; صراع أخلاقي في أمريكا | مجلة المجتمع

العنوان صراع أخلاقي في أمريكا

الكاتب مجلة المجتمع

تاريخ النشر الثلاثاء 27-يوليو-1971

مشاهدات 26

نشر في العدد 70

نشر في الصفحة 22

الثلاثاء 27-يوليو-1971

صراع أخلاقي في أمريكا

الإجهاض من حقوقنا الشخصية... ويجب أن نمارسه!! 

ونحن نرفض الإجهاض؛ لأنه اعتداء على وجود الإنسان وحرمته

 

       منذ أربع سنوات بدأت حركة نشيطة في الولايات المتحدة إباحة الإجهاض، وإعادة النظر في كل القوانين التي تحرمه، وفي الثلاث سنوات الأولى من هذه الحملة وافقت ست ولايات على إباحة الإجهاض لأسباب علاجية من أجل صحة الأم وسلامتها الجسمانية أو العقلية أو الاثنين معا!! وفي العام الماضي تبنت أربع ولايات أخرى قوانين أكثر تحررا وهي ولايات نيويورك ألاسكا وهاواي وواشنطن، وهذه الولايات غيرت قوانينها بحيث أصبح الإجهاض حقا لكل من يطلبه، وعلى الرغم من المعارضة القوية التي تلقاها هذه القوانين إلا أنه يبدو من الإحصائيات التي توفرت أخيرا عن الموضوع في هذه الولايات تشير إلى أن عمليات الإجهاض قد نشطت بعد أن أصبحت حقا مباحا للجميع بدون أي شروط أو حدود سواء طبية أو قانونية!!

ويقول الدكتور دونالد مانجر رئيس مركز سان فرنسيسكو: الإجهاض القانوني «إن الإجهاض قد وجد مكانه في المجتمع، ولم يعد الناس يفكرون فيه على أنه جريمة».  

ويبدو أن الإحصائيات تؤكد رأي الدكتور ميلر، فقد بلغت عمليات الإجهاض لأسباب صحية في عام ١٩٦٦م حوالي ۸۰۰۰ حالة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وهذا في السنة التي سبقت العام الذي أبيح فيه الإجهاض في بعض الولايات، وهذا العام تقدر عمليات الإجهاض بحوالي ٤٠٠ ألف حالة، هذا بالإضافة إلى مليون عملية أخرى تجرى بعيدا عن المستشفيات، ويقول خبير اجتماعي آخر: «إن الإجهاض هو أسرع ثورة اجتماعية شهدتها الولايات المتحدة». 

وأكبر مركز للإجهاض في أمريكا هو مدينة نيويورك، فبموجب القانون الجديد يحق لأي طبيب أن يجري العملية، ومن هذا الشهر أصبحت نيويورك عاصمة الإجهاض الولايات الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة، وفي خلال العام الماضي أجريت  ١٦٥,٠۰٠عملية إجهاض في نيويورك وحدها!! ومن إحصائيات أخرى ظهر أن عدد الأطفال المجهضين يوازي تقريبا عدد الأطفال المولودين في الولاية في مقابل ۱۰۰۰ طفل يولد، هناك ٩٥٠ طفل آخر لا يرى الحياة بسبب الإجهاض.

ويعزي الأمريكيون أنفسهم بأنه نتيجة إباحة الإجهاض ومن الآثار الحسنة لهذا القانون فقد انخفضت نسبة عمليات الإجهاض غير القانونية، والتي يجريها أناس ليس لديهم أية خبرة طبية في الظلام، وكذلك يهللون بأن نسبة وفاة الأمهات قد هبطت نتيجة لمحاولات الإجهاض التي تجريها النساء لأنفسهن.

ومن الأمور المحيرة فعلا أن أحد المسؤولين صرح بأن عدد الأطفال غير الشرعيين الذي كان في ارتفاع مستمر في مستشفيات الولاية قد انخفض لأول مرة منذ عشر سنوات، فقد بلغ عدد هؤلاء الأطفال ٧,٥٨١ في الثلاثة شهور الأولى من هذه السنة مقابل ٧,٧٦٤ طفل غير شرعي في نفس الفترة من العام الماضي، ولكن هل يعتبر بهذا الفرق الطفيف من الناحية الإحصائية؟ وهل يمكن أخذه دلالة على أن إباحة الإجهاض سيؤدي إلى انخفاض عدد الأطفال غير الشرعيين؟ أو نسبة العلاقات غير الشرعية كما يريد أن يوحي المسؤولون؟! فالنتيجة المنطقية أن إباحة الإجهاض لكل من يطلبه، وبحيث تكفله مستشفيات الدولة تحت أحسن الشروط الصحية من شأنه أن يشجع كل فتاة على ممارسة العلاقات الجنسية غير المشروعة دون خوف أو تردد. 

والغريب أن التقرير احتوى على ما يؤكد هذا الكلام، فعندما تعرض الكاتب لمدى سهولة حصول النساء الفقيرات على الإجهاض، قال: إن نسبة كبيرة من عمليات الإجهاض في نيويورك أجريت لنساء زنجيات أو من أمريكا اللاتينية، وقد دفعت الولاية تكاليف إجراء العملية بحوالي الثلث، كما أن كثيرا من المستشفيات في حالة فوضى يرثى لها من كثرة الطلبات المقدمة لإجراء العملية، وهناك العديد من الفتيات يلهثن من مستشفى لأخرى؛ بحثا عن سرير شاغر، وفي ولاية كاليفورنيا يجب على كل من تريد الإجهاض أن تنتظر -على الأقل- ثلاثة أسابيع قبل أن تجد سريرا. 

وقد فتحت قوانين الإجهاض الباب على مصراعيه للمستغلين وصانعي الثروات، فكثير من الأطباء الذين سمحت لهم ضمائرهم إجراء هذه العملية زادت دخولهم من ۱۰۰ ألف دولار إلى ١٥٠ ألف دولار في السنة؛ وذلك لإجراء عمليات الإجهاض بعد ساعات العمل في عياداتهم، ومعظم هؤلاء الأطباء يتحاشون إجراء هذه العملية في عياداتهم المعروفة ويخشون على سمعتهم على الرغم من مساندة القانون، وتوجد لكل منهم عيادة خاصة لإجراء عمليات الإجهاض لا يعرفها مرضاهم العاديون. 

كما تأسست دور خاصة للإعلان عن الإجهاض؛ لتزويد الزبائن بكافة المعلومات والتسهيلات المطلوبة من مواعيد الأطباء والكشف، وحجز الأماكن في المستشفيات، وحل كل المشاكل التي تنجم أثناء العملية.. إلخ من الخدمات التي تحتاجها كل من تود إجراء العملية، وذلك نظير مبالغ كبيرة، وقد زادت أرباح مثل هذه المؤسسات لدرجة أن إحداها تستعمل الطائرات للإعلان على الشواطئ، حيث يكثر المصطافون وتتوفر أسباب اللهو والإغواء، مما دفع بعض الولايات مثل نيويورك بإصدار قوانين محلية لإيقاف نشاط هذه المؤسسات. 

وعلى الرغم من التأييد الذي تلاقيه حركة إباحة الإجهاض فإن القوى المناهضة للإجهاض ما زالت في عنفوانها ويخشى منها، وتأتي هذه المعارضة القوية من الريف المحافظ في غالب الأحيان، ولكن هذه القوى لم تنجح في شيء إلا في الحصول على قانون يقضي بتحريم عملية الإجهاض خارج المستشفيات، الأمر الذي أدى إلى رواج السوق السوداء لرفع أسعار العملية في العيادات الخاصة، حتى أصبح الأثرياء فقط هم القادرون عليها، وتهدف حركة المعارضة إلى استصدار قانون يقضي بإغلاق كل العيادات التي يثبت أنها تؤدي هذه العملية.

وهناك بعض العلامات المشجعة على أن حركة إباحة الإجهاض سوف تواجه رياحا مضادة قد تؤدي إلى إخمادها وفشلها، وأول هذه العلامات جاءت من البيت الأبيض حينما ألغى الرئيس نيكسون أمرا من البنتاجون «وزارة الدفاع» يسمح بإجراء عمليات الإجهاض في المستشفيات العسكرية، وقال: «إنني لا أستطيع أن أخالف اعتقادي الشخصي في حرمة وتقديس النفس الإنسانية، بما في ذلك حياة الإنسان الذي لم يولد بعد»، وينتظر أن تدخل قضية الإجهاض في المعترك السياسي، فقد ردد السيناتور موسكي -المرشح الجمهوري للرئاسة في الانتخابات القادمة- نفس ما قاله الرئيس نيكسون، وأضاف: «إن قضية الإجهاض تقلقني شخصيا». 

وفي الربيع الماضي قضت المحكمة العليا بإبطال قانون محلي يقضي بإباحة الإجهاض في مقاطعة كولومبيا على أساس أنه غير دستوري؛ لأنه جاء غامضا مما يشجع على استغلاله.

وقد جاء موقف الرئيس والمحكمة العليا بمثابة ضربة قاصمة لدعاة الإجهاض، وتشجع المعارضون ففي كثير من المدن الكبرى اتحاد الكاثوليك وكونوا مراكز تساعد النساء ومنحهن بديلا للإجهاض -حتى عن طريق التليفون- يمنحون المال والعناية الطبية والنفسية، كما تألفت جماعات أسمت نفسها لجان «حق الحياة»، واستعانت هذه اللجان بوسائل كثيرة منها: وضع لافتات كبيرة على الطرق العامة والمعارضة التي تدعو إلى الإبقاء على حياة أطفالهن. 

ولكن ما زال هناك الخوف من أن تأخذ قوانين إباحة الإجهاض صبغة قومية، وتخرج من نطاق بضع ولايات؛ وذلك لأنه قدمت إلى المحكمة العليا الفيدرالية قضية يرتكز الدفاع فيها على أن القوانين المحرمة للإجهاض فيها خرق «لحقوق» المواطن، وحريته الشخصية التي نص عليها الدستور الأمريكي.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

مع الصحافة في كل مكان

نشر في العدد 1

904

الثلاثاء 17-مارس-1970

حذار من لعنة الأجيال

نشر في العدد 9

41

الثلاثاء 12-مايو-1970

كيف يسَيطر اليهَود عَلى أميركا؟

نشر في العدد 3

52

الثلاثاء 31-مارس-1970