخلاصاً في العصر الحديث، فمنذ نهاية القرن التاسع عشر وإلى يومنا والهجمة التغريبية شديدة على الأمة المسلمة وعلى شعوبها ومثقفيها.
وقد ترافقت الحملة مع الاحتلال الاستعماري في العالم الإسلامي؛ فالاستعمار الغربي هاجم بلدان العالم الإسلامي بعسكره وفكره وثقافته ومؤسساته؛ ما أدى إلى افتتان كثير من المثقفين والأدباء بالنموذج الغربي في التقدم والتنمية، وسقوطهم في إسار المركزية الفكرية الغربية، بنظرتها الاستعلائية إلى الأمم، وترويجهم للفكر الاستشراقي المتخم بميراث ضخم من العداء ضد العالم الإسلامي منذ القرون الوسطى.
تكونت أجيال متعددة من الأدباء المتبنين للطروحات الفكرية والفلسفية الغربية التي تجلّت في أعمالهم الإبداعية، حتى بات الأديب الملتزم بالإسلام روحاً وفكراً غريباً في خضم رافعي الرايات الفكرية، التي تدعو صراحة إلى تبني ثقافة الغرب المبنية على الثقافة اليونانية القديمة، بل ادّعى بعضُهم أننا أقرب لثقافة اليونان من الثقافة العربية الإسلامية، وأن الحضارة الهلينية تكونت على أرضنا (في مصر والشام)، فنحن أولى بها، وعلينا اللحاق بالأوروبيين، لنكون أنداداً لها.
تناغم ذلك كله مع اشتداد دعاوى الوطنية القُطرية وقوميات العرق والجنس، وهي امتداد لنموذج الدولة القومية/ الوطنية في أوروبا، وتضاد لبّ فكر الرابطة الإسلامية الجامعة لشعوب المسلمين من منطلق عقدي ديني، المتجاوز الانتماء إلى روابط دنيوية (العرق، الأرض، الثقافات، اللغة)، ونادت هذه الدعوات بأن يكون الأدب مرتبطاً بهموم القُطر لا الأمة، ليكون لحضارات بائدة سابقة على الحضارة الإسلامية(1)، وكلها كانت نزعات تهدف إلى تفتيت الأمة، وتحوير انتمائها المتوارث إلى الإسلام عقيدة وسلوكاً وثقافة وحضارة، وهو ما استشعره الشاعر الكبير محمد إقبال، فأنشد قائلاً:
أضحى الإسلام لنا ديناً
وجميع الكون لنا وطنا
توحيد الله لنا نورٌ
أعددنا الـروح له سكـنا
الكون يزول ولا تُمحى
في الدهر صحائف سؤددنا
يتغنى إقبال هنا بالرؤية الإسلامية، بالرغم من دراسته لسنوات طويلة في بريطانيا وألمانيا، إلا أنه حمل الفكرة الإسلامية في أعماقه، وصاغ بها أشعاره، ولا عجب، فهو القائل: «لم يستطع بريق العلوم الغربية أن يبهر لبّي، ويُعشي بصري، ذلك لأني اكتحلت بإثمد المدينة (المنورة)، لقد مكثت في أتون التعليم الغربي، وخرجت كما خرج إبراهيم من نار النمرود»(2)، وهذا نموذج دال على عدم الاستسلام النفسي للحضارة الغربية، ويأتي رداً على مبدعي التغريب الذين سقطوا في لجج الفلسفات الغربية، وقرؤوا تاريخنا وثقافتنا في ضوئها، وباتوا –بدون أن يشعروا- أذرعاً لثقافة المستعمر، وأصبح الإسلام في نظرهم كهنوتاً لا أكثر.
رحابة الفكر الإسلامي
لقد نجح أدباء الأدب الإسلامي في تجاوز الأطر التقليدية للرؤية الإسلامية التي تكاد تحصره في قضايا الدين والشريعة، إلى آفاق أرحب، تتبنى الإسلام بوصفه فكراً ومنظوراً شاملاً للحياة والناس والأمة والإنسانية، لتواجه الفلسفات الشمولية الغربية، التي قدّمت أطراً ومرجعيات للأدباء في العالم الإسلامي، جعلتهم يتبنون رؤاها.
وهذا ما صاغه محمد قطب في كتابه “منهج الفن الإسلامي”، موضحاً أن الرؤية الإسلامية للفنون والآداب “ترسم الوجود من زاوية التصور الإسلامي للوجود، وهو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان، وهو الفن الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق، ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود”(3)، فالفن الإسلامي شامل لكل قيم الخير والحب والسلام والطمأنينة، ويرفض في ذلك –مثلاً- الدعوات الشوفينية العنصرية القومية، التي راجت في أوروبا، فيما يسمى علو عقل الرجل الأبيض وثقافته.
فلا معنى لأن يتوحّد أديبٌ –أياً كان- خلف الدعوات الاستعمارية البغيضة، والمثال على ذلك الشاعر الإنجليزي “روديارد كبلنج”، الذي جعل الأدب في خدمة الاستعمار البريطاني، رافضاً قيام عصبة الأمم لحل منازعات الشعوب، داعياً لسيطرة الأقوى، متغنياً بحروب بلده المستعمر التي أفنت الملايين من الشعوب، وهو القائل: “الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقي الاثنان”، والشرق عنده ما هو إلا الأمم الرازحة تحت نير الاحتلال البريطاني(4).
وهناك أدباء يساريون فرنسيون أيدوا مذابح الاحتلال الفرنسي ضد الجزائر، رافضين التنازل عن الجزائر الفرنسية المتحضرة للشعب الجزائري “المتخلف”، وأبرزهم: “جان ريفيه”، “جورج دوهمال”، “جاك سوستيل”، الذين نددوا بجبهة التحرير الجزائرية وقالوا عنها: إنها فاشية وعنصرية لأنها تناضل ضد محتل قاتل، فضلاً عن أدباء شيوعيين أيدوا القوانين الردعية الاستثنائية(5).
وتكمن المفارقة هنا أنهم يساريون صدعوا رؤوسنا بالحريات والمساواة والاشتراكية والعدالة، إلا أنهم مارسوا عنصريتهم الغربية على الشعب الجزائري المسلم، ويقاس على ذلك كل الأدباء الذين عادوا كل ما هو إنساني، وكانوا مخالب ثقافية في ترويج ثقافات استعلائية، تحتقر الأجناس والثقافات.
نعم للتلاقح الفكري
هذا، وقد كانت مشكلة بعض الأدباء العروبيين التقليديين أنهم اتخذوا موقفاً سلبياً من أشكال الأدب الوافدة من الغرب، دون التعاطي الإيجابي معها، على الرغم من انتشار هذه الأشكال في العالم العربي والإسلامي، ووجود قاعدة جماهيرية واسعة تتذوق هذه الآداب والفنون؛ فمثلاً هناك مَن ناصب شعر التفعيلة العداء، متمسكاً بالشعر العمودي، في حين أن هناك إقبالاً كبيراً على هذا اللون الشعري، لاعتبارات ذائقية وبلاغية مستجدة، فلما صاغ أدباء الأدب الإسلامي أشعارهم، استطاعوا أن يكونوا أنداداً لغيرهم.
ونفس الأمر يقال على المذاهب والمناهج الأدبية الوافدة من الثقافة الغربية، فشتان بين مفهوم الرفض المطلق، ومفهوم التعاطي الإيجابي، فالأول يعني: صم الأذن، وحجب العين عن التلقي الفاعل لما هو جديد، فهذا لن يمنع انتشاره، وإنما يمنعنا نحن من معرفة هذا الشكل، ودراسته، والوقوف على جمالياته.
أما المفهوم الثاني فيرى أهمية دراسة كل ما هو جديد، والنظر فيما يضيفه لنا، ومعرفة ما يدسه في ثنايا أسطره، وما يروّجه من أفكار وصَرْعات.
وبمعنى أوضح؛ إن الأشكال والمذاهب الأدبية متطورة متجددة، ولا بأس من التلاقح الإبداعي بين الثقافات، وإنما المشكلة في الهزيمة النفسية والاستلاب الحضاري والفكري الذي يسقط فيه البعض عندما يقف منبهراً أمام ثقافة الآخر، ومن ثم يقلّدها، ويساهم –دون أن يدري- في الترويج لها.
وهذا يفرض على الأديب الملتزم القراءة المتفاعلة لكل ما يُستجَدُّ على الساحة، ودراستها، والإفادة منها أو التحذير من خطرها، وما أكثر الأخطار الفكرية والنفسية الوافدة علينا كل يوم، فمن العبث تجاهلها، مثلما أن يكون من العبث الاستسلام لها.
الهوامش
(1) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، د. محمد محمد حسين، مكتبة الآداب، القاهرة، 1968م، ج2، ص138-153.
(2) روائع إقبال، أبو الحسن الندوي، دار الفكر، دمشق، 1960، ص25.
(3) منهج الفن الإسلامي، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ص6.
(4) الأدب الإنجليزي الحديث، سلامة موسى، مؤسسة هنداوي للنشر، القاهرة، 2015، ط4، ص47 – 49.
(5) المثقفون وحرب الجزائر، بوعلام رمضاني، موقع http://www.aljazeera.net/news/culture
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالإفراط والتشدد في القضايا الفرعية.. عبث لا يحقق مقاصد الدين
نشر في العدد 1764
33
السبت 11-أغسطس-2007

«تحرير الإسلام» على المستوى الشعبي والرسمي ضرورة لإنقاذ الأوطان وتوحيد الأمة
نشر في العدد 1766
25
السبت 25-أغسطس-2007

