العنوان الشورى في مسيرة التجديد والنهضة
الكاتب الدكتور توفيق الشاوي
تاريخ النشر الثلاثاء 26-أبريل-1994
مشاهدات 11
نشر في العدد 1097
نشر في الصفحة 44
الثلاثاء 26-أبريل-1994
بقلم : الدكتور توفيق الشاوي(*)
إن المرحلة الحاضرة في مسيرة التجديد الإسلامي يجب أن تتميز بالمنهج الشوري -ونحن مجمعون الآن على أن الشورى التي عطلت طويلًا في تاريخنا الإسلامي أصبح الالتزام بها مفتاح النهضة والتجديد في العصر الحاضر.
إن الشعوب تتطلع الآن إلى أن يروا نماذج صحيحة للشورى الإسلامية، بعد أن خابت آمالها في شعارات الديمقراطية التي أصبحت في كثير من بلادنا مجرد ستار لأشد النظم استبدادًا وبغيًا وظلمًا ولم يبق لنا أمل إلا في السير في طريق الشورى الحرة الصحيحة التي فرضها القرآن الكريم بقوله تعالى: «وأمرهم شورى بينهم».
ولكي يكون الإسلاميون جادين في دعوة الأمة إلى الالتزام بهذا المنهج الرباني الذي فرضه القرآن، فإن الشعوب لا يمكن أن تستجيب لهذه الدعوة إلا إذا رأوا أنهم أول من يلتزم بمبدأ الحوار والشورى الذي يؤدى إلى التضامن والتعاون الجدي بين جميع الهيئات والمؤسسات والحركات التي ترفع الشعارات الإسلامية.
إن القرآن قرر مبدأ الشورى وفرضها علينا -لكنه ترك لاجتهاداتنا أن نرسم الطريق العملي لتطبيق هذا المبدأ بالأسلوب الذي يتناسب مع ظروف الزمان والمكان، والذين يتكلمون عن الشورى أو يدعون لها ما زالوا حتى الآن في نطاق الدفاع عن المبدأ باحترامه والالتزام به . ولم يدخلوا في نطاق الإجراءات العملية اللازمة للسير فيه.
إننا الآن نواجه خططًا معادية مبنية على أسس علمية وسياسية وتجارب تاريخية تنفذها أجهزة ضخمة لها إمكانيات فكرية وسياسية ومالية ودولية وحكومية -ورغم ذلك فإن التيار الإسلامي يضم تنظيمات وهيئات متعددة ومتنوعة ومتفرقة -بل ومتخاصمة في كثير من الأحيان- مما يجعل موقفها يزداد ضعفًا في حين أن أعداءنا يزدادون قوة ونفوذًا ولما كان الإخوان المسلمون في كبرى الحركات الإسلامية -في نظر شعوبنا وفي خطط أعدائنا- فإنها هي المسئولة عن رسم الخطط التي تقتضيها هذه المرحلة في تاريخ النهضة الإسلامية ومستقبل شعوب العالم الإسلامي وعليها أن تجعل إعداد خطة للعمل الإسلامي في جميع صوره وهيئاته في المرحلة القادمة هو أول واجب من واجباتها ...
إن أعداء الإسلام يعتبرون جميع فصائل الإسلام السياسي جبهة واحدة -رغم تفرقها وتنوعها- وقد توصلوا إلى خطط شاملة للقضاء على الإسلام ذاته بحجة اقتلاع جذور التيار الإسلامي وتجفيف المنابع التي يستمد منها حيويته وقوته. ونحن نسمع كثيرين من مخططيهم يعلنون من حين لآخر أنه لكي يمكن القضاء على التيار الإسلامي فلابد من القضاء على الإسلام ذاته.. وعلينا أن نواجه هذا الخطر بخطط علمية وسياسية شاملة.
إن ساحة الفكر الإسلامي أوسع نطاقًا من ساحة العمل السياسي -وإذا كانت حركات الإسلام السياسي تعمل جميعًا لهدف مشترك هو بناء الدولة الإسلامية، سواء كانت دولة قطرية أو مركزية- فإن هذا الهدف السياسي لا يجوز أن يشغلنا عن الهدف الأول الذي دعا له المجددون والمصلحون في بداية العصر الحديث وهو إصلاح المجتمع والتجديد الإسلامي الذي هو من أصول الإسلام الخالدة التي أشار لها الأثر المعروف -إن الله يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها على رأس كل قرن.
إن انشغال الحركات الإسلامية بأهداف العمل السياسي لا يجوز أن ينسيهم دورهم الأصلي والأول في الإصلاح والتجديد والنهضة الشاملة وهذه المهمة تحتاج إلى قدر كبير من الحوار والتشاور بين جميع المفكرين سواء كانوا داخل الجماعات والهيئات أو بعيدين عنها بسبب اختلاف الآراء السياسية أو بسبب الرغبة في التخصص أو التفرغ للعمل الفكري أو الثقافي أو المهني أو الاقتصادي .... إلخ.
إن كثيرين يقولون إن للحركة الصهيونية حكماء يرسمون لها الطريق الذي تسير فيه بقصد فرض سيطرتها على المجتمعات الأممية -ويظنون أن الإسلاميين ليس لهم حكماء في المستوى الذي وصل إليه حكماء إسرائيل والرد على ذلك هو أن هؤلاء الحكماء موجودون فعلًا في كل جيل وكل عصر -كل ما هنالك أننا نحتاج الآن إلى أن ندعوهم لكي يتشاوروا ويتبادلوا الآراء سواء بالمواجهة أو الحوار أو المراسلة في الموضوعات التي تهم مستقبل العالم الإسلامي والدفاع عن الإسلام وشعوبه وقيمه وتاريخه ضد الهجوم المنظم الذي خطط له أعداؤنا وينفذونه بكل دقة وتعاون فيما بينهم.. ونستفيد من آرائهم في وضع الخطط وتهيئة جميع الأسباب لكي تستفيد الجماعات والحركات الإسلامية كلها من هذه الآراء في مناهجها وسياستها ومواقفها.. وخاصة في هذه المرحلة التاريخية.
إننا في حاجة ماسة إلى هيئة شعبية تجند جميع الخبرات المتاحة في العالم العربي والإسلامي لإعداد خطط مشتركة في المرحلة الحالية لمقاومة السياسة العدوانية التي تبذل الدول الكبرى والمؤسسات التابعة لها جهدًا كبيرًا وإمكانيات ضخمة لإعدادها وتنفيذها سرًا وعلانية.
إن كثيرين من الإسلاميين ومن غيرهم يعتبرون الإخوان المسلمين ممثلين للتيار الإسلامي المعتدل -وهذه الصفة تعطيهم مكانًا واسعًا داخل فصائل الحركات الإسلامية وتضع على عاتقهم مسئولية كبيرة في التواصل والترابط بين جميع العاملين في الحقل الإسلامي- ولذلك فإننا ننتظر منهم أن يقوموا بمبادرة إيجابية لإقناع الجميع بافتتاح مرحلة جديدة للسير في طريق الشورى والالتزام بها في نطاق العمل الإسلامي على أساس وحدة الأمة وتضامن ممثلي الفكر الإسلامي بجميع عناصره واتجاهاته حتى نستطيع أن نكوّن جبهة عريضة لمواجهة تحديات الجهات الأجنبية والتطورات العالمية المتوالية.
إننا واثقون أن دعوتهم للحوار والشورى ستلقى قبولًا وتأييدًا من جميع العاملين في الحقل الإسلامي والمؤيدين للتيار الإسلامي وقادة الهيئات الإسلامية وأعضائها - متى أدركوا أهمية الغايات التي نسعى إليها وضرورة إعلان مواقف مشتركة في القضايا الإسلامية التي تفرضها الظروف العالمية والتي تحتاج إلى تضامن شعوبنا ووحدة أمتنا الإسلامية.. وذلك بشرط إعداد برنامج عملي للحوار والتشاور والدراسات اللازمة للموضوعات التي ستكون محل مناقشة.
في داخل كل قطر من أقطارنا دعوات متلاحقة للحوار والتشاور بين الحكومات ومعارضيها وبين جميع العناصر المشتركة في النزاع -ونحن نلاحظ أن الإسلاميين أول من يلح في ذلك ويدعو إليه ويؤيده- ومن الواجب أن تبدأ الهيئات الإسلامية فيما بينها بحوار جاد وتشاور مستمر وأن تعد المؤسسات والأجهزة التي تتولى تسيير عملية التشاور والحوار في إطار التيار الإسلامي للوصول إلى رأى موحد في المسائل التي يجرى الحوار بشأنها في البلاد المختلفة..
(*) أستاذ القانون الدولي السابق بجامعة القاهرة.
موضوعات متعلقة
مشاهدة الكلالإفراط والتشدد في القضايا الفرعية.. عبث لا يحقق مقاصد الدين
نشر في العدد 1764
88
السبت 11-أغسطس-2007
«تحرير الإسلام» على المستوى الشعبي والرسمي ضرورة لإنقاذ الأوطان وتوحيد الأمة
نشر في العدد 1766
81
السبت 25-أغسطس-2007