; بين ميلاد الأنبياء وميلاد الشياطين.. فرق كبير! | مجلة المجتمع

العنوان بين ميلاد الأنبياء وميلاد الشياطين.. فرق كبير!

الكاتب د. توفيق الواعي

تاريخ النشر السبت 05-يناير-2013

مشاهدات 8

نشر في العدد 2034

نشر في الصفحة 37

السبت 05-يناير-2013

الأنبياء يولدون، وشياطين الإنس يولدون، والصالحون يولدون، والفاسقون يولدون، والقتلة الظلمة يولدون، والأطهار الضحايا يولدون، ولكن هناك فرقا بين ميلاد وميلاد، وبين أثر وأثر، وطبيعة، كم يتمنى الناس والدنيا ميلاد الأنبياء والمصلحين، وكم يبتنسون بميلاد الشياطين والمفسدين والظالمين، وكم يستقبل التاريخ أنوار العظماء ويسطر بأحرف من ضياء تاريخهم وآثارهم وأعمالهم، وكم يرزأ التاريخ بأوزار المفسدين والظلمة والضالين والخاسرين، ويشيعها باللعنات؛ لعنات الناس ولعنات التاريخ، ولعنات الله سبحانه.. وصدق الله العظيم: ﴿أُوْلَـٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ (١٥٩)﴾ (البقرة)، ﴿أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ(١٦١)﴾ (البقرة).

يولد الأنبياء ليصلحوا بهدى الله ما فسد بأهواء الناس وعمل الشياطين، وبعدالة السماء ما انتزع من كرامة الناس وأدميتهم، وانتهب من أموال الناس وأرزاقهم، واندثر من أخلاق البشر وآدابهم، ويولد الشياطين ليكونوا فتنة بمحاولة تلويث الفطر النقية، والطبائع الزكية، وليزرعوا الفتن، ويؤصلوا المظالم، وينتهكوا الحرمات، وليجعلوا الأرض خرابا يبابًا.

ولهذا لو يعلم الناس ما يخبئه الغيب حتى يقتلعوا الخبث من جذوره، ويبيدوه عند بدوه وبزوغه، ولكن هذا لا يظهر إلا بأضواء النبوات في عقول الأنبياء، وفراسة الصالحين بنور الله في صدورهم وعقولهم، وهذا ما أشير إليه في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام حين رأى الهلكة في غلام والشر في محياه صغيرًا، فأراح العالم من شره؛ ﴿وَأَمَّا ٱلۡغُلَٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤۡمِنَيۡنِ فَخَشِينَآ أَن يُرۡهِقَهُمَا طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗا (80) فَأَرَدۡنَآ أَن يُبۡدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيۡرٗا مِّنۡهُ زَكَوٰةٗ وَأَقۡرَبَ رُحۡمٗا (81)﴾ (الكهف)، وهذا الغلام قد لا يبدو في حاضره ومظهره أنه يستحق القتل، ولكنه قد كشف للخضر ستر الغيب عن حقيقته، فإذا هو في طبيعته كافر طاغ مدمر، تكمن في نفسه بذور الكفر والطغيان، ويزيد مع الزمن بزوغا وتحققا، فلو عاش لأرهق والديه والمؤمنين والمجتمع بكفره وطغيانه، وقادهما بدافع حبهما له صغيرا أن يربياه ليبلغ أشده، ويفعل ما قدر له أن يفعله، فأراد الله تعالى أن يوجه إرادة العبد الصالح إلى قتل هذا الغلام الذي يحمل طبيعة الكفر والطغيان، والظلم والبهتان، وأن يبدلهما خيرا منه زكاة وأقرب منه لنفع والديه وأمته والناس أجمعين.

أما مولد الأنبياء والمصلحين فإنه يسبقه أريج الصلاح وشذا الهدى والنور، ومخايل الهداية وإرهاصات العزائم، ويشعر بهم البعض حتى قبل أن يولدوا ويبحث الناس عنهم صغارا قبل أن يسودوا، وما قولة ورقة بن نوفل لرسول الله ﷺ حين أخبره بالوحي فقال له: «هذا هو الناموس الذي أنزل على موسى، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك»، قال: «أومخرجي هم؟»، قال: «نعم، لم يأت رجل بمثل ما جنت به إلا عودي، وإن يأتني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا».

وما العلامات التي رآها عبد المطلب قبل أن يولد، وأحس بها أهل الظلم والبغي إلا من إرهاصات بزوغ أنوار الرسول.

يقول عبد المطلب: بينما أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني، ففزعت منها فزعا شديدًا، فأتيت عرافة عندها علم من الكتب السماوية، فلما نظرت في وجهي عرفت فيه التغير، وأنا يومئذ سيد قومي، فقالت: ما بال سيدنا قد أتانا متغير اللون؟! هل رابه من حدثان الدهر شيء؟ فقلت لها: أجل!!

إني رأيت الليلة وأنا نائم في الحجر كان شجرة نبتت قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب، وما رأيت نورًا أزهر منها، أعظم من نور الشمس أضعافا كثيرة، ورأيت العرب والعجم ساجدين لها، وهي تزداد كل ساعة عظما ونورا وارتفاعًا، ورأيت رهطا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قوما من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها أخرهم شاب لم أرقط أحسن منه وجهًا، ولا أطيب منه ريحًا؛ فيكسر ظهورهم، ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لأتناول منها نصيبا فمنعني الشاب، فقلت: لمن النصيب؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها، فتنبهت مذعورًا فزعًا.

فقالت: لئن صدقت رؤيتك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب.. فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث، ويقول: كانت الشجرة أبا القاسم.

وكم من بشريات ظهرت تبشر بوجود الرسول ﷺ، وقد كانت الهداية والسيادة والعزة، وكم من نكسات تحذر من أزمان الطغاة ومن بزوغ نحسهم وطلوع ليلهم، وكم من كوابيس يراها الناس في منامهم وصحوهم تخرج شياطين وطغاة وفسقة ينتظر الناس زوالهم، ليقولوا كما قال الأولون: ﴿وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٞ شَكُورٌ (34)﴾ (فاطر).

إذن فبعزائم الرسل وتضحية المصلحين يكون النصر المبين، ولقد كان هذا واضحًا جدًا في الأثر الذي ورد عن رسول الله ﷺ، حيث قال ذلك لأئمة الكفر الذين حضروا عند أبي طالب: «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، نسأل الله العون والتوفيق.. آمين.

الرابط المختصر :

موضوعات متعلقة

مشاهدة الكل

قراؤنا يكتبون (العدد 472)

نشر في العدد 472

11

الثلاثاء 04-مارس-1980

قلب الداعية

نشر في العدد 1239

8

الثلاثاء 25-فبراير-1997