; قطرة من بحر عملك بالمنزل تثري الكون | مجلة المجتمع

العنوان قطرة من بحر عملك بالمنزل تثري الكون

الكاتب رجاء خورشيد

تاريخ النشر الثلاثاء 18-مايو-1999

مشاهدات 19

نشر في العدد 1350

نشر في الصفحة 60

الثلاثاء 18-مايو-1999

حينما نشاهد بناء شاهقًا في أحد الشوارع الراقية، فإننا نبقى لحظات تتأمل تفاصيله، وشكله العام، وجماله، وموقعه.. إلخ، وقليل منا من يتبادر إلى ذهنه هيكله قبل البناء، متناسيًا أن وراء هذا الجمال حجارة صغيرة مترابطة.

معنى هذا أن الحصى المتناثر قد لا يكون له في تقديرنا أي مكانة، لكنه يصبح ذا مكانة رفيعة في حالة البناء، أو عظيمة في حالة قتل شيخ أو طفل، أو وضيعة في حالة تناثره بالطريق. 

فماذا يتوجب علينا؟ هل نحتقر الأمور الكبيرة ونقوم بإحصاء الأمور الصغيرة التافهة أم نهتم بالأمور العظام، ونترك الصغير التافه الذي هو الأساس لبناء الأمر الكبير، ونقطة ارتكاز له

كدعاة واعين علينا أن نقدر الأمور حق قدرها، فلا نحتقر النملة بينما هي كائن نشط منظم.

ذات مرة جاءتني سيدة تشكو من أنها تقوم بأعمال حقيرة في منزلها.. فتساءلت عن ذلك العمل. فقالت: إن ترتيب أثاث منزلها لا يعجبها، ويثير حنقها. وإن قامت بذلك احتقرته، فقلت لها: إن أمرًا كهذا يجهله كثير منا، فلا تحتقري عملك أبدًا مهما صغر في عينك. فمثلًا ترتيب أثاث منزلك يعلمك الذوق الرفيع والنظام والترتيب وأمورًا شتى.. حينها بدت الدهشة والارتياح على وجهها، إذ إنها لم تفطن للأمر العظيم الذي تقوم به، فبهذا العمل يراها أبناؤها، وهي ترتب فيصبحون أبناء منظمين في حياتهم وفي نومهم، وفي لباسهم. وفي مدرستهم، وبالتالي يؤثرون في المجتمع، هكذا تثري قطرة من بحر - دون أن نشعر- الكون من حولنا.

قد يكون احتقارنا للأشياء، والأمور على السواء ناتجًا من عدم إحساسنا بنتائج هذه الأعمال الصغيرة في نظرنا، إذ نريد أن يكون العمل الذي نقوم به عملًا يدر علينا أكبر الفوائد، وأجمل النتائج، وأن نشعر بثماره الحلوة.

وقد يكون السبب عدم صبرنا، واستعجال النتائج.. فمثلًا إنسان ذو إرادة قوية يريد تغيير بعض عاداته السيئة فإن عليه الصبر لشهور وسنين حتى يستطيع تغيير هذه العادات.. وهو بذلك كطفل أراد تغيير مجرى نهر بفعل حصاه الذي يضعه يوميًا في الاتجاه الذي يريد، حتى يتغير مجرى النهر الذي حفرته المياه على مر السنين إلى الاتجاه المطلوب، إن الحصى هنا هو الأمور التي نحتقرها.

وقد يكون وراء تحقيرنا للأمور.. ماديتنا المتمثلة في حب الأعمال التي تعود علينا بأرجى النفع المادي وخاصة النفع المالي .

فمثلًا قد يكون شذب الأشجار بالنسبة لشاب بالغ أمرًا مملًا تافهًا لا معنى له، بينما هو لشاب آخر أمر عظيم، فهو يعمل عملًا خيرًا طيبًا لسعادة البشرية والكون أجمع. إن الشاب المكلف بتشذيب الأشجار سيكون في سعادة نفسية بالغة لأدائه أمرًا يحبه فهو يعلم علم اليقين الفوائد العائدة على نفسه وغيره فهو يتعلم من ذلك المثابرة على العمل يوميًا، كما أنه يعلمه أن الباطل لابد من أن يندحر، متخذًا ذلك من قصه الأشواك والأغصان الشائكة إن كل أمر خلقه الله، جعله مسخرًا للإنسان للفائدة الجمة التي يلمسها المتدبرون، لذلك كثير من الآيات القرآنية كانت تدعونا للتأمل والتدبر في أمور حياتنا حتى أدقها وأصغرها. وأذكر موقفًا طريفًا حدث لي ذات مرة... كنتُ أساعد أمي في المطبخ، وكان علي تقطيع الطماطم وأخذت أمي تقول لي انظري لهذه الحبات من الطماطم، إنها حمراء، لكنها خضراء من الداخل!!

فقلت لها دون انتباه حتى لا تنخدع بالظاهر!!.. حينها دهشت أمي. وتوقفت عن الكلام، وأنا غير مصدقة ما خرج من فمي.

إنها حكمة.. قالها الحكماء.. فتأكدت مع الأيام. فمثلًا قد ترى إنسانًا يبدو لك لأول وهلة أنه ناجح في حياته، وفي عمله، يرتدي ملابس أنيقة تبدو عليه مظاهر الثراء، ويبدو لبقًا في حديثه معك. ولكن تصطدم بالحقيقة أنه إنسان جشع.. أناني لا يحب الخير لغيره.. إنه إنسان عظيم -في نظر بعض الناس- فهو إنسان عصري -على حد زعمهم- لكن عظمته تتحطم عند أول بادرة للتعامل مع أخلاقه السيئة، وأنانيته الفظة. هكذا علينا أن نعطي كلًا قدره، وأن ننبذ من حياتنا حب المظاهر واللهث وراءها، والحياة خير شاهد، وأفضل معلم..

الرابط المختصر :