العنوان حكم الدعاء الجماعي في الإسلام
الكاتب د. عمر سليمان الأشقر
تاريخ النشر الثلاثاء 04-نوفمبر-1975
مشاهدات 29
نشر في العدد 273
نشر في الصفحة 24
الثلاثاء 04-نوفمبر-1975
حكم الدعاء الجماعي في الإسلام
سألني أحد الإخوة عن حكم الدعاء الجماعي في الإسلام فأقول:
لم يعهد في الصدر الأول مثل ذلك، لا عن الرسول-صلى الله عليه وسلم- ولا عن أصحابه الكرام، سواء كان ذلك بصورة أن يدعو شخص ثم يردد الباقون دعاءه، أم بصورة أن تدعو جماعة دعاء بصوت واحد. وعدم الورود في باب العبادات يجعل العمل بدعة. لا يقال: إن الدعاء مشروع وإنما الجماعية صفة في الدعاء، لأن الصفة والطريقة أيضًا سنة متبعة، ولذا فإن رفع الصوت بالصلاة على الرسول-صلى الله عليه وسلم- عقب الأذان بدعة، وإن كانت الصلاة عليه بدون رفع الصوت سنة مشروعة.
على أن في الدعاء الجماعي محذورات منها: أن ذلك يقتضي رفع الصوت بالدعاء، وقد أمر الله بأن يدعو العبد ربه على إحدى صفتين: الأولى في النفس بلا قول. والثانية: بالقول ولكن على صفة هي دون الجهر وذلك في قوله تعالى:﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ (الأعراف: 205). والدعاء بالصفة الثانية ذكره الله من بعض أنبيائه وهو زكريا- عليه السلام- ﴿ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا، إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ (مريم: 3) وهذا ما وجه الرسول- صلى الله عليه وسلم- أصحابه عندما سألوه فقالوا: أقريب ربنا فنناجيه؟ أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله- عز وجل- ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ (البقرة: 186).
وفي صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنن ومسند أحمد عن أبي موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في غزوة، فجعلنا لا نصعد شرفًا ولا نعلوا شرفًا ولا نهبط واديًا إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير. قال فدنا منا فقال:
«يا أيها الناس، أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يا عبد الله بن قيس (يخاطب أبا موسى) ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله» فأنت ترى الرسول-صلى الله عليه وسلم- قد أرشد أصحابه إلى المناجاة دون المناداة ومعروف أن المناجاة المسارّة في الحديث، يقال: ناجاه مناجاة ونجاء: سارّه. وفي حديث عبد الله بن قيس أمرهم بأن يرفقوا بأنفسهم فلا يحملوها المشقة برفع الصوت ثم علل ذلك بأن الله يسمع دعاءهم سواء جهروا أم أسروا. ومما يدل على أن الصفة المشروعة في الدعاء هي الدعاء النفسي أو الدعاء الخفي قوله تعالى ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (الأعراف: 55) فقوله تضرعًا: أى تذللًا واستكانة. وقوله «خفية» هي كقوله تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ﴾ (الأعراف: 205).
والدعاء الخفي هو الذي يتناسب مع الإخلاص. قال ابن جرير: تضرعًا تذللًا واستكانة لطاعته، وخفية: يقول: بخشوع قلوبكم وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه لا جهارًا مراءاة. وقال عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير وما يشعر به الناس وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزوار وما يشعرون به.. إلى أن قال: ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت وإن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم وذلك أن الله يقول ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ (الأعراف: 55) وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا رضي فعله فقال: ﴿إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا﴾ (مريم: 3) وقال ابن جريج: يكره رفع الصوت بالدعاء والنداء والصياح في الدعاء ويؤمر بالتضرع والاستكانة. «راجع ابن كثير في تفسيره، سورة الأعراف آية ٥٦» وفي ختام الآية يقول تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ (الأعراف: 55) والاعتداء يشمل أمورًا كثيرة منها: ما نهى الله عنه في الآية كأن يدعو صائحًا رافعًا صوته.
الدعاء بين العبد وربه:
ومما يؤكد أن الدعاء يكون نفسيًّا أو سرًّا ولا يكون جماعيًّا ولا جهرًا أن الدعاء الصادق هو الذي يصدر من قلب حاضر خاشع، يطلب فيه العبد من الله حسنة دنيوية أو دفع ضرر دنيوي أو يطلب فيه خير الآخرة أو يسأله تعالى دفع شرها، وكثيرًا ما يتحول الدعاء الجماعي إلى طقوس يفقد فيها الدعاء خصائصه ويصبح كلمات وألفاظًا تردد ولا يفقه مرددها معناها، وهذا يشاهده من يرى أولئك المطوفين الذين يقودون عامة الناس حول الكعبة وفي المسعى، والناس يرددون ما يدعو به أولئك المطوفون وقد يخطئون في الدعاء، وقد يدعون بالدعاء غير المشروع، وقد يكون الداعي غلامًا صغيرًا والصائمون الساعون يرددون ما يقول أولئك من غير تفكير.
شبهة وجوابها:
يحتج بعض الناس بحديث «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: حِلَق الذكر» على إباحة الذكر الجماعي، وهذا حديث ضعيف كما أشار إلى ذلك الشيخ ناصر الدين الألباني في ضعيف الجامع رقم 799 وقال إنه خرجه في المشكاة 729 والأحاديث الضعيفة 1150.
صيغة في الدعاء الجماعي:
من صور الدعاء الجماعي المشروع على قلة ما ورد عن عمر بن الخطاب أنه سأل المسلمين في إحدى خطبه أن يؤمنوا على دعائه فكان يدعو والمسلمون يقولون آمين. أما ما ورد عن الرسول-صلى الله عليه وسلم- من الدعاء في خطبة الجمعة وفي صلاة الاستسقاء بصوت مرتفع فتلك حالة خاصة يدعى بمثلها حين الحاجة إلى ذلك والله أعلم.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل