; المجتمع التربوي(1133) | مجلة المجتمع

العنوان المجتمع التربوي(1133)

الكاتب د.عبدالحميد البلالي

تاريخ النشر الثلاثاء 10-يناير-1995

مشاهدات 13

نشر في العدد 1133

نشر في الصفحة 50

الثلاثاء 10-يناير-1995

وقفة تربوية

أين العلماء الموسوعيون؟

جاء في تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي ترجمة الإمام الزهري قوله روی أبو صالح عن الليث قال: ما رأيت عالمًا قط أجمع من الزهري يحدث في الترغيب فنقول:« لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن العرب والأنساب قلت: لا يحسن إلا هذا، وإن حدث عن القرآن والسنة كذلك».

لقد ملئ التاريخ الإسلامي بأمثال هؤلاء العلماء الذين كانوا يحسنون ويتقنون فنونًا متعددة من العلم كالإمام ابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم وغيرهم كثير.

ولذلك كان هؤلاء منارات علمية، بل جامعات تدب على الأرض. إن من المحزن ألا ترى أمثال هؤلاء في زماننا، وإن كانوا موجودين فلا يمكن رؤيتهم إلا بالمجاهر المكبرة آلاف المرات، وإن من المحزن أيضًا أن يقنع بعض علمائنا الأفاضل بلقب الدكتوراة، فلا يطورون أنفسهم، ولا يلجون علومًا أخرى، ويشغلون أنفسهم بالمهم على الأهم، ولذلك ندر جدًا أن نرى عالما يفقه في أمور السياسة أو التخطيط والإدارة، أو الأمور الاقتصادية الحديثة، وإذا علم أحدهم أمرا من هذه الأمور تجده ضعيفًا في الأمور الأخرى، وانجر هذا الأمر على الدعاة فأصبح من العسير جدًا أن نرى داعية ملمًا بأطراف العلم، كما كان يوصى الإمام البنا -رحمة الله عليه - عندما نصح الدعاة بأن يقربوا طرفًا من كل باب إننا لا نقول بوجوب هذا الأمر على الجميع، ولكن لا بد للحركة الإسلامية في كل قطر أن توجد أمثال هؤلاء ليكونوا منارات يرجع إليها حينما يكثر ضباب الفتن وتنعدم الرؤية.

أبو بلال

خواطر داعية

عاطفة الداعي المربى نحو من يربيه

إنها عاطفة الأب الفاضل العاقل الحنون.. عاطفة الأب الذي يأمله كل ابن.. تلك المحطة التي يتزود منها كلما نفد بنزين الشعور أو بنزين الخبرة.. أو بنزين العلم.. ذاك الأب الذي يبش لابنه كلما راه، وذاك الأب الذي يوافق ابنه في أطروحاته وتطلعاته ليزيده ثقة بنفسه وصلة به.. ذاك الأب الذي يفرح إذا رأى ابنه عالمًا أو شاعرًا أو سائدًا أو إن شئت منقذ أمة!!

إنه الأب الذي يتمنى أن يفدي ابنه بروحه وجسده، فقد أدى لهذه الصلة بذلك ثمنها.. إنها الصلة المقدسة والأخوة الربانية وما سواها دنو.. فكم منكم أيها المربون يشعر بها.

ما هكذا الطريق يا من تعملون للدعوة

أسفًا لأناس يمارسون الدعوة إلى الله وهم أحوج ما يكونون إلى من يأخذ بيدهم إلى الله.. وينير قلوبهم بذكره.. يكونون مع مدعويهم أوقاتًا كثيرة.. ولا يكونون مع ربهم خالين يذكرونه ويذرفون الدمع بين يديه دقائق معدودة.. يكونون مع مدعويهم بأحاديث قد تكون كثيرة الآيات القرآنية والأحاديث المروية والأقوال المأثورة العظيمة وهم عن استشعارها وتذوقها بعيدون قلوبهم قست.. وعبادتهم ضعفت.. ومات فيهم الشعور المرهف.. وذكرهم للموت حقيقة يكاد يكون معدوما وإن ذكروا بالموت والآخرة لم تعد تذرفهم في اليوم دمعة واحدة.. أسفًا لهؤلاء الذين يضيعون أوقاتهم مع مدعويهم جد أسف.. ألا وإن كل إنسان سيسأل عن: «عمره فيم أفناه وعن وقته ماذا فعل به؟» فتوقف قليلًا وتب إلى الله واعزم الذكر الدامع وأكمل بعد ذلك الطريق.

أيها الأخ العامل.. لم لا تقرأ؟

يحز في النفس كثيرًا أن نرى من عامة الناس أو من أصحاب ميول من أصبحت القراءة بالنسبة إليه كالطعام والشراب وفى المقابل أخ وضع نفسه في زمرة العاملين للإسلام وهو لا يقرأ وإذا قرأ اصعد من الضيق.

 لم لا تقرأ أخي: الآن القراءة أصبحت أمرًا هامشيًا يقضى فيها وقت الملل أو الوقت الزائد.. أم لأن أعمالك للإسلام كثيرة.. أم أن لديك أمورًا هي أكبر من القراءة والاطلاع..

 أو لم تعلم أن ما امتاز به الصحابة من العلم والمعرفة والفطنة، وأن إيمانهم لم يبلغ ما بلغ إلا عندما تحققت فيهم مفاهيم رسخت هذا الإيمان في قلوبهم أو ما قرأت قوله تعالى:﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ (سورة فاطر:28) أو ما علمت أنه لا بورك في يوم لا تزداد فيه علما يقربك فيه إلى الله.

لم لا تقرأ إذًا: إن عليك واجب إفهام الناس الإسلام، والأوضاع، والسنن الإلهية والمستجدات وما خفي عليهم.. فكيف تفهم وفاقد الشيء لا يعطيه.. إننا في عصر تفجرت فيه المعلومات فإذا لم تكن مجاهدًا لالتقاط المعلومة فإنك ستصبح في نظر العارفين جاهل، وأنى للعارف أن يقبل من الجاهل.. إن تخصصك لا يكفي بل لا يفي إلا القليل وإن انطلاقك إلى شمولية المعرفة هو الجهاد الحق في هذه المرحلة لا تتعذر بأمور ليست في الميزان بشيء.. وفقك الله.

سامي محمد عبد الله

المنهج الرباني.. منهج شامل

بقلم: محمد أبو سيدو

الإسلام نظام يسيطر على المسلم في حركاته وسكناته، يسيطر عليه في تفكيره ونيته في قوله وعمله، يسيطر عليه في سره وجهره في خلوته وجلوته في قيامه وقعوده في نومه ويقظته، وكذلك في طعامه وشرابه وملبسه يسيطر عليه في جده ولهوه، في فرحه وحزنه، في رضاه وغضبه، يسيطر عليه غنيًا وفقيرًا، صغيرًا وكبيرًا، عظيمًا وحقيرًا، في صداقته وعداوته.

 من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ﴿إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام: 162).

 لا تزول قدمًا عبد يوم القيامة إلا ويسأل عن وقته فيما أمضاه، وعن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا فعل به.

والذين يظنون أن الإسلام عقيدة وليس نظامًا لا يعلمون حقيقة الإسلام، فالإسلام صبغة يصبغ الله بها عباده المؤمنين: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً  (البقرة: 138)، ويظن بعض الذين حرموا من نعمة الإيمان أن الإسلام عقيدة فقط وليس نظامًا، فهل يكون عقيدة من عند الله ونظامًا من عند غير الله ﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (النساء:۷۸). 

ولقد أكمل الله الدين الإسلامي وأتم بإكماله نعمته على خلقه ورضيه للناس دينًا ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ (المائدة:3)

 وإذا كان الله جل شأنه قد اختار الإسلام دينًا ورضيه للناس عقيدة ونظامًا فلا يجوز للمسلم أن يرضى غير ما رضيه الله.

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب:٣٦)

والتوافق العاطفي يضعه معلم البشرية صلي الله عليه وسلم في قوله الخالد: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به». ويقول عليه الصلاة والسلام:« إذا ساءتك سيئتك سرتك حسنتك فأنت مؤمن البر ما اطمأنت له النفس وارتاح له القلب، والإثم ما حاك في الصدر وتردد في القلب وكرهت أن يطلع عليه الناس» فالمعيار الدائم فاستفت قلبك وإن افتاك الناس وأفتوك.

 والإسلام دين الفطرة والفطرة البشرية متناسقة مع نظام الكون، والكون مسخر للبشر ليعيشوا وينتفعوا بخيراته. 

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ. (إبراهيم: ٣٢ - ٣٤).

ولم يسخر الله ملكه لفرد دون فرد أو فئة دون فئة، وإنما سخره للبشر جميعًا، فملك الله مسخر لمنفعة البشر، ولقد فرض الله على البشر أن ينفقوا من ماله الذي استخلفهم فيه. ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (الحديد: ٧).

 وإذا كان المال عارية في يد البشر الذين استخلفهم فيه فليس للبشر أن يتأخروا عن إنقاذ أمر الله في هذا المال.

ولا يظن أحد أن ما في يده من مال هو رزق خصه الله به فيمنعه عن غيره ويبخل به على من يستحقه فإن الله يرزق الناس يؤتيهم ملكا ليقوموا عليه في حدود أمره ونهيه.

 وإذا فضل الله بعض الناس على بعض في الرزق فلا يحسبن صاحب الرزق إذا تفق أنه ينفق من ماله وليعلم أنه ينفق من مال الله، وأنه لا يعطى شيئًا من عنده وإنما هو وسيط أعطى غيره من مال الله كما أخذ لنفسه.

﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (النحل:۷۱)

وما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينادي ملك من السماء اللهم أعط منفقا خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا.

فلا الجود يفنى المال قبل فنائه 

                                        ولا البخل في مال الشحيح يزيد 

ألم تر أن الرزق غاد ورائح

                                             وأن الذي أعطاك سوف يزيد

 يقول المصطفى ﷺ من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر يضع عنه وصدق رسول الله ﷺ: «من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة».

الرابط المختصر :