; صراعنا مع اليهود من أين.. وإلى أين؟ | مجلة المجتمع

العنوان صراعنا مع اليهود من أين.. وإلى أين؟

الكاتب أحمد لطفي عبد اللطيف

تاريخ النشر الثلاثاء 18-فبراير-1975

مشاهدات 20

نشر في العدد 237

نشر في الصفحة 19

الثلاثاء 18-فبراير-1975

بوصول الرسول-صلى الله عليه وسلم- والمسلمين إلى المدينة المنورة تميز معسكران، معسكر الإسلام متخذًا من المدينة قاعدة له، ومعسكر الشرك متخذًا من مكة قاعدة له، ومنذ هذه اللحظة اختار اليهود أن ينحازوا لمعسكر الشرك على الرغم من أمور ثلاثة كانت من الطبيعي أن تجعلهم ينحازون إلـى معسكر المدينة، وهي أنهم أهل كتاب يعرفون الحق الذي جاء به الإسلام وأنهم في جوار معسكر الإسلام لو كانوا يعرفون للجوار حقوقًا، وأنهم حلفاء الأوس والخزرج بالأمس القريب والأوس والخزرج هم مادة الإسلام وأنصاره ولكنهم على النقيض من كل منطق- كما هي طبيعتهم- لم يتركوا وسيلة من الوسائل إلا استخدموها لحرب الدولة الناشئة والدين الحنيف، ولقد حاول الرسول-صلى الله عليه وسلم- إقناع يهود لعلهم ينصاعوا لدعوة الحق ولكنهم بدلًا من أن يقابلوا هذه المحاولات بالمعروف تآمروا على المسلمين وحاولوا قتل الرسول-عليه الصلاة والسلام- ونقضوا كل عهد أبرموه مع المسلمين، بل إنهم اندفعوا في حملات محمومة يتزعمهـا رؤساؤهم أمثال كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق يحرضون المشركين على حرب المسلمين مصرحين لهم بأنهم أفضل من المسلمين ودينهم-الشرك- أفضل من الإسلام. وكان من نتيجة هذه التصرفات أن اتخذ الرسول موقف الحزم من هؤلاء القوم فأباد من أباد منهم وأجلى عن المدينة من أجلى، ثم طهر المسلمون بعد ذلك الجزيرة العربية جميعها من رجسهم ومؤامراتهم. ولقد اهتم القرآن الكريم بالظاهرة اليهودية وبين في بیان مشرق ووضوح تام الصفات التي اتصف بها يهود من المكر والغدر والكذب والنفاق، وحذر المسلمين منهم ومن دسائسهم. وفي سياق الحديث عن يهود بين القرآن الكريم أسلوبهم في الحرب وذلك لهدف أبعد من أن يكون وقتيًّا لأن القرآن ذكر يتلى على مر الأيام والعصور، ولا بد من حكم تؤخذ من أياته في كل زمان، ومن أظهر الصفات التي ذكرها القرآن وصفه لأساليبهم في القتال وأنهم لا يقاتلون في ساحات مكشوفة بل إن من دينهم أن يقاتلوا أعداءهم وهم في حصونهم ومن خلف جدرانهم ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ (الحشر: 14)، ولقد صدق هذا الوصف عليهم منذ عهد الرسول-صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا، فهم لم يقاتلوا المسلمين إلا وهم داخل حصونهم في النضير وقريظة وخيبر، ولا يخفى أنهم اليوم يهتمون اهتمامًا بالغًا في تحصين أماكنهم، بل إن جميع مدنهم التي يبنونها عبارة عن قلاع وحصون، وفي معاركهم وهجومهم على المسلمين تكون قواتهم محمولة سواء أكان ذلك جوًّا في الطائرات أم برًّا في المصفحات، وهل الطائرات والمصفحات إلا حصون؟ ولما كان اهتمام القرآن باليهود بالغًا فإننا نلمس فيه إشارة في سورة الإسراء إلى ما يحدث اليوم بين المسلمين واليهود، فاليهود قد علوا في الأرض علوًّا كبيرًا، وأي علو أكبر من سيطرة اليهود على السياسة الأمريكية؟ وأي علو أكبر من سيطرتهم على كثير من أزمة التوجيه في العالـم عن طريق الصحافة والإذاعة المسموعة والمرئية والخيالة «السينما»؟ وأي علو أكبر من سيطرتهم على السياسة المالية في العالم؟ وهم قد أُمدوا بأموال وبنين فما زلنا نسمع بالأموال الهائلة التي تدفقت عليهم ولا تزال من ألمانيا بشكل تعويضات ومن أمريكا بشكل معونات ومن جالياتهم بشكل تبرعات. وما الهجرة اليهودية من روسيا الشيوعية ودول العالم إلا إمداد لهم بالبنين، وما المتطوعون الذين يندفعون لمساعدتهم في حروبهم ضد المسلمين من شتى الأمم إلا نوع من هذا المدد. واليهود اليوم هم أكثر نفيرًا، وما هذا التأييد من الدول النصرانية لهم، وما هذا الدعم من الكنيسة المسيحية إلا تصديق لقول الله ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ (الإسراء: 6) ذلك لأن الدول النصرانية اليوم هي أكثر دول العالم نصيرًا وهي في خدمة إسرائيل وأهدافها، المشاهد الملموس يؤيد ما نقول. والواقع أن هذا التفسير لآيات سورة الإسراء إنما هو رأي بعض علماء اليوم كالشيخ محمد متولي الشعراوي، ونستطيع أن نؤيد هذا الاتجاه من التفسير إذا لاحظنا أن سياق هذه الآيات جاء بعد الحديث عن المسجد الأقصى والأرض التي بارك الله حولها وكأنها لفتة إلى هذا المعنى، كما أن تسمية سورة الإسراء باسم آخر هو بني إسرائيل قد يؤيد هذا الاتجاه من التفسير. ونستطيع أن ندعم هذا الوجه من التفسير بالأحاديث الشريفة التي جاءت في صحيحي البخاري ومسلم وهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز. عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «تقاتلون اليهود حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول: يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله». وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- «لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر يا مسلم، يا عبد الله.. هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود». لو أمعنا النظر في هذه الأحاديث لتبينا فيها معجزة من معجزات رسولنا الكريم-صلوات الله عليه- فيكف يقاتل المسلمون اليهود وهم أمة متفرقة في الأرض ضعيفة مستكينة في البلاد التي تعيش فيها؟ إذن لا بد من تجمع هذه الأمة حتى يمكن محاربتها، ثم لو تجمعت في مكان بعيد عن ديار المسلمين فلماذا نحاربهم؟ إذن لا بد أن يكون تجمعهم في بلاد المسلمين حتى يكون هناك سبب لحربهم. وقد بدأت المعجزة تتحقق وتجمع اليهود من أقطار الأرض وما زالوا يتجمعون في الأرض المقدسة التي بارك الله حولها، في أرض المسجد الأقصى، فلا بد إذن من حربهم لإخراجهم من الأرض التي دنسوها. وكيف ستكون حربنا معهم؟ إن الأحاديث الشريفة تشير الى أن هذه الحرب ستكون حربًا ضروسًا تبید خضراءهم، وتريح الأرض من شرورهم، فلا يخفيهم شجر ولا يقيهم حجر، وسواء أكان نطق الحجارة والشجر على الحقيقة وهي معجزة غير بعيد أن يكرم الله بها المؤمنين الذين نصت الأحاديث على أنهم هم الذين سيهزمون اليهود، أو كان مجازًا فإن النتيجة واحدة وهي أنهم سيلاقون على أيدي المؤمنين من عباد الله النهاية المحتومة. وفي مسيرتنا اليوم في محاربة یهود نسمع أصواتًا تنادي بعقد المعاهدات معهم وصلحهم ونحن نقول: إن اليهود أمة لا تفي بعهد ولا عقد، فهم طالما نكثوا بالعهود مع أنبيائهم الذين أنقذوهم من الذل والهوان، بل هم قد نكثوا العهود مع الله الذي فلق لهم البحر ورفع فوقهم الجبل، فكيف يوفون بها لنا وهم أعداؤنا منذ كنا؟ ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ (المائدة: 82). وبدلًا من أن نسعى لصلح مع عدونا علينا أن نسعى لإصلاح أنفسنا وتقوية جيوشنا حتى نسترد حقنا بالأسلوب الذي أخذ منا. أن الفئة التي ستقابل اليهود في الميدان وستحرز النصر الساحق هي الفئة المؤمنة التي ترفع راية الله أكبر وتجاهد في سبيل الله جهادًا خالصًا، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)، فالنداء للمؤمنين والنصر مشروط فلنكن مؤمنين، ولنفِ بالشروط لنحرز النصر المبين. أما أن نسمع أصواتًا تقول: لماذا ينصر الله علينا يهود ونحن مسلمون؟ فنقول لهم إن مجرد إطلاق هذا الاسم عليكم لا يخولكم التأييد السماوي، فلتأیید السماء شروط معروفة لا بد من تحقيقها، ونحن لسنا أكرم من صحابة رسول الله وهم الصفوة المؤمنة التي يعز أن يأتي الزمان بمثلها، ومعهم رسول الله أكرم الخلق على الله، إذ رضي لهم الله الهزيمة في أحد أمام المشركين لمجرد مخالفة أمر رسول الله. إنها آية السماء للمؤمنين ليلزموا الطريق لينالوا نصرًا من الله مؤزرًا. إن إرادة الله جل جلاله اقتضت أن يكون عزنا ونصرنا منوطًا بتمسكنا بديننا، وإلا فالذل والهوان وقد أدرك هذه الحقيقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوجه إليها أنظار المسلمين حين قال: «لقد كنتم أذل الناس فأعزكم الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله». عندما وصلت طلائع الجيش الإسلامي بقيادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى مشارف خيبر قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين». فلولا الله أكبر ما خربت خیبر!. وعندما تدوي الله أكبر في ساحات فلسطين من قلوب مؤمنة وعزائم صادقة تتنزل السماء بنصر مبين، ويمئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. أحمد لطفي عبد اللطيف 1- رواية البخاري في فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر العسقلاني الجزء التاسع.
الرابط المختصر :