; العبد الحر!! | مجلة المجتمع

العنوان العبد الحر!!

الكاتب محمد أحمد الراشد

تاريخ النشر الثلاثاء 04-يوليو-1972

مشاهدات 22

نشر في العدد 107

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 04-يوليو-1972

رياض المؤمنين

يكتبها: محمد أحمد الراشد   

                                       العبد الحر!!

في فقه الدعوة

إن مسلمًا قيل له: «ذر غير الله»، فنبذ ما هنالك، ونودي بالسير مع الهمم العالية، والاستعلاء في الطريق العالي، فانتفض، وأفلت من قيود الأرض، وحلق بجناح العزة: هو مسلم حري به أن يتم انتفاضته بخطوة تميز واضحة. أو كما قال سيد رحمه الله: «إنَّ أولى الخطوات في الطريق أن يتميز هذا المنهج ويتفرد، ولا يتلقى أصحابه التوجيه من الجاهلية الطامة من حولهم، كيما يظل المنهج نظيفًا سليمًا، إلى أن يأذن الله بقيادته للبشرية مرة أخرى» «١».

وهذا يعني قيام مفاصلة شعورية وفكرية في ضمير المسلم، ينفصل فيها التحديد الإسلامي الواضح للمعاني الثلاثة المهمة المكونة لكل منهج، وهي: معنى الوطن، ومعنى الحاكم، ومعنى الدستور، عن الإطلاقات الجاهلية في تفسيرها، وعما بعد الإطلاق من اختلاف اجتهادات العقول.

فالأمة الإسلامية قد حدد الله تعالى مقوماتها، وجعل

««الجنسية فيها هي العقيدة والوطن فيها هو دار الإسلام.

والحاكم فيها هو الله.

والدستور فيها هو القرآن.

هذا التصور الرفيع للدار وللجنسية وللقرابة هو الذي ينبغي أن يسيطر على قلوب أصحاب الدعوة إلى الله، والذي ينبغي أن يكون من الوضوح بحيث لا تختلط به أوضار التصورات الجاهلية الدخيلة، ولا تتسرب إليه صور الشرك الخفية.

«الشرك بالأرض، والشرك بالجنس، والشرك بالقوم، والشرك بالنسب، والشرك بالمنافع الصغيرة القريبة» «٢». وحملة الإسلام إنما ينطلقون بهذا المفهوم الإسلامي الواضح، ويعلنوه، دونما ملاطفة لأفكار الكفر الأرضية، ولا مهادنة، ولا محاولة استرضاء. وإنه لأمر جازم من الله لهم أن: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (غافر: 14).

«ولن يرضى الكافرون من المؤمنين أن يخلصوا دينهم لله، وأن يدعوه وحده دون سواه. ولا أمل في أن يرضوا عن هذا مهما لاطفهم المؤمنون أو هادنوهم أو تلمسوا رضاهم بشتى الأساليب».

«فليمض المؤمنون في وجهتهم، يدعون ربهم وحده، ويخلصون له عقيدتهم، ويصفون له قلوبهم. ولا عليهم رضي الكافرون أم سخطوا، وما هم يومًا براضين!» «٣».

العبد الحرّ!!                    

فما دامت هذه النتيجة حتمية، وأن الكافرين لن يرضوا عن المؤمنين، فليسلك الدعاة إذًا ما يناسبها من مقدمات ترد على تمرد الكفر ورفضه الإيمان.

ولن يكون هذا الرد غير التميز، والانفصال عنه.

طالما أنه ليس هناك لقاء، فإن المنطق يقتضي الانفصال إذًا، كما فاصل النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش في العهد المكي، وكما فاصل كل القبائل بعد الهجرة.

ولم تكن تلك المفاصلة النبوية الكريمة مجرد اضطرار لجأ إليه في حقبة تاريخية تبدو لنا آخذة دورها في تسلسل تاريخ الدعوة النبوية، وإنما كانت حقيقة إيمانية ودلالة نعمة ربانية، من شأنها أن يلتفت لها المؤمنون. وتلمس هذا في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكرهم بها، ويتخذها عاملًا تربويًا للذين معه، فيقول لما صلى بهم يومًا صلاة العشاء قريبًا من نصف الليل:

«أبشروا. إن من نعمة الله عليكم أنه ليس من الناس أحد يصلي هذه الساعة غيركم.» «٤»، وذلك «قبل أن يفشو الإسلام في الناس» «٥»، كما يقول الراوي. إنه جعلها بشرى ونعمة ربانية، وكذلك تربى نفوس المؤمنين على معاني الاستعلاء وتوكيد إلحاحهم في تحدي الجاهلية كلها مهما فشت وعمت وانتشرت وكثر أصحابها ومهما قل عدد المسلمين وانحصروا في دويرة صغيرة، كما كانوا في دويرة المدينة ومن حولهم هذه الجزيرة العربية الواسعة الأطراف، الكثيرة القبائل.

وألمس عظم أثر هذه التربية، وتحولها إصرارًا وثباتًا في الدين، وتجديد عزم على المضي، حين يقول من سمع هذه البشرى: «فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم».

فتصور هذه الدويرة الإسلامية المتميزة في الجزيرة الكافرة. كانت هناك طليعة إسلامية «تزاول نوعًا من العزلة من جانب، ونوعًا من الاتصال من الجانب الآخر بالجاهلية المحيطة» «٦»

وهي في الحقيقة استمرار للمفاصلة التي كانت في العهد المكي، فظهرت في المدينة بصورة كاملة وواضحة. وما كانت نفوس المسلمين لتصبر في المدينة على لوازم هذه المفاصلة لو لم تكن قد ربيت قبل الهجرة تربية صلبة عميقة على أولوياتها ومقدماتها، فيومها. «في مكة لم تكن للإسلام شريعة ولا دولة، ولكن الذين كانوا ينطقون بالشهادتين كانوا يسلمون قيادهم من فورهم للقيادة المحمدية ويمنحون ولاؤهم من فورهم للعصبة المسلمة، كما كانوا ينسلخون من القيادة الجاهلية ويتمردون عليها، وينزعون ولاءهم من الأسرة والعشيرة والقبيلة والقيادة الجاهلية بمجرد نطقهم بالشهادتين» «٧»

 كان «الإسلام هو تلك الحركة المصاحبة للنطق بالشهادتين، هو الانخلاع من المجتمع الجاهلي وتصوراته وقيمه وقيادته وسلطانه وشرائعه، والولاء لقيادة الدعوة الإسلامية وللعصبة المسلمة التي تريد أن تحقق الإسلام في عالم الواقع» «۸»

فلما تجلى هذا التميز بصورة أوضح في المدينة، صار المجتمع الإسلامي منارًا واضحًا في تلك الصحراء، يأوي إليه الهائم والمتشكك، ومن يحتدم في قلبه الصراع بين الإيمان والكفر الموروث.

فلما اتسع المجتمع الإسلامي، وانتصر، ودانت كل الجزيرة بدين الله: استمرت هذه الحاجة إلى مفاصلة بقايا الجاهلية، المتمثلة ببقايا النفاق واتباع الشهوات.

وهي مفاصلة ثانية، واجبة أيضًا.

فكما أن المفاصلة الأولى أفادت في إيجاد عزة الإيمان في نفوس المفاصلين، وفي جعل المدينة منارًا يأوي إليه الحائر، فإن المفاصلة الثانية كانت ضرورية للحفاظ على نقاوة جهاز دولة الإسلام، المحافظ على سمات حكمه، وفقهه وتربيته وفتوحه.

ومن هنا دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى هذه المفاصلة الثانية بعبارة جامعة رائعة، فقال:

«إن لله عبادًا يميتون الباطل بهجره، ويحيون الحق بذكره». «۹»

وقد استعمل كلمة الهجر للدلالة على المفاصلة التي نعنيها، وهذا يعني أن عنصر النفاق واتباع الشهوات كلما زاد في المجتمع، زادت هذه الحاجة إلى هذا النوع الثاني من المفاصلة، بعملية طردية، ليبقى الباطل باطلًا مشارًا إليه بإصبع الاتهام، ولئلا يحيله التقادم إلى حق موهوم في ذهن الذين لا يعون، فينطلي زوره، وينسى الناس اعوجاجه، ولئلا تستسيغه النفوس من بعد، حين يطول الأمد.

ولذلك فإن الدعوة الإسلامية اليوم لا بد لها إزاء زيادة النفاق والفسق واتباع الشهوات في المجتمع الحاضر من هذه المفاصلة، ومن هذا التميز، بشكل واضح صريح، لتبقى الصورة الإسلامية جلية واضحة بدورها، يمكن أن ينظر إليها من يبتغي النظر إليها، ممن تحفزهم كلمات الدعاة لمحاولة اكتشاف أبعاد هذه الصورة، والتفتيش عنها، وتلمس مثل تطبيقي لها.

والحقيقة، إنه وإن افتقد الدعاة في هذا القرن صورة حكم إسلامي يصلح مثلًا لتطبيق الإسلام، إلا أن هذا المثل يمكن أن يتجلى في بضعة أشخاص من الدعاة.. تتضح فيهم معاني الإسلام، ويكتسبون من هيبته، ويبلغون الذروة في الإيمان والتجرد وتطبيق السنة النبوية الشريفة.

وهذا هو معنى «القدوة» في صورتها البسيطة.

إن وجود «القدوة الإسلامية» يعني وجود شخص يدرك الناظر إليه أنه مستقل في فكرته وعقيدته، وسكناته وحركاته، عما حوله وعمن حوله، منفصل عنهم، تميزه الأبصار قبل المعاملة، بما تعلو وجهه من معالم السكينة والهيبة والحزم التي شاء الله أن ينفرد بحيازتها المسلم دون غيره، فيعوض بذلك عن صورة الحكم الإسلامي المفتقد، ويكون بديلًا لها، وبرهانًا على أن الإسلام قادر أن ينتج مثل هذه النماذج الإنسانية الرفيعة، أو بالأحرى: يكون برهانًا على أن مثل هذه النماذج لا ينتجها غير الإسلام.

وأبو القاسم الجنيد رحمه الله يعبر عن هذا الانفصال للقدوة الإسلامية بعبارة «الحرية مما سوى الله»، أي ليس بينه وبين ما سوى الله رابطٌ أو قيدٌ أو نسبٌ أو ميل ورغبة، بل هي الحرية بمدلولها الذي يفهمه كل حر، فيقول:

«لا يكون العبد عبدًا حتى يكون مما سوى الله تعالى حرًّا» «10».

ويعبر مرة أخرى عن هذا الانفصال بأنه «عبودية الأحرار» أو «حرية العبيد»، فيصوغ سطرًا بليغًا رفيعًا جدًا يغني عن عشر مجلدات، ويقول:

«إنك لا تصل إلى صريح الحرية وعليك من حقيقة عبوديته بقية». «۱۱»

فلأن الإسلام كله عبودية لله تعالى، فإن العبد التام العبودية الذي سماه الجنيد هو وحده الحر في هذا الوجود دون غيره من أسارى الشهوات واجتهادات العقول القاصرة.

وهذا التعبير الجميل ورثه الجنيد عن أفضل الزهاد العباد: الفضيل بن عياض رحمه الله، إذ أبرز الفضيل بمقابل الحرية مما سوى الله: واجب المسلم في تجريد الربانية

له وأطراح كل ربانية لأحد من الخلق يريد أن يفرضها عليه بثمن مادي، أو بالقسر والإكراه، فيقول الفضيل:

«والله، ما صدق الله في عبوديته من لأحد من المخلوقين عليه ربانية». «۱۲»

وقد أتينا على بعض خبر هذه الربانية المزورة المدعاة حين دعوناك أن تذر غير الله وأوضحنا تمثلها في صور التشريع، والقيم، والتصورات، والمناهج.

فالمسلم يفرد الله بالعبادة، وإفراده بالعبادة يقتضي أن يعلن بصراحة ووضوح براءته مما يعبد الغير، ومما يشرعون لأنفسهم، ويجهر بذلك مفاصلًا، كما فاصل نبي الله هود عليه السلام قومه بقوله:

﴿إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ (هود: 54-55-56-57)

«إنها انتفاضة التبرؤ من القوم -وقد كان منهم وكان أخاهم- وانتفاضة الخوف من البقاء فيهم وقد اتخذوا غير طريق الله طريقًا. وانتفاضة المفاصلة بين حزبين لا يلتقيان على وشيجة، وقد أنبتت بينهما وشيجة العقيدة.

وهو يشهد الله ربه على براءته من قومه الضالين وانعزاله عنهم وانفصاله منهم، ويشهدهم هم أنفسهم على هذه البراءة منهم في وجوههم، كي لا تبقى في أنفسهم شبهة من نفوره وخوفه أن يكون منهم. وذلك كله مع عزة الإيمان واستعلائه، ومع ثقة الإيمان واطمئنانه! وأن الإنسان ليدهش لرجل فرد يواجه قومًا غلاظًا شدادًا حمقى، يبلغ بهم الجهل أن يعتقدوا أن هذه المعبودات الزائفة تمس رجلا فيهذي، ويروا في الدعوة إلى الله الواحد هذيانًا من أثر المس! يدهش لرجل يواجه هؤلاء القوم الواثقين بآلهتهم المفتراة هذه الثقة، فيسفه عقيدتهم ويقرعهم عليها ويؤنبهم، ثم يهيج ضراوتهم بالتحدي لا يطلب مهلة ليستعد استعدادهم، ولا يدعهم يتريثون فيفثأ غضبهم.

إن الإنسان ليدهش لرجل فرد يقتحم هذا الاقتحام على قوم غلاظ شداد، ولكن الدهشة تزول عندما يتدبر العوامل والأسباب.

إنه الإيمان، والثقة، والاطمئنان.. الإيمان بالله، والثقة بوعده، والاطمئنان إلى نصره. الإيمان الذي يخالط بالقلب، فإذا وعد الله بالنصر حقيقة ملموسة في هذا القلب لا يشك فيها لحظة، لأنها ملء يديه، وملء قلبه الذي بين جنبيه، وليست وعدًا للمستقبل في ضمير الغيب، إنما هي حاضر تتملاه العين والقلب «13».

﴿إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (هود: 56).

فهي القوة والاستقامة والتصميم. وفي هذه الكلمات القوية الحاسمة ندرك سر ذلك الاستعلاء وسر ذلك التحدي. إنها ترسم صورة الحقيقة التي يجدها نبي الله هود عليه السلام في نفسه من ربه. إنه يجد هذه الحقيقة واضحة. إن ربه ورب الخلائق قوي قاهر: ﴿مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ﴾ (هود: 56)، وهؤلاء الغلاظ الأشداء من قومه إن هم إلا دواب من تلك الدواب التي يأخذ ربه بناصيتها ويقهرها بقوته قهرًا، فما خوفه من هذه الدواب وما احتفاله بها، وهي لا تسلط عليه –إن سلطت إلا بإذن ربه؟ وما بقاؤه فيها وقد اختلف طريقها عن طريقه؟

إن هذه الحقيقة التي يجدها صاحب الدعوة في نفسه، لا تدع في قلبه مجالًا للشك في عاقبة أمره، ولا مجالًا للتردد عن المضي في طريقه.

إنها حقيقة الألوهية كما تتجلى في قلوب الصفوة المؤمنة أبدًا». «١٤»»

وقد فقه الإمام البنا رحمه الله هذه النظرية في المفاصلة، فنادى بوجوب تربية النشء وفق معانيها، وأوضح أن مستقبل الإسلام إنما يعتمد على «هذا النشء الجديد، فأحسنوا دعوته، وجدوا في تكوينه، وعلموه استقلال النفس والقلب، واستقلال الفكر والعقل، واستقلال الجهاد والعمل واملأوا روحه الوثابة بجلال الإسلام وروعة القرآن، وجندوه تحت لواء محمد ورايته، وسترون منه في القريب الحاكم المسلم الذي يجاهد نفسه ويسعد غيره». «١٥»

فهو قد عبر عن المفاصلة بالاستقلال، كما عبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنها بالهجر. فاستقلال النفس والقلب هو المفاصلة الشعورية في الضمير، والعزة، والاستعلاء واستقلال الفكر هو عدم خلط الشريعة بالتصورات الأرضية المبتدعة التي أضلت الأحزاب. واستقلال العمل هو التميز في الصف، وترك الأحلاف.

وكما أنها مهمة هؤلاء الدعاة في تربية النشء، فإنها مهمتهم في وجوب الانتباه لنفوسهم، والثبات على هذه المفاصلة، أو كما قال الإمام

«لا تصغروا في أنفسكم، فتقيسوا أنفسكم بغيركم، أو تسلكوا في دعوتكم سبيلاً غير سبيل المؤمنين، أو توازنوا بين دعوتكم التي تتخذ نورها من نور الله، ومنهاجها من سنة رسوله، بغيرها من الدعوات التي تخلقها الضرورات، وتذهب بها الحوادث والأيام». «١٦»

ومن مكملات ذلك وضرورياته حفظ صفاء الابتداء ونقاوته، وكما يجب على الداعية أن يحفظ لمن يدعوهم الهمة، ويسيرهم مع الهمم العالية، فإن عليه أن يحفظ لهم صفاء الابتداء، فإن الأيام الأولى للسير في طريق الدعوة تحسم مدى الصفاء مثلما تحسم منزلة الهمة.

إن من يفتح عينه على المفاهيم الإسلامية النقية المستمدة من القرآن والسنة فحسب، غير المشوبة بترهات غير إسلامية، فإنه يبدأ وينشأ ويشب ويشيب ويموت على هذه المفاهيم، ومن سقي المخاليط ذات الشوائب صعبت عليه التنقية بعد.

ولقد وعى أبو القاسم إبراهيم بن محمد النصر آباذي المتوفى سنة ٣٦٧ هـ هذا المعنى أروع الوعي، فقال:

«ما ضل أحد في هذا الطريق إلا بفساد الابتداء، فإن فساد الابتداء يؤثر في الانتهاء». «١٧» فأحسن البداية وأتقنها يا داعية الإسلام.

«١» الظلال 4/21

«۲» معالم في الطريق/١٤٦

«٣» الظلال 24/60

«٤» صحيح مسلم 2/117

«٥» صحيح مسلم 2/115

«٦» معالم في الطريق / 9  

«7» «8» الظلال 9/280

«9» كتاب الخراج لأبي يوسف / ۱۳

«۱۰» مجموع فتاوى ابن تيمية 10/598

«۱۱» الرسالة القشيرية / ۱۳۱

«۱2» مجموع فتاوى ابن تيمية 10/599

«١٣» «١٤» الظلال12/97/98

«١٥» «١٦» المجموعة / 319/321 /  تحت راية القرآن

«۱۷» طبقات الصوفية للسلمي / ٤٨٨

 

الرابط المختصر :