; التمزيق الطائفي في مصر.. بعد التمزيق العنصري | مجلة المجتمع

العنوان التمزيق الطائفي في مصر.. بعد التمزيق العنصري

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 01-أغسطس-1972

مشاهدات 20

نشر في العدد 111

نشر في الصفحة 6

الثلاثاء 01-أغسطس-1972

الاستعمار يريد استخدام «الطوائف»

قواعد سياسية وعقائدية لمصالحه

 

من آثار الفتنة الطائفية في مصر؟

لماذا أثيرت؟

وما هو العمل المطلوب لمواجهة هذه الفتنة؟

قبل الإجابة على هذه الأسئلة فإن الإخلاص لهذه الأمة يقتضي أقصى درجات التحكم في الأعصاب، وأقصى درجات السيطرة على العواطف، فإن من الأهداف الرئيسية لهذه الفتنة أن تفقد الأمة أعصابها، وتنفلت عاطفتها، وتغرق في دوامة من الزلازل الاجتماعية والعقائدية، وليس هناك ضمير يؤمن بالله واليوم الآخر يسره أن يرى أمته في هذا الوضع المعنت.

إن المشكلة معقدة بالغة الحساسية، والعلاج في هذا الحال ليس العواطف الهائجة، ولا الأعصاب المتوترة فإن علاجًا كهذا يزيد الفتنة وقودًا، والنار ضرامًا.

العلاج هو الحكمة، ودراسة الأسباب، وبذل جهد مخلص في التخلص من كل العوامل التي تتيح للقوى المخربة استغلال طائفة ما لضرب الأمة وتمزيق وحدتها.

ولعل الإجابة على الأسئلة الآنفة تساهم في توضيح الرؤية، وكشف المخاطر التي يضمرها الشريرون للشقيقة مصر.

• إن مصر شعب منصهر متحد ومن الظلم الذي لا يطيقه أي ضمير ديني الزعم بأن هناك طائفة دينية معينة «الأقباط» مهضومة الحق في مصر.

وإذا كانت هذه المزاعم لا تستند إلى واقع، ولا إلى عقل، ولا إلى ضمير ديني يخشى الله ويتقيه، فإن المطالبة بحقوق معينة لهذه الطائفة -جامعة لاهوت ومقاعد وزارية إلخ ـ لا تعني إلا إثارة القلاقل في مصر، وإحداث شغب اجتماعي في داخلها يستنفد طاقته، ويبدد جهودها.

إن المطالبة بالحقوق، طبيعية ومعقولة حين تكون الحقوق مهضومة وحين يكون الجور واقعًا على هذه الطائفة، أما الإصرار على مطالب معينة بقصد التمايز وتكوين تكتل سياسي وإنشاء مركز عقائدي خاص يستخدم للضغط والتأثير، فهذا شيء غير طبيعي وغير معقول.

وتقرير أن هذه المطالب -وغيرها كثير- غير معقولة وغير طبيعية تتضح الإجابة على سؤال: من الذي أثار الفتنة في مصر؟؟.

وبطبيعة الحال ليس المقصود من هذا إصدار أحكام بالتجريم، وإنما المقصود النفاذ إلى خلفيات الفتنة أو امتدادها الخارجي.

إن المسلمين في مصر، إما متدينون، أو غير متدينين، أما غير المتدينين فلا يقول أحد أنهم يتعصبون ضد الأقباط بدافع ديني ذلك أنهم هم أنفسهم قد هجروا الدين، وانفلتوا من سلطانه، وهذا النوع من الناس أقرب إلى محاباة الملل الأخرى منه إلى محاباة بني دينه والشواهد على ذلك كثيرة وفيرة.

وأما المتدينون فهم وقافون عند كلام الله ورسوله، فقد أمر الله بالقسط والعدل، ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، وفي سنة الرسول -عليه الصلاة والسلام- توجيه خاص يوصي المسلمين بالحنو على أهل مصر، وكانوا يومئذ أقباطًا.

في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة وصهرًا»

وفي الحالين -حال المسلمين المتدينين والمسلمين غير المتدينين- لا يتصور الجور البتة على حقوق أقباط مصر، بل إن هناك ظاهرة واضحة تشهد بأن المسلمين هم الذين هضمت حقوقهم، وقل نصيبهم الذي ينبغي أن يتناسب مع كثرتهم العددية، سواء بمنطق العدل أو بمنطق الديمقراطية.

إن دور العبادة هي أهم شيء يعتز به أهل الأديان ومن هنا فإن كثرة هذه الدور تؤكد على أن حكاية الظلم هذه خرافة فارغة لا تثير ضحكًا ولا بكاءً!

ولو أن مسيحيي مصر يملكون من دور العبادة معشار ما يملكون الآن،  لكان ذلك أقوى دليل على النصفة والعدل والتسامح فما بال إذا كانوا يملكون ما يزيد على حاجتهم بمستويات كبيرة وضخمة.

 واضرب لهم الأمثال

• السائر من «ميدان التحرير» إلى «ميدان رمسيس» في القاهرة لن يجد إلا مسجدًا واحدًا، ولكن في هذه الساحة ذاتها بين الميدانين -يجد سبع كنائس ضخمة، والكل يعرف أن الأغلبية الساحقة من سكان هذه المناطق من المسلمين!

• في «مصر الجديدة» ٣٤ كنيسة للمسيحيين و۷ مساجد للمسلمين!

• في الإسكندرية وفي منطقة الرمل -وهي من أهم مناطق الإسكندرية- أكثر من سبعين كنيسة، أما المساجد فلا تبلغ العشرة! فهل هذا ظلم للمسيحيين أم للمسلمين؟

ومرة أخرى نحذر من أن يتخذ هذا الكلام مبررًا لمزيد من الإثارة، وإنما ذكرت هذه الوقائع حتى تتضح بصورة قاطعة الأيادي اليهودية الخفية التي تدير الفتنة وتغذيها، نعم، لكي يتضح تمامًا أن هذه الأيادي ليس همها إنصاف الأقباط والمسيحيين عمومًا في مصر، فحقوق هؤلاء في مصر أكثر من مكفولة، وأكثر من مصانة!

هم الأيادي الخفية إذن هو ضرب مصر، وإثارة فتن جديدة تطيل عمر حالة «عدم الاستقرار» في بلد له في خدمة الإسلام نصيب كبير.

لماذا أثيرت الفتنة الطائفية في مصر؟

الإجابة على هذا السؤال لا تنفصل عما جرى ويجري في العالم الإسلامي كله، ابتداءً من عهود الاحتلال، وانتهاءً بالمشكلات التي أنشأها الاستعمار قصدًا في العالم الإسلامي، فلما رحل شكلًا بقيت هذه المشكلات تطحن العالم الإسلامي، وتعيق تقدمه ونهضته.

 والظاهرة الواضحة أن الاستعمار مزق العالم الإسلامي والعنصريات والقوميات العنصرية.

- في السودان أنشأ مشكلة الجَنُوب وغذاها ولا يزال يغذيها.

- في العراق أثار الفتنة بين شماله وجنوبه على أساس عنصري.

- وفي نيجيريا قام بنفس المحاولات لولا أن ظروفًا عالمية ومصالح دولية معينة أحبطت تلك المحاولات.

- ومنذ قليل مزق الباكستان على أساس عنصري وشق البلد الكبير تمهيدًا لتمزيق أقاليمه الصغيرة في حملة أخرى.

كانت خطته تستهدف التمزيق عن طريق إثارة العصبيات العنصرية، والتمزيق هدف ثابت من أهداف القوى العالمية الشريرة، وما دام الهدف ثابتًا فإن تغيير الوسيلة -مراعاة للظروف والملابسات- شيء تدركه هذه القوى الشريرة وتتقنه.

إنهم يريدون تمزيق مصر وإثارة التناقضات في كيانها الداخلي، فهل تستطيع القوى العالمية المخربة تحقيق هدفها بنفس الوسيلة التي تحاول بها تمزيق العراق والسودان، والتي مزقت بها الباكستان فعلا؟

هذا شيء غير ممكن لأنه ليس في مصر تجمعات عنصرية أو عصبيات قومية متناحرة، إن مصر بلد قد انصهرت فيه كل العناصر وأصبح وحدة متماسكة ما عدا هنات صغيرة لا تصلح -في نظر الاستعمار- لأن تكون أداة لتمزيق وحدة مصر.

إذن ما هو الأسلوب الذي تختاره قوى الشر والتخريب لتمزيق مصر؟

لقد اختارت هذه القوى «الفتنة الطائفية» أسلوبًا لعملها وأداة لمخططها، وفي المنشورات التي وزعت دعوة قديمة إلى تعاون يهودي - مسيحي ضد المسلمين! وهنا تكمن الخطورة.

إن الذين يستمعون إلى هذه القوى، وينفعلون عقائديًا مستجيبين لهذا المخطط في غفلة عجيبة هؤلاء عليهم أن يدركوا مدى خطورة العمل الذي يقدمون عليه.

إن الأمر أكبر وأكثر هولًا من مسألة جامعة اللاهوت أو المقاعد الوزارية، إن هذه المطالب تستخدمها القوى الشريرة -على رأسها اليهودية العالمية- كشكل من أشكال تحقيق الهدف الثابت: هدف تمزيق مصر وتصديع بنيانها داخليًا.

والأخبار والتعليقات المقتضبة التي صدرت حتى الآن كلها تؤكد وجود الأصابع الأجنبية في تلك الفتنة.

إننا نعرف أن الدول الشيوعية تستخدم الحركات والأحزاب الشيوعية كقواعد عقائدية وثقافية لخدمة مصالح تلك الدول.

فهل تريد القوى الشريرة التي تزعم الانتساب إلى المسيح عليه السلام هل تريد -بتوجيه من اليهود- أن تلعب نفس اللعبة وتستخدم الطوائف القبطية والمسيحية لخدمة مصالحها في البلدان الأخرى وتحت ستار الوحدة العقائدية والثقافية؟

إن القوى الشريرة لا تتورع أبدًا عن هذا العمل ولذلك فإن الكلمة الأمينة يجب أن تتجه إلى مسيحيي مصر والعالم العربي عمومًا.

وهذه الكلمة في اختصار شديد هي أن الضمير الديني يرتكب جرمًا فظيعًا، ويسقط هيبته بنفسه أمام الناس إذا هو ارتبط بقوى الظلم والاستغلال والفساد في العالم.

ثم إن هذه الإثارة ليست في صالح الطوائف المسيحية في النهاية فقانون: لكل فعل رد فعل يوازيه في القدر ويضاده في الاتجاه، هذا القانون ينطبق إلى حد ما في العلاقات الاجتماعية والعقائدية، وحين تنطلق ردود الفعل فان العواقب لا يعلم مداها إلا الله سبحانه.

• تبقى كلمة أخيرة للمسلمين فقد جزع المسلمون في مصر لأن عددًا من أبنائهم ترك دينه وتنصر تحت شتى المؤثرات.

ولا شك أن هذا أمر خطير يحزن كل قلب مسلم ويصيبه بالأسى، والفجيعة والجزع.

فإذا كان اهتداء رجل واحد إلى الإسلام خير من الدنيا وما فيها، فإن انتقال رجل من الهدى إلى الضلال خسارة لا تعوضها خيرات الدنيا كلها.

ولكن لماذا نبكي ونحن السبب!

 إن المسلمين الذين تركوا أبناءهم بلا عقيدة عاصمة هم الذين هيأوا المناخ لحركة التنصير، وإلا هل يعقل أن يقدم شاب -ملأ التوحيد قلبه- على ترك الإسلام والذهاب للنصرانية؟

إن الموقف خطير، والمطلوب من الحكام ورجال التربية وأولياء الأمور أن يقوموا بتعبئة عقائدية عميقة وواسعة النطاق تغلق الأبواب في وجه فتنة التنصير، وتوقف حالة التدهور على عجل.

وبعد هذا الإجراء العاجل لا بد من خطة واسعة المدى تتناول مناهج التربية ووسائل الإعلام وتحدث فيها تغييرًا جذريًا يمكنها من غرس عقيدة الإسلام في نفوس الناشئة، كذلك لا بد من إعادة النظر بدقة وحذر وحكمة في مدارس التبشير، والنشاط التبشيري بوجه عام في مصر والكويت وفي كل بلد إسلامي، ونختم هذه الكلمة بالنداء الرباني لأهل الكتاب.

﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران : ٦٤)

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مخطط جنرالات اليهود للمستقبل

نشر في العدد 4

44

الثلاثاء 07-أبريل-1970

السودان في سطور

نشر في العدد 4

35

الثلاثاء 07-أبريل-1970