; المجتمع التربوي (1152) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي (1152)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 06-يونيو-1995

مشاهدات 10

نشر في العدد 1152

نشر في الصفحة 52

الثلاثاء 06-يونيو-1995

وقفة تربوية

فقه التعامل مع الناس

بعض الدعاة ينظر إلى الناس بمنظار واحد، إما أسود أو أبيض، ولا يستطيع أن يرى الناس بما يحملون من حسنات وسيئات، فإذا ما رأى إنسانًا يغلب عليه الشر، فإنه يهييء نفسه ويعوِّدها على التعامل معه دائمًا تعاملًا سلبيًا، وكذلك العكس، فإن رأى من يغلب عليه الخير فإنه يعامله دائمًا تعاملًا إيجابيًا، ويغض طرفه عن أخطائه إذا ما رأها يومًا، والأصل في الداعية العدل في تعامله مع الآخرين، منطلقًا من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ (سورة المائدة: 8)، فإن رأى خيرًا أيده، ووقف بجانب صاحبه، وإن رأى شرًا أنكره ونصح صاحبه بالإقلاع عنه، كائنًا من كان ذلك الإنسان، ومن الخطأ الجسيم إغفال جوانب الخير عند الناس مهما ولغوا بالشر واتصفوا به، وفي هذا يقول ابن عباس رضي الله عنه: «لو أن فرعون مصر أسدى إلي يدًا صالحة، شكرته عليها». 

وقال بعضهم: «إذا قصرت يداك عن المكافآت، فليطل لسانك بالشكر» «حدائق الأزاهر ۲۷۸».

فقد يكتب علماني مشهور بعدائه للإسلام والإسلاميين يومًا فقرة أو مقالة يدعم فيها أمرًا من أمور الخير، فلا ينبغي تجاهله، وإساءة الظن فيه، بل يجب شكره والثناء على موقفه في تلك القضية، لنشجع فيه عامل الخير، ولعل ذلك يكون جسرًا يصل إلى قلبه، فلا يخلو إنسان من ناحية من نواحي الخير، إذا استطعنا أن نكشفها فيه.

أبو بلال

خواطر داعية:

الحمد والتضرع

بقلم: وحید الدین خان 

مفكر ومؤرخ هندي

عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

« عَرَضَ عليَّ ربِّي عزَّ وجلَّ لِيَجعَلَ لي بَطحاءَ مكَّةَ ذهبًا، فقلتُ: لا يا رَبِّ، ولكنْ أشبَعُ يومًا وأجوعُ يومًا - أوْ نحوَ ذلكَ -، فإذا جُعْتُ تضرَّعْتُ إليكَ وذكَرْتُكَ، وإذا شبِعْتُ حمِدْتُكَ وشكَرْتُكَ. » «رواه أحمد والترمذي». 

إن ما يطلبه الله سبحانه من عباده يتلخص في أمرين:

أحدهما: أن يعترفوا بقدرة الله اللانهائية، ويخضعوا بين يديه معبرين بذلك عن عجزهم المطلق إزاءه تعالى: 

وثانيهما: أن يشعروا بما يغدق الله عليهم من صنوف النعم ليل نهار، فيتوجهوا إليه شاكرين.

وكلا هذين الأمرين قد تناول في القرآن الكريم والسنة النبوية بأوضح بيان، وأعظم تجربة عملية لذلك هي التي يمر بها الإنسان في صورة الجوع والشبع، فإن الإنسان حين يشتد به الجوع والعطش، يشعر عندئذ حقًا كم هو ضعيف ومحتاج، ثم إذا وجد بعد ذلك ما يسد به جوعه من الطعام، وما يروي به غلته من الماء الزلال، أدرك عندئذ حق الإدراك ما للماء والطعام من قيمة وأهمية في الحياة. 

وإنه لابد للمرء في هذا العالم أن يجرب الجوع والشبع معًا، فيجب أن تعتريه الحالة التي يجف فيها حلقومه من شدة الظمأ، فإذا شرب على إثر ذلك الماء البارد، اعترته تلك الكيفية التي عبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «ذهب الظمأ وابتلت العروق». 

ونعلم من حديث أبي أمامة المذكور أعلاه أن الكيفيات لا تتولد بدون مساعدة من الأحوال والملابسات الخارجية، وإن الصوم هو تدبير سنوي لتوليد أحوال مساعدة من هذا النوع، فالمرء يتم تعريضه من خلال الصوم لتجربتي الجوع والشبع الواحد تلو الآخر، لكي يخضع لله معترفًا بعجزه المطلق إزاءه من جهة، وشاكرًا لأنعمه تعالى من جهة أخرى.

وجاء في القرآن الكريم في معرض الأمر بصوم رمضان وبيان الحكمة من فرضه على المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (سورة البقرة: 183- 184- 185)

 أشارت هذه الآيات إلى فائدتين خاصتين للصوم، أما إحداهما فهي أن الصوم وسيلة إلى خلق صفة التقوى في نفس الصائم، وأما الأخرى فهي أن الصوم من شأنه أن يجعل من يمارسه شاكرًا لربه.

وما أطلق عليه في القرآن الكريم «التقوى» و «الشكر» هو الذي عبر عنه الحديث النبوي الآنف الذكر بـ «التضرع» و«الحمد»، وهاتان الكيفيتان هما جوهر العبودية، فشعور المرء بعجزه المطلق إزاء القدرة الإلهية المطلقة يبعث في داخله مشاعر التضرع والتقوى، بينما يعمل شعوره بعطايا الله وألطافه على تفجير ينابيع الحمد والشكر والامتنان في أعماق وجوده.

ولو كان المرء مرهف الحس يقظ الشعور لطرأت عليه هاتان الكيفيتان كل يوم عند كل تجربة تمر به من تجارب الحياة اليومية، فهو لا يزال يستمد هذا الغذاء الرباني المتمثل في التقوى والشكر من كل ما يواجهه من الأحداث والوقائع.

ولقد فرض الصوم لكي يتمكن المؤمنون عامة من التمتع بهاتين الكيفيتين بمزيد من الشدة والعمق، وعليه فكأن صيام رمضان منهج خصوصي لتربية عامة !!.
الهوامش

 

الرابط المختصر :