العنوان ماركسيون كاذبون في ادعائهم الإسلام
الكاتب مجلة المجتمع
تاريخ النشر الثلاثاء 18-مارس-1975
مشاهدات 16
نشر في العدد 241
نشر في الصفحة 26

الثلاثاء 18-مارس-1975
مجلة «الطليعة اليسارية» المصرية في عددها رقم «۱۲» نشرت مقالًا طويلًا للكاتب فاروق منصور تحت عنوان «ماركسيون، ولكنهم مسلمون» ولخطورة الأفكار الواردة فيه رأيت من واجبي كمسلم أن أرد على الافتراءات بما هو الحق إن شاء الله. في مقدمة المقال أخذت المجلة الثورية تعدد مؤلفات الكاتب الإسلامية فيها فضائل القرآن، الإسلام نعم، الكهانة لا، الله...إلخ والذي يعرف «دهاليز الماركسيين» الإعلامية يشعر بأن هذا المديح للكاتب يظهر وكأنه «تزكية» أو «توجيه» للقارئ بأن يثق بما كتبه فاروق منصور ليستعد القارئ البسيط نفسيًّا لتلقي «جرعات» الفقيه الماركسي وكأنه فقيه مسلم. ومن إدراكي لأساليب الشيوعية في عالمنا العربي من خلال تجربتنا المريرة معهم، ومن التزامي بالإسلام، أحاول أن أتناول ما جاء على لسان الكاتب الذي ظن أنه الوحيد في مجال الحديث عن الإسلام، وبمفهومه الخاص الموجه، من الماركسية اليهودية. يتساءل الكاتب بقوله: لا ندري ما الذي يمنع من وجهة نظر الإسلام أن يكون الإنسان ماركسيًا ومسلمًا في وقت واحد؟ ولو أن الرجل طرح السؤال بشكل يدعي فيه قلة معرفته بنظرية الإسلام، لالتمسنا له العذر، ولكنه طرح سؤاله بشكل استفهام إنكاري وكأنه يقول لا يوجد ما يمنع الازدواجية بين الإسلام والماركسية في وقت واحد، وهذا لا شك بهتان وبطلان؛ لأن كل الموانع موجودة سواء في مجال العقيدة أو النظام أو الفلسفة الاجتماعية، أو الرؤية السياسية وفلسفة الحكم، بل وحتى في مسائل الأفراد وغاياتهم وسلوكهم، الموانع موجودة في كل نواحي الفكر الإسلامي ولعل الأصوب أن نسأل الكاتب ما الذي يجعل المسلم أن يكون ماركسيًا؟ بل لو كان المسلم «المتمركس» يفهم الإسلام حقًا ويلتزم به لاعتبر الماركسية حماقة تاريخية لا مثيل لها وجهالة علمية ما بعدها جهالة كما يقول عباس العقاد -رحمه الله-، ولربما غاب عن بال الكاتب «مدعي الإسلام» أن يفتح كتاب الله الكريم ويقرأ النصوص المحكمة في هذا المجال ﴿لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ (آل عمران: 28) ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ﴾ (التوبة: 29) إلى آخر النصوص الوفيرة في كتاب الله ونسأل الكاتب المحترم هل الماركسيون يؤمنون بالله وباليوم الآخر؟ هل الماركسيون يحرمون ما حرم الله ورسوله؟ وهل، وهل...إلخ. إن الموضوعية، والعلم، كلمات تافهة عندما تنطلق من أفواه الشيوعيين جملة وتفصيلًا لأنهم أول من يخالفها ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (الصف: 3) إذًا: هذه الازدواجية والتذبذب لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، سياسة يرفضها الإسلام ويجعل معتنقيها في صف الأعداء الذين يجب قتالهم ليعودوا إلى صوابهم، إن الإمعية التي يتميز بها الشيوعيون في أساليبهم الدعائية، نعرفها جيدًا، وتقول لهم إن ذاك الإنسان المركب من نصف مسلم ونصف ماركسي، غير موجود في أيديولوجية الإسلام مطلقًا وإن كان موجودًا في صف «المنافقين» في المجتمع الإسلامي. ولا أدري كيف يسمح فاروق منصور لنفسه أن يورد بعض الآيات الكريمات يقتطعها كدليل على ما أراد، دون الأخذ بكامل الدليل من الآيات الأخرى، ولكن لا غرابة فتلك موضوعية الشيوعية عندما يكتبون؟؟! وإذا كان الكاتب يجهل أن القرآن يقول: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ﴾ (الحشر: 11) الذين كفروا من أهل الكتاب، والمنافقون إخوانهم ولو أنهم يلبسون رداء الإسلام؟؟ نعم إذا كان الإسلام حسم أمر المنافقين مع إخوانهم الذين كفروا، فكيف يا فاروق، وبأي منطق لا يمنع الإسلام أتباعه أن يكونوا ماركسيين؟؟ والحقيقة أن الماركسيين الأصليين ما ادعوا هذا الذي تنادي به. ثم يتساءل فاروق مرة أخرى على طريقة «غوبلز» الإعلامي النازي بقاعدته الشهيرة، اكذب، اكذب، فلا بد أن يعلق بذهن الناس شيء من هذا الكذب يتساءل فيقول: لماذا نزج بالإسلام فيما لا يحتاج أن يدخل فيه؟ ونحن نسأل الماركسي الغيور«؟» على الإسلام، ما الذي لا يدخل فيه الإسلام؟ الإسلام نظم الحياة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يحييكم﴾ (الأنفال: 24) قيم الإسلام الحياتية تدخل في كل شيء لأن تلك هي رسالته وغايته والدليل ليس صعبًا الإتيان به، فالإسلام الذي نظم إنسانه المسلم في كيفية دخوله «الحمام» بل أكثر في طريقة استعمال المطاهر - ولاحظ كل تدل هذه الكلمة على ذوق رفيع جدًا- يكون قطعًا قد فرغ من تنظيم ما هو أهم من المهم. أمَّا إذا تصور الشيوعيون بفكرهم المنحدر الحاقد أنهم يرون في الإسلام دينًا محصورًا في عبادات، فلقد أخطأ ظنهم وخاب فألهم، ولو كانوا يعتقدون ذلك من أهل الإسلام لما حاربوه، ولما وضعوه على رأس القائمة في حساباتهم الدولية؛ لأنه عندئذ لا خطر فيه ولا خطر منه، أَمَا وإن الإسلام في مجمل تصوره، لا يقبل إلا أن يرفع رأسه، ورايته، في كل زمان وفوق كل مكان فتلك عقدة أهل الشيوعية عجمًا وعربًا، مع الإسلام، ثم يتابع الكاتب جرعات السم الفكري فيقول بالحرف: الماركسيون العرب إخوان لنا في الدين والوطن، والرد الحاسم أولًا قول الله عز من قائل: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾ (الكهف: 5) كذب على دين الله تعالى أولًا وافتراء على حقائق التاريخ كذلك فمتى كانوا إخوة؟ «لاحظ استعمال الكاتب لهذه الكلمة والأجدر به أن يستعمل «رفاق» حتى يكون مع نفسه صادقًا على الأقل» لنا كمسلمين أظن أن الكاتب لم يقرأ دور الشيوعية في نكبة عام ١٩٦٧ المضلل الرهيب، وبالمناسبة نذكره برفاقه الماركسيين الملطخة أيديهم بدماء المسلمين في الجمهوريات الإسلامية الكثيرة الواقعة تحت حكم الشيوعية، وهل ننسى نحن المسلمين شعب «القرم» المسلم الذي أجبرت فيه المرأة المسلمة أن تأكل لحم الأموات لأن الإخوة«!» الشيوعيون حرموها من رغيف الخبز، كما ذكر العقاد في إحدى كتبه كيف إذًا سياستهم إذا لم يكونوا إخوة؟! وهم أخوة- و- حاشا لله ذلك- نقص على أيديهم عدد المسلمين من ٤٥ مليونًا إلى ۲۰ مليون مسلم. عمليات الإبادة الجماعية معروفة لدينا تمامًا شباب الإسلام. وسنرضعها وصايا مقدسة لأطفالنا مع حليب أمهاتهم خوفًا من أن يلحقهم ما لحق شعب القرم المسلم، أما أخوة الوطن، فمنطق غريب، تكذبه وتدحضه تجارب «٥٠» عامًا مع الشيوعيين. وإذا سمح لنا القارئ الكريم نقول له إن مفهوم «الرفاق» سمح للماركسيين باحتلال جيكوسلوفاكيا الشهير في ساعة من الإخلاص الشيوعي لرفاقهم. هذا ويستطرد فاروق منصور فيقول -فض الله فاه- لو أننا حللنا الماركسية لوجدنا فيها الكثير من الأقوال والتطبيقات التي بنيت على أساس إسلامي، ويعتبر الإسلام مصدرًا للكثير من روافد الماركسية. نتعجل الجواب لنقول لأشباه المثقفين على طراز فاروق، إنه أصلًا لا لقاء بين الأباطيل والحقائق، ولا لقاء إذًا بين الماركسية والإسلام وإن كان هناك من لقاء فهو «عرضي» كما تلتقي السكك الحديدية في نقاط بسيطة ثم تفترق إلى لا لقاء، بل إلى تباعد شاسع، والحقيقة أن لقاء الإسلام بالماركسية لا معنى له إلا تأكيد عدم اللقاء أو الالتقاء، وأقرب الأمثلة على ذلك ادعاء أهل الشيوعية أنها تحارب الفقر، والإسلام كذلك، ولكن الفارق كبير بالماركسية، تعطي للفقير قلبًا ماركسيًا مملوءًا بالحقد على الأغنياء، وتمده بالسلاح ليقتل الغني ويسيطر على ماله، وذلك هو الحقد بعينه. أما الإسلام، فيمسك بيد الغني فيملؤها بحاجة الفقير ليقدمها إليه دون بَطر أو تظاهر، حتى لا تدري يده اليسرى ما تفعل اليمني، ثم يعلم ويربي الفقير على أن يجمل بالطلب، لتساوي الناس في عدالة اجتماعية زاهية ركيزتها الأخلاق، لا الأحقاد، والتعاون لا التناحر، والتحابب لا التحاسد. ويقرر الكاتب بعد ذلك أن من الماركسيين من يؤمن بالله ويصوم ويصلي -ما شاء الله- كمْ هما مخلصون للإسلام؟ تمامًا كسياسة النعام والثعالب وربما طبيعة هذا الإيمان، والصلاة والصيام أملت على «مولوتوف» الملقب بثعلب السياسة الروسية ووزير خارجيتها السابق يقول: «علينا أن نعرف طريقة الإسلام في الدعوة لنستطيع تحطيمه من الداخل» وهذا الرد كاف على نفاق الماركسيين في إيمانهم وحياتهم وصلاتهم، ثم يصل فاروق منصور إلى قمة الافتراء والتشويش فيقول بالحرف: «الإسلام نفسه لا يمنع الإنسان من اختيار الماركسية كمنهج سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي» ثم يترك هذه العبارة على إطلاقها هكذا دون دليل أو حجة، وإنما هي جرعة أخيرة في زجاجة الداء الماركسي، لتكون القاتلة، ولا من دليل يؤيد هذه الدعوى إلا خيال الكاتب الأصغر، ونكتفي بالرد على هذا الباطل الكبير بدليل واحد وما أكثر الأدلة: رأى نبينا وحبيبنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، عمر بن الخطاب يقرأ يومًا ما وفي يده صحيفة، فسأله النبي الكريم عما في يده، فقام عمر، إنها التوراة عندئذ غضب رسول الله غضبًا شديدًا- وقل ما يغضب- وخاطب عمر بقوله «والله لو إن موسى حيًا ما كان له إلا أن يتبعني»، نعم محمد -صلى الله عليه وسلم- يقرر وحدة المصدر الفكري. وأسلوب التلقي، فكيف بعد هذا الجزم الحاسم تدَّعي شرنقة بشرية كالكاتب فاروق، فيقرر أن الإسلام لا يمنع من اختيار الماركسية؟ لا أيها الفقيه الماركسي، الإسلام يمنع أية روافد فكرية، أو سياسية، أو اجتماعية، خارجة عن مفهوم الإسلام نفسه. وإن كان الإسلام أيضًا لا يمنع من معرفة الجاهلين- سواء كانت شيوعية أو رأسمالية- حتى يقوم بكشف خداعها وأباطيلها، ليتبين للناس -كل الناس- الصراط المستقيم. وأين هي النصوص القرآنية التي استدل بها الكاتب، وهو يعلم قطعًا أنها تعارضه بحرفيتها وكلماتها ومعانيها هي آية ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ (آل عمران: 85) وكلمة دين إن كنت لا تعلم يا فاروق، تعني في الإسلام المنهج النظري والعملي والسلوكي للمسلم باختصار تعنى «الأيديولوجية» الكاملة بالتعبير الحديث وننهي الرد الموجز هذا باقتباس قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وأرضاه: «يوشك أن تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فيهم من لم يعرف أحوال الجاهلية» وعمر هذا الذي عرف الجاهلية القديمة هو نفسه الذي عرف كيفية تحطيمها والقضاء عليها وعلينا شباب الإسلام أن نعرف الجاهلية الحديثة إن صح التعبير وعلى رأسها «الماركسية وشقيقتها الرسمالية»، لنعرف أيضًا كيف نسعى لتحطيمها ولنكون خير خلف لخير سلف، وليبق الإسلام خالصًا من شوائب الجاهليين في كل زمان ومكان.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكل
قراءة في رواية «الكرنك»..لم يتغير شيء جوهري في حارة دعبس!
نشر في العدد 2173
20
الثلاثاء 01-نوفمبر-2022

