; الاحتفال باليوم العالمي للمرأة.. رؤية فقهية | مجلة المجتمع

العنوان الاحتفال باليوم العالمي للمرأة.. رؤية فقهية

الكاتب د. مسعود صبري

تاريخ النشر الأحد 01-أبريل-2018

مشاهدات 28

نشر في العدد 2118

نشر في الصفحة 58

الأحد 01-أبريل-2018

مارس شهر المرأة بأمريكا رسمياً وفي إيطاليا يتم الاحتفال بتبادل الزهور وبالصين تعمل النساء نصف يوم فقط

كثير من الفقهاء المعاصرين يحرّمون الاحتفال بيوم المرأة العالمي باعتباره من جملة البدع والمحدثات

يجيء الاحتفال باليوم العالمي للمرأة كل عام في الثامن من مارس، معجبة به غالب النساء، معترضاً عليه غالب الرجال، محرماً له كثير من الفقهاء المعاصرين، باعتباره بدعة محدثة في الدين، لم توجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله أوائل المسلمين من السلف والخلف، ولأن الاحتفال نشأ في بلاد غير المسلمين، وقد تقرر عند الفقهاء أن «الحكم على الشيء فرع عن تصوره»، فلا بد من معرفة طبيعة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وكيف نشأ؟ وكيف يكون الاحتفال؟

منشأ الاحتفال:

الاحتفال باليوم العالمي للمرأة هو احتفال عالمي يحدث في اليوم الثامن من شهر مارس من كل عام، ويقام للدلالة على الاحترام العام، وتقدير المرأة لإنجازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وكانت بداية الدعوة للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس 1908م، حيث خرجت 15 ألف امرأة في مدينة نيويورك بأمريكا يطالبن بأن تكون ساعات عمل المرأة أقصر، وأن يعدل أجرهن في العمل، وطالبن بحقهن بالتصويت في الانتخابات، وفي عام 1909م تم إعلان يوم الثامن من مارس يوماً للمرأة من قبل الحزب الاشتراكي الأمريكي، وفي العام التالي 1910م عقد مؤتمر نسائي حضرته أكثر من مائة امرأة من 17 دولة واقترحن يوم الثامن من مارس ليكون يوماً للمرأة، وفي عام 1917م طالبت النساء الروسيات ببعض حقوقهن أيام الحرب العالمية الأولى، وتنازل القيصر الروسي عن الحكم وأعطيت النساء حق التصويت،  ثم عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في باريس عام 1945، ثم أقرت الأمم المتحدة ذلك اليوم احتفالاً بالمرأة في عام 1975م.

كيفية الاحتفال بيوم المرأة العالمي:

تتنوع أشكال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وإن كان يغلب عليه طابع الإعلام، بأن هذا هو يوم الاحتفال بالمرأة، والتذكير بحقوقها وإنجاز بعض النساء في بعض المجتمعات.

ويأخذ الاحتفال شيئاً من الخصوصية في بعض الدول، ففي أمريكا يعلن أن شهر مارس هو شهر المرأة، ويصدر إعلان رئاسي للاحتفال بإنجاز المرأة الأمريكية.

وفي إيطاليا يتم الاحتفال بتبادل الزهور، وفي الصين تعمل النساء العاملات نصف يوم فقط، خاصة في المؤسسات الحكومية وبعض المؤسسات الخاصة.

التكييف الفقهي للاحتفال بيوم المرأة العالمي:

يجنح كثير من الفقهاء المعاصرين إلى تحريم الاحتفال بيوم المرأة العالمي، ويستندون في الحكم بالتحريم إلى عدة أمور، أهمها أن الاحتفال بيوم المرأة هو من جملة البدع والمحدثات التي دخلت بلاد المسلمين، بسبب غفلتهم عن أحكام دينهم، وابتعادهم عن هدي شريعة ربهم، وتقليدهم الأعمى للغرب في كل ما يصدر منه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وأنه ما من بدعة دخلت بلاد المسلمين إلا وقد أماتت سُنة من السنن، وذلك لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد: «ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السُّنة فتمسك بسُنة خير من إحداث بدعة». 

كما استندوا إلى أنه لا يجوز إحداث عيد غير الفطر والأضحى، لقوله تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ) (الحج: 67).

كما أن تكريم الزوجة من الأمور التي حث الشارع عليها، لقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، كما أن الاحتفال دائماً لا يخلو من بعض المحرمات كالاختلاط ونحوه.

إشكالات في الإفتاء بالتحريم:

لكن هناك إشكالات كثيرة في الإفتاء بتحريم الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وأول إشكال هو أن التحريم لا بد فيه من دليل، وليس هناك دليل يدل على تحريم ذلك الاحتفال؛ بمعنى أن الإعلان عن أن هذا اليوم يوم المرأة تكريماً لها، ليس هناك ما يدل على أن من يفعل ذلك آثم عند الله تعالى، وأنه قد ارتكب محرماً.

ثم الاستدلال بأنه ليس للمسلمين أعياد غير الفطر والأضحى لا ينسحب على كل فتاوى العلماء في الباب، فهم يجيزون الاحتفال بالعيد الوطني وعيد التحرير وبعض الأعياد الوطنية، بل العجيب أن الاحتفال بالمرأة لا يسمى غالباً عيداً، وإنما يسمى «اليوم العالمي للاحتفال بالمرأة»، بينما في الاحتفالات الوطنية يسمى «العيد الوطني»، فهناك من الفقهاء المعاصرين من يجيزون الاحتفال بالعيد الوطني، وهناك من يحرمه، فلا يمكن القول بحرمة الاحتفال بيوم المرأة العالمي.

ثم النظر إلى مقصد حل مثل الاحتفال بهذه الأيام يكاد يكون واحداً، فالاحتفال بالوطن، والاحتفال بالمرأة وتكريمها من خلال إلقاء بعض الكلمات وإقامة الندوات ليس محلاً للتحريم.

ثم البناء على مفهوم البدعة المحدثة يحتاج إلى شيء من التحرير، خاصة أن كثيراً من أهل العلم يحرمون أشياء كثيرة بناء على هذا الأصل، وهو أن هذه بدعة محرمة، فالبدعة أولاً تتعلق بالزيادة أو النقصان فيما يتعلق بالأمور الشرعية، وليس من الأمور العادية. 

وقد بين الإمام الشاطبي، رحمه الله، في كتابه «الاعتصام» أن البدعة على مراتب، منها ما يكون كفراً، ومنها ما يكون كبيرة محرمة، أو صغيرة محرمة، ومنها ما ليس حراماً، فقد يكون مكروهاً، فيقول: «البدع إذا تؤمل معقولها وجدت رتبها متفاوتة؛ فمنها ما هو كفر صراح، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن، كقوله تعالى: (وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء) (الأنعام: 139)، وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال، وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح، ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف هل هي كفر أم لا! كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة، ومنها ما هو معصية ويتفق عليها بكفر كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع، ومنها ما هو مكروه: كالاجتماع للدعاء عشية عرفة، وذكر السلاطين في خطبة الجمعة وما أشبه ذلك، فمعلوم أن هذه البدع ليست في رتبة واحدة فلا يصح مع هذا أن يقال: إنها على حكم واحد، هو الكراهة فقط، أو التحريم فقط».

وعلى هذا، فما ينبغي التسرع في إطلاق البدعة المحرمة على كل أمر لم يكن موجوداً زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا جعلنا غالب أمورنا بدعة، فارتفاع المنبر على حده الذي كان موجوداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرش المسجد بالسجاد ونحوه، وإضاءة المسجد بالمصابيح الحديثة، ودهان المسجد، ورفع الأذان في مكبرات الصوت، وتحديد خطوط لتسوية الصلاة، وغيرها، كل هذه ليست بدعاً رغماً أنها أمور محدثة تتعلق بالدين، فكيف بما يتعلق بالعادات وليس بالعبادة؟!

أما الاستناد إلى أن الإسلام كرم الزوجة على الدوام وحث الزوج على حسن عشرة زوجته، وليس في يوم واحد، فمحل اتفاق من حيث الجملة، لكن المرأة ليست زوجة فقط، فهناك من النساء من لسن متزوجات، ثم هناك غير الزوجة، من الأمهات الأرامل، والبنات وغيرهن.

ثم أي وجه للتحريم إن أقرت الدولة إجازة للنساء العاملات، وبدلاً من أن يعملن يوماً كاملاً يعملن نصف يوم؟!

وليس هناك في الشريعة ما يمنع الإعلان عن إنجازات المرأة؛ لأنه داخل في عموم التسوية التي جاءت بها الشريعة، التي تكلم عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال».

إن المتتبع لنصوص الشريعة لا يجد ما يدل على تحريم الاحتفال العالمي بيوم المرأة، بل فحواه مطابق لما جاءت به الشريعة من إنصاف المرأة من الظلم، وإعادة الاعتبار لها باعتبارها أماً وزوجة وبنتاً وأختاً وعمة وخالة ورائدة ومربية للرجال.

على أنه لا مانع من مراعاة العادات والتقاليد في بلد من البلاد، فليس بلازم أن تقوم الدولة بالاحتفال إن رأت أنه ليس في ذلك مصلحة، أو رأى البعض ترك الاحتفال به، فالاحتفال باليوم العالمي للمرأة ليس واجباً حتى يكون ملزماً، بل الأمر فيه سعة، وإن كان البعض يرى في تكريم المرأة وجهاً من الوجوه، فلتكن وجوه تكريم المرأة متعددة، لكنه أصل من أصول الدين، وإن تنوعت الوسائل، ورعيت فيها الأعراف والتقاليد، ولكن الأخطر هو الإفتاء بأن الاحتفال محرم وأنه بدعة في الدين!

على أن رؤية الإسلام تجاه المرأة أكبر بكثير من تلك الرؤية التي تحصرها في الاحتفال بها بيوم؛ لأنها رؤية تتأسس على التكريم والتفعيل وإدراك دورها الرئيس في المجتمع، ووجود مساحة كبيرة لاختيار المرأة العمل المناسب لها، وتبوؤ المكانة التي تليق بها اجتماعياً وحضارياً وإنسانياً، وأنه لن تأتي فلسفة أو حضارة ترفع قدر المرأة كما فعل الإسلام.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

هذا الأسبوع (18)

نشر في العدد 18

0

الثلاثاء 14-يوليو-1970

صراع أخلاقي في أمريكا

نشر في العدد 70

26

الثلاثاء 27-يوليو-1971