; مولد الأنبياء والمصلحين وميلاد الشياطين | مجلة المجتمع

العنوان مولد الأنبياء والمصلحين وميلاد الشياطين

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 07-أبريل-2007

مشاهدات 14

نشر في العدد 1746

نشر في الصفحة 43

السبت 07-أبريل-2007

الأنبياء يولدون، وشياطين الإنس يولدون، والصالحون يولدون، والفاسقون يولدون، والقتلة الظلمة يولدون، والأطهار الضحايا يولدون، ولكن هناك فرقًا بين ميلاد وميلاد، وبين أثر وأثر، وطبيعة وطبيعة، كم يتمنى الناس والدنيا ميلاد الأنبياء والمصلحين، وكم يبتئسون بميلاد الشياطين والمفسدين والظالمين، وكم يستقبل التاريخ أنوار العظماء ويسطر أحرف من ضياء تاريخهم وآثارهم وأعمالهم، وكم يرزأ  التاريخ بأوزار المفسدين والظلمة والضالين والخاسرين، يشيعها باللعنات: لعنات الناس ولعنات  التاريخ، ولعنات الله.. وصدق الله ﴿أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ (البقرة: 159) ﴿أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ (البقرة: 161).

 يولد الأنبياء ليصلحوا بهدى الله ما فسد بأهواء الناس وعمل الشياطين بعدالة السماء ما انتزع من كرامة الناس وآدميتهم، وانتهب من أموال الناس وأرزاقهم، واندثر من أخلاق البشر وآدابهم، يولد الشياطين ليلوثوا الفطر النقية، والطبائع الزكية، ويزرعوا الفتن، ويؤصلوا الظالم، وينتهكوا الحرمات، وليجعلوا الأرض خرابًا يبابًا.

 ولهذا لو يعلم الناس ما يخبنه الغيب حتى يقتلعوا الخبث من جذوره، ويبيدوه حتى بدوه وبزوغه، ولكن هذا لا يظهر إلا أضواء النبوات في عقول الأنبياء وفراسة الصالحين بنور الله في صدورهم وعقولهم. وهذا ما أشير إليه في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام حين رأى المهلكة في غلام والشر في محياه صغيرًا، وأراح العالم من شره ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ (الكهف: 81:80)، وهذا الغلام قد لا يبدو في حاضره ومظهره أنه يستحق القتل ولكنه قد كشف للخضر ستر الغيب عن حقيقته، فإذا هو في طبيعته كافر طاغ مدمر، تكمن في نفسه بذور الكفر والطغيان، ويزيد مع الزمن بزوغًا وتحققًا، فلو عاش لأرهق والديه والمؤمنين والمجتمع بكفره وطغيانه، وقادهما بدافع حبهما له صغيرًا أن يربياه ليبلغ أشده ويفعل ما قدر له أن يفعله، فأراد الله أن يوجه إرادة العبد الصالح إلى قتل هذا الغلام الذي يحمل طبيعة الكفر والطغيان، والظلم والبهتان، وأن يبدلهما خيرًا منه زكاة وأقرب منه لنفع والديه وأمته والناس أجمعين.

أما مولد الأنبياء والمصلحين فإنه يسبقه  أريج الصلاح وشذى الهدى والنور ومخايل الهداية وإرهاصات العزائم ويشعر بهم البعض حتى قبل أن يولدوا ويبحث الناس عنهم صغارًا قبل أن يسودوا، وما قولة ورقة بن نوفل لرسول الله ﷺ حين أخبره بالوحي فقال له: «هذا هو الناموس الذي أنزل على موسى ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك»، قال:ﷺ أو مخرجي هم؟».. قال: «نعم، لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يأتني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا».

 وما العلامات التي رآها عبد المطلب قبل أن يولد ﷺ وأحس بها أهل الظلم والبغي إلا من إرهاصات بزوغ أنوار الرسول  .ﷺ   

يقول عبد المطلب بينما أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني، ففزعت منها فزعًا شديدًا، فأتيت عرافة عندها علم من الكتب السماوية، فلما نظرت في وجهي عرفت فيه التغير، وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما بال سيدنا قد أتانا متغير اللون؟! هل رابه من حدثان الدهر شيء؟ فقلت لها: أجل!! إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كأن شجرة نبتت قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورًا أزهر منها أعظم من نور الشمس أضعافًا كثيرة ورأيت العرب والعجم ساجدين لها، وهي تزداد كل ساعة عظمًا ونورًا وارتفاعًا، ورأيت رهطًا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قومًا من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخرهم شاب لم أر قط أحسن منه وجهًا، ولا أطيب منه ريحًا فيكسر ظهورهم ويقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول منها نصيبًا فمنعني الشاب، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها، فتنبهت مذعورًا فزعًا.

فقالت: لئن صدقت رؤيتك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث، ويقول: كانت الشجرة أبا القاسم.

وكم من بشريات ظهرت تبشر بوجود الرسول ﷺ، وقد كانت الهداية والسيادة والعزة، وكم من نكسات تحذر من أزمان الطغاة ومن بزوغ نحسهم وطلوع ليلهم وكم من كوابيس يراها الناس في منامهم وصحوهم تخرج شياطين وطغاة وفسقة ينتظر الناس زوالهم، ليقولوا كما قال الأولون ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ (فاطر: 34) والله المستعان.

الرابط المختصر :